وتمكنت قوات النظام، أمس الأربعاء، من السيطرة على جبل النوبة الاستراتيجي في جبل الأكراد، المحرّر منذ نحو أربع سنوات، ويطلّ النوبة على مدينة سلمى من الجهة الغربية، ويقابل أوتوستراد اللاذقية حلب، من الجهة الجنوبية الشرقية. وجاء هذا التقدّم، بعد يومين شهدا معارك طاحنة وخسائر كبيرة في صفوف النظام والمعارضة، فيما كانت الغارات الروسية الفاعل الرئيسي في وصول قوات النظام إلى أعلى قمة الجبل.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لقوات النظام كان برج القصب الاستراتيجي، الذي يكشف معظم جبل الأكراد، ويطلّ على الطريق الرئيسي لحلب ـ اللاذقية، إلا أن النظام آثر فتح معركة جبل النوبة قبل القصب، فيما يبدو أنه يحقق هدفين بهدف واحد. ويُعتبر جبل النوبة خط الدفاع الرئيسي عن مدينة سلمى، ويبعد عنها نحو 7 كيلومترات، ويقع أيضاً على بعد كيلومترات قليلة من الطريق الرئيسي وبرج القصب.
وبسيطرة النظام على الجبل، فإنه يمكنه الضغط على المعارضة من الجهتين الشرقية والغربية، خصوصاً أنه بعد السيطرة على جبل الزويك وقرى الدغمشلية ودير حنا وكفردلبا وجبل دورين، يكون قد أطبق الحصار على برج القصب ومدينة سلمى، بقوس يمتد من الغرب إلى الشرق. ويعمد النظام من خلال ذلك أيضاً إلى تشتيت مقاتلي المعارضة، وهي استراتيجية بدأها مطلع الحملة العسكرية منذ ما يزيد على شهرين، عبر فتح ثلاثة محاور في وقت واحد في جب الأحمر وجبل التركمان وبرج القصب.
ويمكن قراءة ذلك أيضاً في سطور الإعلام الرسمي للنظام، اذ نقلت وكالة "سانا" عن مصدر عسكري لم تُسمِّه أن "الجيش يستكمل بعد السيطرة على جبل النوبة، تضييق الخناق على من تبقّى من تنظيمات إرهابية في ريف اللاذقية الشمالي، تحديداً في بلدة سلمى، بالإضافة إلى تطويق الإرهابيين في برج القصب من الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية، لا سيما أن الجبل يشرف على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية".
اقرأ أيضاً اللاذقية: غطاء جوي روسي كثيف يمنح النظام تقدما بـ"النوبة"
في هذا الإطار، يقول رئيس ديوان فرع المدفعية والصواريخ البحرية والساحلية، المنشق عن النظام، عثمان أسبرو لـ"العربي الجديد"، إن "النظام بسيطرته على جبل النوبة وهو التلة المقابلة لبرج القصب، ويفصل بينهما أوتوستراد حلب ـ اللاذقية، يكون قد أحكم الطوق أكثر على بلدة سلمى الاستراتيجية". ويشير إلى أن "الاحتلال الروسي يقصف بالدقيقة الواحدة آلاف الصواريخ والقذائف، فيما تجابه المعارضة ذلك ببنادق كلاشنكوف".
وحول الخطر المحدق بالساحل يلفت أسبرو، إلى أن "جبهة الساحل كانت دائماً الأفقر بين الجبهات لناحية الدعم العسكري. وكان مقصوداً هذا التوجه من قبل المعارضة والدول الداعمة لحساسية المنطقة". وبيّن أن "الدعم كان محصوراً بعدة أشخاص مُسيطر عليهم مادياً وعسكرياً وجميع هذا الدعم كان دفاعياً بمعظمه".
ويؤكد أسبرو أن "المعادلة اختلفت اليوم، إذ أصبح على الطرف الآخر من الجبهة، الجيش الروسي المحتل لبلادنا، ووجب على المعارضة أن تدعم هذه الجبهة لمواجهة الاحتلال الروسي والإيراني للمنطقة الساحلية تحديداً. وذلك لمنع أي اختلال في الجغرافيا السورية". ويدعو الدول الداعمة للمعارضة السورية، إلى الوقوف أمام مسؤولياتها التي أقرّتها أمام الأمم بأنهم "أصدقاء الشعب السوري المذبوح".
ويلفت إلى أن "الاحتلال الروسي يحاول جاهداً تحقيق أي مكسب عبر حرق البشر والشجر والحجر، إننا اليوم في جبهة الساحل أمام مرحلة استنزاف عسكري بشري". ويُحذّر أسبرو من أنه "إذا لم تدعم هذه الجبهة من قبل الأصدقاء، وتوجيه كبرى الفصائل إلى الساحل، فالجبهة ذاهبة إلى مزيد من الحرق والاحتلال والاستنزاف البشري".
ويكمن خطر سقوط جبل النوبة في هذا الوقت، أنه في يأتي بعد سلسلة من الخسائر للمعارضة في ريف اللاذقية، بعد تمكن قوات النظام وروسيا قبل نحو عشرة أيام، من السيطرة على تلال جب الأحمر الاستراتيجية شرقي جبل الأكراد، إضافة إلى جبل عرافيت. وضَمِن لها ذلك، الإطلالة على جبل الأكراد وفتح الطريق باتجاه بلدة السرمانية في سهل الغاب.
كذلك سيطرت قوات النظام على أعلى قمة في جبل التركمان قبل أسبوع، وهي قمة جبل الزاهية، وتعني سيطرة النظام عليه أنّ منطقة جبل التركمان، بما فيها الحدود التركية، ومعبر اليمضية، ومخيمات الحدود، ستصبح في مرمى نيران قوات النظام، ويبلغ ارتفاع الجبل 1154 متراً. وسيطرت قوات النظام بالإضافة إلى القمة الاستراتيجية، على قرية عطيرة شمالاً، وجبل الكوز غرباً.
في ضوء ذلك، وفي ظل سقوط جبل النوبة مع المناطق الجنوبية لبرج القصب وسلمى ممثلة في كل من قرى المغيرية وكفر عجوز وكفردلبا، فإن النظام يتطلع للسيطرة الآن على برج القصب. وفي حال تم له ذلك، فإنه سيتمكن من السيطرة نارياً على كافة جبال التركمان والأكراد، ويتطلّع النظام كذلك إلى فتح معركة بلدة سلمى. وهي أبرز معاقل المعارضة السورية في الساحل، كونها أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وبالتالي فإن خسارتها قد تكون معنوية قبل كل شيء. وتبعد بلدة سلمى عن مدينة اللاذقية نحو 48 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً، وبالتالي فإنها تكشف مساحة واسعة من جبل الأكراد. وتُعدّ سلمى مفتاح سيطرة النظام على الجبل.
اقرأ أيضاً: مجازر مشتركة للنظام السوري وروسيا في الغوطة الشرقية