يتحكّم رئيس تكتل التغيير والإصلاح في لبنان، النائب ميشال عون، بمصير المبادرة الرئاسية التي أطلقها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الذي يطرح إنهاء الشغور الرئاسي (المستمرّ منذ مايو/أيار 2014) بتنصيب حليف عون وحزب الله والنظام السوري، النائب سليمان فرنجية، رئيساً مقابل حصول الحريري على رئاسة الحكومة. يعتبر الحريري وفريقه أنّ تسوية مماثلة يمكن أن تعيد الحياة إلى الدولة اللبنانية والحركة إلى مؤسساتها الدستورية، فتزدهر الحياة السياسية في لبنان من جديد بعيداً عن الحرب في سورية وغيرها من الأزمات الإقليمية. من دون النقاش في الاعتبارات السياسية أو تلك الخاصة بتحالفات المستقبل وموقفه من النظام السوري ودلالات وصول فرنجية إلى الرئاسة، تفترض مبادرة الحريري فصل المسارين اللبناني والسوري أولاً، وإقامة جدار عزل سياسي وأمني وعسكري بين لبنان وسورية، وهو أمر خارج عن المنطق والواقع نظراً لمشاركة حزب الله في الحرب السورية وتردّدات الحرب على الوضع الداخلي اللبناني، على الرغم من أنّ المستقبليين يقدمون طرح تنصيب خصمهم رئيساً تأتي كمقدمة للحلّ في سورية الذي يقتضي رحيل الرئيس السوري. بحسب هذه النظرية، يصل فرنجية إلى الرئاسة لتطمين حلفاء سورية في لبنان والمنطقة بأنّ رحيل الأسد لن يكون انقلاباً شاملاً عليهم.
قرأ أيضاً: لبنان: خلوة حريرية في الرياض... وعون لن يتنازل لفرنجية
بعيداً عن كل ذلك، لا يزال عون قادراً على إعاقة مبادرة الحريري ــ فرنجية، متسلّحاً بالفيتو السياسي الذي يمنحه إياه حزب الله الذي ردّ أكثر من طلب مستقبلي بالضغط على عون للسير في التسوية أو حتى التخلّي عن حليفه المسيحي الأول. فجواب حزب الله عن أي سؤال حول الملف الرئاسي لم يتغيّر: ناقشوا عون وهو من يقرّر في هذا الملف. كما أنّ الحزب "ليس مستعداً لفكّ تحالفه الاستراتيجي مع عون أو تعريضه لأي اهتزاز"، بحسب ما يقول مقربون من عون لـ"العربي الجديد.
وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر مواكبة للنقاش المسيحي المفتوح والرافض لتنصيب فرنجية رئيساً، ان التقارب بين عون وقائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع على أعلى مستوياته، حتى أن الوزير جبران باسيل، صهر عون، زار جعجع قبل يومين "وكان الموقف موحداً في رفض وصول فرنجية الى الرئاسة". وتابعت هذه المصادر مشيرة إلى أن "التوافق بين عون وجعجع تام وكامل في هذا الملف، ويجري العمل لإسقاط اسم فرنجية والمبادرة التي يسير بها الحريري"، إلى حد أن جعجع أكد استعداده تسمية عون للرئاسة بهدف إسقاط هذه التسوية. لكن أجواء القوات وعون لا تزال ترفض التعليق أو الدخول في السجال الرئاسي العلني وذلك لكون "ترشيح فرنجية لم يتم رسمياً بعد".
يتمسّك عون برفض مبادرة الحريري، شكلاً ومضموناً، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" أحد أقرب مستشاريه، رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي. يشير الفرزلي إلى أنّ عون "لا يرى نفسه خارج إطار الترشيح الرئاسي وهو لن يتراجع عن هذا المسعى". يكفي ذلك للقول إنّ المبادرة قد توقفت، مع العلم أنّ المستقبل مستمرّ في إعداد "رزمة" تقديمات سياسية في محاولات لإقناع عون بالتنحي عن مشروعه الرئاسي. وفي هذا الإطار يشير المقربون من عون إلى أنّ المستقبليين يستسهلون محاولة إرضاء "الجنرال" (لقب عون منذ كان قائداً للجيش اللبناني) عبر تقديم مجموعة من الوزارات مثلاً "وهو الأمر الذي يقدر عون على فرضه بأي حكومة يشارك بها، فيظهر أنّ المستقبل يحاول منح الجنرال امتيازات سياسية اكتسبها منذ خمس سنوات".
اقرأ أيضاً: لبنان: داعمو انتخاب فرنجية للرئاسة يُناقشون توزيع الحقائب الوزارية
وبحسب ما يقول الفرزلي وغيره من الزوار الدائمين للرابية (مقرّ إقامة عون)، فإنّ الأخير ينظر إلى المبادرة كانتقاص سياسي له ولما يمثله على الساحة المسيحية (أكبر كتلة نيابية ومسيحية متمثلة بـ22 نائباً في البرلمان، وثلاثة وزراء في الحكومة). فلم يتم النقاش معه أولاً في هذه المبادرة، ولم تنطلق الأمور من مجلسه، وبالتالي يتم التعامل مع عون كأنه شخصية عادية أو ثانية في الصفّ المسيحي "هو ما لا يقبله عون بأي شكل كان". كما أنّ تنصيب فرنجية، الذي ينضوي وكتلة تيار المردة التي تزعّمها تحت جناح تكتل التغيير والإصلاح، رئيساً للجمهورية يعني تجاوز رأس هذا التكتل وتعيين شخصية أقلّ منه حجماً وتمثيلاً.
في المقارنة بين عون وفرنجية، لا تتردّد شخصيات في فريق 8 آذار بالإشارة إلى أنّ مبادرة الحريري تهدف إلى استبدال عون "وهو زعيم مسيحي عام وشامل بفرنجية الذي يتزّعم قضاء زغرتا (شمالي لبنان) ولا يتمثّل سوى بثلاثة نواب". فعون زعيم قادر على منافسة النائب وليد جنبلاط في انتخابات الشوف (القضاء مختلط بين الدروز والمسيحيين في جبل لبنان)، والحريري في عكار (قضاء مختلط شمالي لبنان)، وكسب كل المعارك الانتخابية في أقضية بعبدا، المتن، كسروان وجبيل (الأقضية المسيحية الصرفة). فيأتي تنصيب فرنجية رئيساً للجمهورية كتعيين رئيس تجمع بلديات زغرتا في القصر الرئاسي في بعبدا.
اقرأ أيضاً: ورقة رئاسة فرنجيّة في لبنان: انقلاب يمهّد لترويكا سوريّة
على الرغم من جديّة النقاشات الحاصلة في شأن المبادرة والاتصالات الدولية التي رافقت الإعلان عنها، بدءاً بلقاء الحريري بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، واتصال الأخير بفرنجية، وسلسلة المواقف العربية والغربية التي شدّدت على وجوب إنهاء الشغور الرئاسي، إلا أنّ مستشاري عون مرتاحون ومطمئنون إلى فشل الحريري ــ فرنجية. حتى إنّ الفرزلي ينظر بتفاؤل إلى هذه المبادرة بصفتها "منحوتة للفن السياسي". يتغزّل الفرزلي بهذه المبادرة من باب قدرتها على تحطيم الخصم، تحديداً تحالف 14 آذار. فيرى فيها لعبة سياسية فنية تشبه بنتائجها طرحه للقانون الانتخابي الذي عُرف بـ"القانون الأرثوذكسي" (ينص على انتخاب كل طائفة لنوابها بحجة ضمان المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين). بين عامي 2011 و2012، تقدم الفرزلي بهذا الاقتراح بينما كان النقاش السياسي يدور حول الحقوق المسيحية وضمان صحة التمثيل بين الطوائف. فتبنّت القوى المسيحية مجتمعة هذا الطرح، ولكن عند وقت الحسم وقبل دخول المشروع البرلمان أسقطه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تلبية للضغوط التي مارسها عليه حليفه سعد الحريري. فكسب عون معركة مسيحية على خصمه جعجع الذي ظهر في موقع المتحالف مع مؤيدي ضرب الحقوق المسيحية. حتى إنّ قراءة الفرزلي وغيره من أعوان عون تشير إلى أنّ النتائج الإيجابية لمبادرة الحريري حتى لو نجحت على اعتبار أنّ "تحالف 14 آذار قد سقط بفعل تخلي الحريري عن حلفائه المسيحيين، ونظراً لاستعداد الحريري لتقديم الكثير من التنازلات مقابل تخلي عون عن ترشحه للرئاسة". كما أنّ استمرار المبادرة في التعثّر يعني في الوقت عينه انتصاراً لعون وانتصاراً للقوات وحزب الكتائب، لكن الانتصار سيكون بالعلامة الكاملة لـ"الجنرال" باعتبار أنّ القواتيين والكتائبيين سيكونون قد خسروا حليفهم سعد الحريري.