بترشحه إلى البرلمان يكتمل الثالوث الأقوى في تركيا، بانضمام فيدان إلى كل من أردوغان وداود أوغلو، في إطار الحشد الذي يقوم به حزب "العدالة والتنمية" للانتخابات، خصوصاً في ظلّ السقف العالي لطموحات أردوغان، بالحصول على 400 مقعد نيابي من أصل 550، أي ما يقارب 65 إلى 70 في المائة من الأصوات، من أجل تمرير الحلم الأهم متمثلاً بـ "كتابة دستور جديد للتحول نحو النظام الرئاسي".
سيترشح فيدان عن أحد مقاعد العاصمة أنقرة النيابية، وسيقوم بإدارة جهاز الاستخبارات، إلى حين تعيين نائبه إسماعيل حقي موسى، رئيساً للجهاز. وبطبيعة الحال، فإن الدخول إلى البرلمان ليس إلا مقدمة للحصول على أحد المناصب الوزارية، فقد توقّع بعضهم أن يكون فيدان وزير خارجية داود أوغلو، كونه بدأ مسيرته في الدولة التركية عبر تقلّد مناصب دبلوماسية أو مترئساً مؤسسات حكومية، تتركز أعمالها خارج تركيا، منها "وكالة التنمية والتنسيق التركية"، التي تتمحور وظيفتها في دعم السياسات الخارجية لتركيا، عبر إنشاء المدارس وترميم الآثار وتقديم المساعدات الإنسانية في الخارج.
بعدها أصبح فيدان مساعداً لداود أوغلو، عندما كان الأخير وزيراً للخارجية، مشرفاً على محادثات السلام السرية التي كانت تُجرى في العاصمة النرويجية، أوسلو، مع قادة حزب "العمال" الكردستاني، قبل أن يُعيّن في سنة 2007 نائباً لمستشار رئيس الوزراء عن الأمن الدولي والسياسة الخارجية.
ويؤكد نائب رئيس الوزراء التركي بولنت آرينج، أن "فيدان لن يكون نائباً فقط، لأنه أكبر من هذا المنصب"، ملمحاً إلى أن المكان الذي يعتقد أنه قد يكون مناسباً لفيدان هو وزارة الداخلية. أما المعارضة التركية، فذهبت أكثر من ذلك، عندما أشار نائب رئيس حزب "الشعب الجمهوري" ولي آغابابا، إلى أن "فيدان في طريقه ليصبح رئيساً للوزراء". وتعلّل المعارضة ذلك بأن "فيدان كان أحد المرشحين للمنصب قبل تسليمه لداود أوغلو، وأن الدستور التركي يشترط فقط على رئيس الوزراء أن يكون نائباً في البرلمان، ولا يشترط ذلك على الوزراء".
يكتنف صعود فيدان الذي لم يكن أكثر من عسكري متديّن من مرتبات صف الضباط برتبة "باش شاويش" (رقيب أول) في الجيش التركي، الكثير من الغموض، كونه حصل على إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، أثناء خدمته في إدارة "فيلق عمليات واستخبارات الرد السريع" التابع للأطلسي في ألمانيا. واستقال من الجيش عام 2001، متدرجاً في المناصب الحكومية، ثم عُيّن عام 2009 نائباً لرئيس الاستخبارات، ومن ثم رئيساً له عام 2010.
استطاع فيدان خلال أربع سنوات من ترأسه جهاز الاستخبارات التركية الذي كان يعاني من الانشقاقات والفوضى، أن يحوله إلى أهم أجهزة الاستخبارات في المنطقة، مستفيداً من شهادة الماجستير التي حازها من جامعة بيلكنت في أنقرة، في العلاقات الدولية، إثر رسالة بعنوان "مقارنة بين أنظمة الاستخبارات التركية والأميركية والبريطانية" في عام 1999، والتي أشار فيها إلى "حاجة تركيا إلى شبكة استخبارات خارجية قوية". كما تندرج رسالته في الدكتوراه التي كانت بعنوان "الدبلوماسية في عصر المعلومات: استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق" في عام 2006، في السياق عينه.
أعاد فيدان هيكلة جهاز الاستخبارات بصورة واسعة، وتم الإعلان عن ستة أقسام جديدة في الجهاز، في 17 يوليو/تموز الماضي، وهي: "قسم التحليل الاستراتيجي"، و"مكافحة التجسس"، و"استخبارات العمليات الخارجية"، و"الاستخبارات الدفاعية"، و"استخبارات الإشارة"، و"استخبارات التقنية والإلكترونية". وأكد الكثير من المحللين، أن "إعادة الهيكلة جاءت ضمن خطة للتقرّب من الخطوط التنظيمية لوكالة الاستخبارات الأميركية".
وتمكن فيدان من سحب الكثير من الملفات من الجيش، وعلى رأسها أكبر الملفات الأمنية، كملف حزب "العمال"، ليتغير تناول الملف وتبدأ الحكومة عملية السلام مع "العمال" عبر الحوارات التي كان يديرها فيدان مباشرة مع زعيم "العمال" عبد الله أوجلان.
وكشف فيدان عن تبدّل النظرة إلى الجهاز، بعد أن كانت مهمته شبه مقتصرة على مراقبة المواطنين، والقيام بعمليات قتل واعتقال سرية، خلال فترات الانقلابات، ليُصبح الجهاز أكثر شفافية. فقد حصلت الاستخبارات، في يوليو/ تموز الماضي، على معلومات حول ملفات اغتيال سياسية، متعلقة بالعديد من الناشطين والمشاهير والسياسيين، قام بها الجهاز في تسعينيات القرن الماضي. وجاءت الخطوة في مسعى إلى تحقيق المصالحة، وتصفية إرث الانقلابات العسكرية.
لم يكن فيدان، وهو الذي يعني اسمه "حاقان" بالفارسية "الحاكم"، اللقب الذي أُطلق على الملوك الأتراك والمغول، رقماً سهلاً في السياسة الخارجية. إذ شارك في المفاوضات السرية للملف النووي الإيراني ومفاوضات السلام غير المباشرة والسرية التي جرت بين سورية وإسرائيل، كما أدار الملف السوري والعراقي بعد ثورات الربيع العربي. وحقق الجهاز في عهده نجاحاً باهراً بتمكنه من تحرير 49 مواطناً تركياً، من بينهم دبلوماسيون احتجزهم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بعد اجتياحه القنصلية التركية في الموصل في يونيو/حزيران الماضي.
وتفيد الكثير من المؤشرات بأن "صعود فيدان غالباً ما سيترافق مع اشتداد التوتر بين أنقرة وتل أبيب"، فتبعاً للرواية الإسرائيلية، يُعدّ الأخير، إلى جانب داود أوغلو، أحد منظمي فكرة "أسطول الحرية" الذي توجه لفك الحصار عن غزة، والتي ردت عليها تل أبيب بالهجوم على سفينة مرمرة، وقتل عدد من المواطنين الأتراك في عام 2010.
كما يتمتع فيدان بعلاقات جيدة مع الإيرانيين، وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عام 2012 أن "فيدان هو من أعطى معلومات سرية إلى الاستخبارات الإيرانية، حول شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل إيران، مما أدى إلى قيام الإيرانيين بتصفية هذه الشبكة بالكامل، موجّهة بذلك ضربة قوية للعمل الاستخباراتي الإسرائيلي في إيران".
وعلى الرغم من الخلافات بين الطرفين حول إدارة الملف السوري، واستراتيجية الحرب على "داعش"، يُعتبر فيدان شخصية مقربة من الولايات المتحدة، إذ وصفه السفير السابق للولايات المتحدة في تركيا والعراق، جيمس جيفري، في وقت سابق، بأنه "وجه الشرق الأوسط الجديد". ودعا إلى العمل معه "لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن لا يجب افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة، لأنه ليس كذلك".