وفي هذا السياق، يكشف السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن، عوديد عيران، في مقالة نشرها على موقع مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، أن العقد الأخير شهد نشاطاً إسرائيلياً مكثفاً في شرقي حوض المتوسط عزّز من قوة إسرائيل في الميزان الاستراتيجي، سواء عبر سياق تعميق وترسيخ العلاقة الإسرائيلية المصرية، أو الانفتاح والانكشاف على دول في حوض المتوسط مع إرساء علاقات تعاون عسكري وسياسي، كما في حالة اليونان وقبرص، دون إغفال الملف التركي وشبكة العلاقات الإسرائيلية التركية.
وبحسب عيران، فإن الميزان الاستراتيجي الإسرائيلي شهد تحسناً لصالح إسرائيل بفعل عاملين أساسيين: الأول هو نشاط وتحرك سياسي بادرت إليه إسرائيل وسعت من خلاله لترسيخ علاقاتها في شرق حوض المتوسط (اليونان وقبرص)، والثاني بفعل التطورات العاصفة في الشرق الأوسط وتأثيراتها السلبية على دول المنطقة خصوصاً دول الطوق العربي، كما في حالة الثورة السورية لجهة إضعاف الخطر السوري، أو لجهة ارتباط دول الجوار بعلاقة تنسيق وتعاون أمني وسياسي مع إسرائيل، كما في حالة النظام المصري.
وفي الشأن المصري، رأى عيران أنّ الهزّة التي ضربت مصر مع الثورة المصرية والإطاحة بنظام حسني مبارك، ثم نجاح الثورة المضادة عبر انقلاب عبدالفتاح السيسي، عززت في نظر النظام المصري الحالي من أهمية التعاون مع إسرائيل، خصوصاً على الصعيد الأمني، وفيما يتعلق بحرب النظام المصري على جماعة "الإخوان المسلمين"، وضدّ "الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء.
ولا يخفي عيران أن تعزيز وترسيخ النظام المصري والقضاء على الإرهاب هو مصلحة إسرائيلية صرفة، ناهيك عن تقاطع مصالح الطرفين في كل ما يتعلق بقطاع غزّة، وإن كان البلدان، فشلا بحسب رأيه، في تطوير استراتيجية مشتركة لجهة محاربة الإرهاب وقواعده من جهة، ووضع أسس تساهم في التوصل إلى حل بعيد المدى في موضوع غزة، من جهة ثانية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الغاز الإسرائيلي ومنشآت تحويل الغاز إلى حالته السائلة الضرورية لنقله والقائمة في مصر، إضافة إلى الحاجة المصرية للغاز الإسرائيلي، إلى حين تطوير واستخراج مخزون الغاز المصري، تشكل جميعها مصلحة مشتركة للطرفين.
وعلى صعيد النشاط في حوض المتوسط، يشير عيران إلى الأهمية التي بدأت تكتسبها قبرص في شرقي حوض المتوسط في ظل ازدياد أهمية المجال البحري، اقتصادياً وأمنياً، في السنوات الأخيرة. وهنا يبرز الكاتب أهمية الزيارة الأولى من نوعها لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو لقبرص في العام 2012، وما تمخض عنها من إرساء أسس للتعاون بين البلدين تعززت بعد زيارة ثانية لنتنياهو عام 2015، تم خلالها تطوير المصالح المشتركة في قطاع الغاز، إذ تبين أن شركات إسرائيلية تملك حقوقاً في أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي في الحوض 12 الكائن في المياه الاقتصادية لقبرص، ناهيك عن قرب قبرص جغرافياً من الدول المصدرة للغاز الطبيعي، أو لقربها من الدول الأوروبية، وبالتالي قد تشكل محطة رئيسية في توجيه الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
وينتقل عيران بعد ذلك للإشادة في نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية باستمالة رئيس حكومة اليونان، أليكسيس تسيبراس، وهو ما تجلى في زيارة الأخير للأراضي المحتلة، والتي عززت من "الميزان الاستراتيجي الإسرائيلي" خصوصاً أن الزيارة تمت في أوج حملة الانتقاد الأوروبية للمستوطنات الإسرائيلية وتمرير قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي بشأن وسم منتجات المستوطنات.
اقرأ أيضاً: تسيبراس... مفاجأة إسرائيل "السارة"
ويلفت عيران إلى تطور التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل واليونان في السنوات الأخيرة رغم وجود حكومة يسار في اليونان. وقد بلغ هذا التعاون درجات عالية تمثلت بمناورات وتدريبات جوية مشتركة للجيشين اليوناني والإسرائيلي في أجواء اليونان. وقد تم خلال زيارة تسيبراس الأخيرة الاتفاق على تدريبات مشتركة تضم سلاح الجو القبرصي، والإعلان عن عقد لقاء مشترك لرؤساء حكومات الدول الثلاث في المستقبل القريب.
ولا يمكن عزل التطور في العلاقات مع كل من اليونان وقبرص عن تدهور العلاقات الإسرائيلية التركية؛ فتركيا بفعل وزنها في حلف شمال الأطلسي، ساهمت في الحد من محاولات رفع مكانة إسرائيل في الحلف. وتحاول إسرائيل موازنة الدور التركي بالاستعانة بمواقف مضادة تأمل بأن تتبناها اليونان وقبرص، بالركون إلى العداء التاريخي بين تركيا من جهة وبين اليونان وقبرص من جهة ثانية.
وعلى الرغم من السعي الإسرائيلي لإيجاد طرف يساعدها على موازنة الطرف التركي، فإن عيران يدعو إلى عدم إغفال أهمية إعادة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى مجاريها بفعل أهمية الدور التركي المرتقب في بلورة سورية المستقبل، من جهة وأهميتها للاقتصاد الإسرائيلي بفعل كونها دولة يمر عبرها النفط من جهة ثانية.
اقرأ أيضاً: استراتيجية الاحتلال... عِبَر ومصالح من الأزمة التركية الروسية