تسبّبت دعوات التظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني، في حالة خوف للنظام المصري الحالي برئاسة عبدالفتاح السيسي، تحسباً من تكرار سيناريو ما حدث مع الرئيس المخلوع حسني مبارك. ولجأ النظام الحالي إلى القبضة الأمنية في محاولة وأد أي تحرك في الشارع ضده، واستباقاً لخروج المتظاهرين بشكل كبير في الذكرى المقبلة.
ويجد السيسي نفسه في موقف حرج، خصوصاً بعد تراجع الكتلة المؤيدة له بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع أداء الاقتصاد المصري، وغلاء الأسعار. وكانت تقارير وصلت إلى السيسي من جهات سيادية في الدولة، تتحدث عن تراجع شعبيته بشكل كبير، فضلاً عن تآكل الكتلة المؤيدة له من معسكر 30 يونيو، سواء من الحركات الشبابية أو الأحزاب.
وفي خضم الأزمات المتتالية المتعلقة بسد النهضة والفشل الأمني وعدم القدرة على حسم ملف سيناء، وتصاعد حالة الغضب الشعبي، وغيرها من المشكلات التي تتفاقم، تأتي ذكرى الثورة، ولذا لجأ السيسي إلى الاعتماد على الأجهزة الأمنية في محاولة لبث روح الذعر والخوف في نفوس المصريين، لثنيهم عن النزول إلى الشارع في ذكرى الثورة.
وأطلق السيسي يد الأجهزة الأمنية، وتحديداً جهاز الأمن الوطني، في شن حملات اعتقالات كبيرة في عدد من المحافظات، ضد المعارضين له من الشباب القادرين على الحشد وقيادة الحراك، سواء من المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين" والموالين للرئيس المعزول محمد مرسي، أو الحركات الأخرى.
وشنّت قوات الأمن حملة على مقاهي منطقة وسط البلد على مدى يومين متتاليين، فضلاً عن مداهمة منازل، لتسفر الحملة عن القبض على عدد من القيادات الشبابية في حركات سياسية، بينها 6 إبريل. ومن المقبوض عليهم: محمد نبيل عبد السلام، شريف الروبي، أيمن أسامة، محمود هشام. ووجّهت النيابة للموقوفين تهم الانضمام لجماعة محظورة، فضلاً عن القيادة والدعوة للتظاهر في أوقات سابقة لتاريخ القبض عليهم.
وتأتي هذه الاعتقالات على خلفية الدعوات للتظاهر في 25 يناير/كانون الثاني الحالي، في الوقت الذي كان يطالب فيه الجميع ويأمل بإصدار قرار عفو عن شباب الثورة في السجون، المحبوسين على ذمة قضايا تتعلق بأحداث الثورة وما تلاها.
اقرأ أيضاً: مصر: حبس 6 قياديين في حركة شباب 6 إبريل
وتقول مصادر في الحركات الشبابية، إن منطقة وسط البلد أصبحت ثكنة لأفراد الأمن في زي مدني، في محاولة للتجسس على تحركات الشباب في المقاهي هناك، وهو أمر أشبه بما كان يحدث في فترة مبارك. وتضيف المصادر لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن التعرّف إلى هوية أفراد الأمن السريين بسهولة، لكثرة الاحتكاك بهم، مؤكدة أن عمليات القبض على النشطاء لن تثني أحداً عن التجهيز للنزول في 25 يناير/كانون الثاني الحالي، بل تدفع نحو مزيد من التحفيز.
وتشير المصادر إلى أن هناك رغبة في معرفة ما يجهز له الشباب، وهو أمر يؤكد أن النظام يتعامل بنفس آليات نظام مبارك، إذ إن النشطاء الآن يدركون أن أي ثورة ستخرج بتحرّك عفوي من دون ترتيب لن تكون في 25 يناير/كانون الثاني أو بميعاد محدد. وتلفت إلى أن النظام خائف بشكل كبير من موجة ثورية تطيح به وتقضي عليه.
في المقابل، تقول مصادر أمنية إن النظام المصري لا يخشى من ذكرى الثورة والإطاحة به مباشرة، ولكنه يتعمّد تضخيم الحدث لكي يستفيد منه بشكل كبير. وتوضح المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن الأجهزة الأمنية، وتحديداً جهاز الأمن الوطني، حصل على الضوء الأخضر في شن حملات اعتقال لأكبر عدد ممكن من المعارضين، ولكن هذا لا يعني أن النظام متخوّف من ذكرى الثورة.
وتكشف المصادر أنه تم منع أية إجازات داخل وزارة الداخلية خلال الفترة المقبلة، تحسباً لأي ظرف طارئ، سواء الاستعداد لمواجهة التظاهرات أو عمليات التأمين في الأعياد. وتعتبر أن النظام الحالي يدرك جيداً أن الشعب ليس أمامه سوى السيسي حالياً، لأن البديل هو الدخول في فوضى، وهذا ما يرسخه الإعلام وظهر في حديث للرئيس المصري أكثر من مرة.
وكان المحامي الحقوقي، محمد الباقر قد حذر المعتقلين السابقين أو مَن صدر بحقه قرار إخلاء سبيل على خلفية سياسية أو التظاهر، من البقاء في منزل أو محل إقامته المسجل لدى أجهزة الأمن أو في بطاقات الرقم القومي، لافتاً في صفحته على "فايسبوك" إلى أن قطاع الأمن الوطني ووحدة مباحث بعض الأقسام، نفّذت اعتقالات أمنية وقائية.
في السياق ذاته، تؤكد مصادر من "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، أن قوات الأمن تشنّ حملات اعتقالات وتنكيل بالمعارضين للانقلاب، في محافظات عدة قبل 25 يناير/كانون الثاني الحالي. وتشير المصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الممارسات اعتاد عليها رافضو الانقلاب، ولن يتراجع أحد عن المنهج الثوري والاستعدادات لإحياء ذكرى الثورة، والمطالبة بإسقاط النظام الحالي". وتقول إن "هناك تحركات نوعية من قبل الشباب، وسط إغلاق لملف الأزمة داخل جماعة الإخوان، لعدم التأثير على الحراك على الأرض، وإن كانت مؤثرة بعض الشيء نفسياً".
من جهته، يرى الخبير السياسي محمد عز، أن "النظام الحالي يستشعر الخوف ليس من 25 يناير، ولكن مما يتبع الذكرى من أحداث عفوية تقلب الأوضاع عليه". ويضيف عز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الحالي يستغل الدعوات للتظاهر للتنكيل أكثر بالمعارضين"، موضحاً أنه يدخل في صدام واضح بشكل أساسي مع فئة الشباب. ويشير إلى أن السيسي يريد إيصال رسالة أن من يفكر في الخروج ضده سيكون مصيره السجون والمعتقلات والتنكيل والتعذيب، مشدداً على أن مسألة القتل والتعذيب في أقسام الشرطة وتعمّد تسريبها هدفه تخويف الشعب من النزول في ذكرى الثورة.
اقرأ أيضاً: انتهاكات الداخلية المصرية... شرارة الانفجار الشعبي في وجه النظام