تعكس الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني، شينز آبا، لإسرائيل، حجم التطور الكبير، الذي طرأ على العلاقات الثنائيّة بين الجانبين خلال العقد الأخير. وجاءت زيارة آبا بعد زيارة مماثلة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى طوكيو في مايو/أيار الماضي. ويأتي الاستنفار الإسرائيلي لتعزيز العلاقات مع اليابان، ضمن استراتيجيّة شاملة لتقليص الاعتماد على أوروبا الغربيّة، لا سيّما في المجال الاقتصادي والتجاري.
يجاهر القادة الإسرائيليون بأنّ التوجّه نحو الشرق يأتي لتجاوز محاولة بعض الدول الأوروبيّة الربط بين التعاون الاقتصادي مع إسرائيل وحلّ الصراع مع الفلسطينيين. وكان نتنياهو صريحاً عندما أكد هذا التوجّه خلال كلمته في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع آبا. ويوضح: "إنّنا معنيون بتعزيز علاقاتنا مع الشرق، لأنّنا معنيون بتقليص اعتمادنا على بعض الأسواق في دول أوروبا الغربيّة، التي تعاني من تزايد تأثير الأصوليّة الإسلامية وتعاظم العداء فيها للسامية والصهيونية".
ويرى نتنياهو أنّ تعزيز العلاقات الاقتصاديّة مع اليابان يأتي في إطار استراتيجية تهدف إلى "تنويع" الأسواق التي تتعامل معها إسرائيل، مشيراً إلى أنّ زيارته للصين قبل عام ونصف العام، ولقاءه مع رئيس الوزراء الهندي، نيرمندا مودي، في نيويورك قبل عدة أشهر، يأتي ضمن هذا الإطار.
وفي الوقت ذاته، تبدو تل أبيب معنيّة بالاستفادة من الفرص الكبيرة الكامنة في الاقتصاد الياباني، الذي يُعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم، علماً بأنّ التبادل التجاري بين الجانبين، بلغ عام 2014، حوالى 1.9 مليار دولار، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 9.3 في المائة، عمّا كانت عليه عام 2013.
وتخلل الزيارة توقيع نتنياهو وآبا اتفاقاً لتعزيز التعاون في المجالات التقنيّة المعرفيّة، علاوة على اتفاقهما بأن يتمّ التوصل إلى ميثاق تعاون شامل حتى نهاية العام الحالي. وأقرّت الحكومة الإسرائيليّة، مطلع الشهر الحالي، خطة لتعزيز التعاون مع اليابان في المجال التقني وزيادة الاستثمار في الأسواق اليابانيّة.
ويقول الباحث، آساف رونال، إنّه على الرغم من التطور التقني الهائل الذي حقّقته اليابان، لكنّ هناك بعض المجالات، التي لم تبدِ الشركات اليابانيّة الكبيرة اهتماماً بالاستثمار في تطويرها، لا سيّما توظيف التقنيات المتقدمة في المجال الطبي، وهو المجال الذي حقّقت فيه إسرائيل إنجازاً كبيراً.
وفي تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" أخيراً، ينوّه رونال إلى أنّ مسؤولين في حاشية آبا، عبّروا عن "تقديرهم للإبداع" الإسرائيلي في مجال التطور التقني والأبحاث العلمية. ويعتبر أنّ آبا أراد، من خلال زيارته لإسرائيل، تعزيز مكانة اليابان في منطقة الشرق الأوسط، والتدليل على الاهتمام الياباني بإسرائيل "كدولة مهمة وليس مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة"، ولتطوير التبادل التجاري وتعزيز التعاون في مجال البحث العلمي.
ويلفت الباحث، يونك يناي، إلى حقيقة أنّ إسرائيل ترى أنّ ازدياد متوسط أعمار اليابانيين مغرٍ للاستثمار في الأسواق اليابانية. وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" بعد الزيارة، ينوه يناي إلى أن ازدياد عدد كبار السن في اليابان، يزيد الضغط على شركات الأدوية، وهو ما يمثل فرصة كبيرة لشركات الأدوية الإسرائيليّة التي تحظى منتوجاتها بالإشادة داخل اليابان.
ويرى الباحث، عومر دستوري، أنّ "التوجّه لتعزيز العلاقات مع إسرائيل يندرج في إطار التحوّلات الجذريّة، التي أدخلها آبا على السياسة الخارجيّة لليابان بمجرد انتخابه، لا سيما العلاقات مع إسرائيل". وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، ينوه دستوري إلى أنّ "تشابه خارطة التهديدات بين طوكيو وتلّ أبيب، يمثل سبباً إضافياً لتعزيز العلاقات بين الجانبين"؛ مشيراً إلى أنّ "اليابان ترى في البرنامج النووي لكوريا الشمالية تهديداً استراتيجياً، تماماً كما يرى نتنياهو أنّ البرنامج النووي الإيراني يمثّل تهديداً وجودياً على إسرائيل". ولا يفوت دستوري التذكير بطابع العلاقات القوي بين إيران وكوريا الشمالية، في وقت كان نتنياهو فيه قد وقّع خلال زيارته لطوكيو اتفاقاً للتعاون الأمني مع آبا، يأخذ بعين الاعتبار "التحديات المشتركة" التي تواجه الجانبين.
ويكتسب تطوّر العلاقات بين الجانبين أهميّة رمزيّة أيضاً، إذ إنّ اليابان كانت من آخر الدول، التي أوقفت التزامها بالمقاطعة العربيّة لإسرائيل. فالشركات اليابانية شرعت في التعاون مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد، عام 1991. وتنقل صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر في الوفد الياباني قولها إن آبا معني ببناء منظومة علاقات شخصيّة مع نتنياهو، ذلك أن سلوك إسرائيل تحت حكم نتنياهو، كما ترجم في الحرب الأخيرة على غزة، لا يُعدّ قضية ذات أهمية بالنسبة لصنّاع القرار في طوكيو.