وسط تخوف أوروبي، خصوصاً من طرف الألمان، مِن جرّ بلادهم إلى حرب جديدة مع روسيا لا مصلحة فيها لأوروبا أو لأي من دول الإقليم، تشير أصابع الاتهام إلى واشنطن في النفخ بنار النزاع لإشعال أوروبا، بل حرقها لإخراجها من دائرة المنافسة إلى زمن بعيد.
ويتكرّر هذا الرأي في أوساط الباحثين السياسيين والاقتصاديين الروس، فهل ينقسم الموقف الأوروبي الرسمي إلى معسكري حرب وسلام؟ وهل يمكن لأوروبا أن تخرج من هذا المأزق دون تعاون وثيق مع روسيا؟ وكيف يكون ذلك، وقد دفع إصرار واشنطن على نشر درعها الصاروخية على تخوم روسيا، بموسكو إلى اتخاذ إجراءات تقرّب الحرب مع أوروبا وتبعدهما عن السلام؟ وهل يخرج الناخب الأوروبي من سلبيته فيصرخ "لا لخطط الحرب"؟ وماذا يمكن أن يفعل الروس لإيقاف لعبة الحرب من جانبهم، وساستهم متورطون في التصعيد نحو الجحيم؟
الواضح حتى الآن أنّ روسيا انسحبت من اتفاقية القوات التقليدية في أوروبا. وبدءاً من الحادي عشر من مارس/آذار الجاري، تُنهي روسيا التزاماتها في هذه الاتفاقية، وتبقي الخيط رفيعاً للعودة إلى الحوار، إذا ما اقتنعت أوروبا أنّ الكرملين على حق. وقال ممثل وزارة الخارجية الروسية في اللجنة الاستشارية المشتركة، أنطون مازور، خلال اجتماع اللجنة في العاصمة النمساوية فيينا، إنّ "هذه الخطوة من الجانب الروسي لا تعني التخلي عن متابعة الحوار بخصوص تحديد الأسلحة التقليدية في أوروبا، حين يغدو شركاؤنا جاهزين".
ووفقاً لما جاء على موقع الخارجية الروسية الرسمي، الذي نشر الخبر، فإن بيلاروسيا تتولى المصالح الروسية في اللجنة الاستشارية، بعد انسحاب موسكو من الاتفاقية. فيما أكدت الخارجية الروسية أنّ أحد أسباب الخطوة التي أقدمت عليها موسكو يكمن في تصرفات حلف شمال الأطلسي، الذي خرق الاتفاقية واستمر بالتوسع على حساب دول شرق أوروبا، وصولاً إلى حدود روسيا.
وكانت روسيا قد علّقت العمل باتفاقية القوات التقليدية من جانب واحد، نتيجة الخطط الأميركية بنشر وحدات الدرع الصاروخية في التشيك وبولونيا، في ديسمبر/كانون الأول 2007. مع العلم بأن الاتفاقية المشار إليها تم توقيعها في باريس في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1990. وقد نصّت على التوازن في القوات التقليدية بين روسيا وأوروبا، وقيّدت إمكانية نشر القوات على طول خط التماس بينهما، للحيلولة دون شنّ هجوم مباغت أو القيام بأعمال هجومية واسعة النطاق في أوروبا.
وبالتوازي مع انسحاب روسيا من اتفاقية القوات التقليدية، أحال الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، في العاشر من مارس/آذار الجاري، مشروع قانون إلى البرلمان يسمح بدخول القوات الأجنبية إلى أراضي أوكرانيا للمشاركة في مناورات عسكرية دولية. وقد تحدث موقع البرلمان الأوكراني الرسمي عن خمس مناورات عسكرية تجري على الأراضي الأوكرانية خلال العام الجاري، مع قوات دول حلف الأطلسي، بما فيها البولونية. مع العلم بأن الموقف البولوني من أكثر المواقف تشدّداً حيال روسيا مدعوماً بقاعدة شعبية مؤيدة لقوميي غرب أوكرانيا ومشحونة ضدّ الروس.
سلاح أميركي إلى ريغا
ووسط تهويل التهديدات الروسية لدول الجوار، وإعادة نشر شبح الحرب ورائحة البارود، في الدول الصغيرة المجاورة لروسيا، مصحوبة بتصوير الرئيس الروسي فلادمير بوتين على هيئة (فوهرر) يريد احتلال أوروبا، ترددت نداءات طلب الحماية الأميركية في أوساط سياسيي جورجيا والبلطيق.
اقرأ أيضاً (هاموند يحذر: روسيا قد تشكل "الخطر الأكبر" على بريطانيا)
وفي سياق الاستجابة الأميركية، كما يحلو لواشنطن أن يبدو الأمر، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في ريغا عاصمة لاتفيا، في التاسع من الشهر الجاري على حسابها في "تويتر"، عن وصول أكثر من 120 قطعة من العتاد العسكري الأميركي إلى ميناء العاصمة. وأفادت سفارة واشنطن هناك بأن تزويد لاتفيا بالسلاح يأتي في إطار برنامج "الحل الأطلسي" (Atlantic Resolve) الهادف إلى تعزيز أمن دول البلطيق، الأمر الذي أكّده الجنرال الأميركي جون أوكونور، المرافق لشحنة السلاح. ونقلت وكالة "تاس" عن الأخير قوله: "رسالتنا لسكان لاتفيا تفيد بأنّ الولايات المتحدة ستقدم لكم كل الدعم اللازم على الأرض وفي الجو والبحر. سنوسع برنامج "الحل الأطلسي" ونخلق جبهة موحدة ضد العدوان على أوكرانيا"، أي ضدّ روسيا المعتدية والتي تهدّد باجتياح جيرانها، وفق المفهوم الغربي لعلاقة موسكو بالنزاع الأوكراني.
ويمكن في هذا السياق، استحضار قول الباحث الأميركي زبيغنيو بريجينسكي، الذي لعب لفترة طويلة دوراً مركزياً في التنظير للسياسة الخارجية الأميركية. ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن بريجينسكي قوله "ينبغي علينا إفهام روسيا أننا ندعم أوكرانيا"، ولم يفته طمأنة الروس بوعود غير واقعية تتمثل بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الأطلسي، فيما لو باتت عضواً في الاتحاد الأوروبي، قائلاً "لا نتوقع في نهاية المطاف أن يؤدي وضع أوكرانيا كدولة أوروبية حقيقية وديمقراطية وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي إلى عضوية حلف شمال الأطلسي".
ودعا بريجنسكي في الوقت نفسه واشنطن إلى الاتفاق مع موسكو من أجل "تبريد الأزمة" مع روسيا حول أوكرانيا، معرباً عن أن تسويتها تخدم مصالح الشعب الأوكراني وتشكل خطوة في طريق تطور أوروبا "دون حرب". فهل حقاً تريد واشنطن أوروبا بلا حرب؟
في كفة السلام، وفي اقتباس يعفي موسكو من دورها في تأجيج النزاع الأوكراني، نشر موقع "ووردكريزيس.رو"، في الرابع من مارس/آذار الجاري، قول الصحافي الألماني المعروف كين جيبسين إن "روسيا جارتنا. وعلينا التعاون مع هذه الدولة ولا نستطيع إلا أن نتعاون معها. فنحن الأوروبيين سنضل الطريق بصورة نهائية إذا سمحنا لأولئك الذين على الضفة الأخرى من البركة (المحيط الأطلسي) بجرّنا إلى حرب مع جارتنا روسيا. تجربة أجدادنا تقول لنا: لا حرب بعد اليوم إطلاقاً. ابتعدوا عن هذا اللهو وافعلوا كل ما تستطيعون لإعاقة أولئك الذين يعدّون العدة لجرّ قواتنا إلى الحرب. العصيان المدني، إنه ذلك الشيء الضروري إذا لم نتمكن من الحيلولة دون الحرب".
فهل يصغي المتناطحون الكبار إلى نداءات الشعوب التي اختبرت ويلات الحرب، ويتقاسمون المصالح بطريقة أخرى؟
ويتكرّر هذا الرأي في أوساط الباحثين السياسيين والاقتصاديين الروس، فهل ينقسم الموقف الأوروبي الرسمي إلى معسكري حرب وسلام؟ وهل يمكن لأوروبا أن تخرج من هذا المأزق دون تعاون وثيق مع روسيا؟ وكيف يكون ذلك، وقد دفع إصرار واشنطن على نشر درعها الصاروخية على تخوم روسيا، بموسكو إلى اتخاذ إجراءات تقرّب الحرب مع أوروبا وتبعدهما عن السلام؟ وهل يخرج الناخب الأوروبي من سلبيته فيصرخ "لا لخطط الحرب"؟ وماذا يمكن أن يفعل الروس لإيقاف لعبة الحرب من جانبهم، وساستهم متورطون في التصعيد نحو الجحيم؟
الواضح حتى الآن أنّ روسيا انسحبت من اتفاقية القوات التقليدية في أوروبا. وبدءاً من الحادي عشر من مارس/آذار الجاري، تُنهي روسيا التزاماتها في هذه الاتفاقية، وتبقي الخيط رفيعاً للعودة إلى الحوار، إذا ما اقتنعت أوروبا أنّ الكرملين على حق. وقال ممثل وزارة الخارجية الروسية في اللجنة الاستشارية المشتركة، أنطون مازور، خلال اجتماع اللجنة في العاصمة النمساوية فيينا، إنّ "هذه الخطوة من الجانب الروسي لا تعني التخلي عن متابعة الحوار بخصوص تحديد الأسلحة التقليدية في أوروبا، حين يغدو شركاؤنا جاهزين".
ووفقاً لما جاء على موقع الخارجية الروسية الرسمي، الذي نشر الخبر، فإن بيلاروسيا تتولى المصالح الروسية في اللجنة الاستشارية، بعد انسحاب موسكو من الاتفاقية. فيما أكدت الخارجية الروسية أنّ أحد أسباب الخطوة التي أقدمت عليها موسكو يكمن في تصرفات حلف شمال الأطلسي، الذي خرق الاتفاقية واستمر بالتوسع على حساب دول شرق أوروبا، وصولاً إلى حدود روسيا.
وكانت روسيا قد علّقت العمل باتفاقية القوات التقليدية من جانب واحد، نتيجة الخطط الأميركية بنشر وحدات الدرع الصاروخية في التشيك وبولونيا، في ديسمبر/كانون الأول 2007. مع العلم بأن الاتفاقية المشار إليها تم توقيعها في باريس في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1990. وقد نصّت على التوازن في القوات التقليدية بين روسيا وأوروبا، وقيّدت إمكانية نشر القوات على طول خط التماس بينهما، للحيلولة دون شنّ هجوم مباغت أو القيام بأعمال هجومية واسعة النطاق في أوروبا.
وبالتوازي مع انسحاب روسيا من اتفاقية القوات التقليدية، أحال الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، في العاشر من مارس/آذار الجاري، مشروع قانون إلى البرلمان يسمح بدخول القوات الأجنبية إلى أراضي أوكرانيا للمشاركة في مناورات عسكرية دولية. وقد تحدث موقع البرلمان الأوكراني الرسمي عن خمس مناورات عسكرية تجري على الأراضي الأوكرانية خلال العام الجاري، مع قوات دول حلف الأطلسي، بما فيها البولونية. مع العلم بأن الموقف البولوني من أكثر المواقف تشدّداً حيال روسيا مدعوماً بقاعدة شعبية مؤيدة لقوميي غرب أوكرانيا ومشحونة ضدّ الروس.
سلاح أميركي إلى ريغا
ووسط تهويل التهديدات الروسية لدول الجوار، وإعادة نشر شبح الحرب ورائحة البارود، في الدول الصغيرة المجاورة لروسيا، مصحوبة بتصوير الرئيس الروسي فلادمير بوتين على هيئة (فوهرر) يريد احتلال أوروبا، ترددت نداءات طلب الحماية الأميركية في أوساط سياسيي جورجيا والبلطيق.
اقرأ أيضاً (هاموند يحذر: روسيا قد تشكل "الخطر الأكبر" على بريطانيا)
وفي سياق الاستجابة الأميركية، كما يحلو لواشنطن أن يبدو الأمر، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في ريغا عاصمة لاتفيا، في التاسع من الشهر الجاري على حسابها في "تويتر"، عن وصول أكثر من 120 قطعة من العتاد العسكري الأميركي إلى ميناء العاصمة. وأفادت سفارة واشنطن هناك بأن تزويد لاتفيا بالسلاح يأتي في إطار برنامج "الحل الأطلسي" (Atlantic Resolve) الهادف إلى تعزيز أمن دول البلطيق، الأمر الذي أكّده الجنرال الأميركي جون أوكونور، المرافق لشحنة السلاح. ونقلت وكالة "تاس" عن الأخير قوله: "رسالتنا لسكان لاتفيا تفيد بأنّ الولايات المتحدة ستقدم لكم كل الدعم اللازم على الأرض وفي الجو والبحر. سنوسع برنامج "الحل الأطلسي" ونخلق جبهة موحدة ضد العدوان على أوكرانيا"، أي ضدّ روسيا المعتدية والتي تهدّد باجتياح جيرانها، وفق المفهوم الغربي لعلاقة موسكو بالنزاع الأوكراني.
ويمكن في هذا السياق، استحضار قول الباحث الأميركي زبيغنيو بريجينسكي، الذي لعب لفترة طويلة دوراً مركزياً في التنظير للسياسة الخارجية الأميركية. ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن بريجينسكي قوله "ينبغي علينا إفهام روسيا أننا ندعم أوكرانيا"، ولم يفته طمأنة الروس بوعود غير واقعية تتمثل بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الأطلسي، فيما لو باتت عضواً في الاتحاد الأوروبي، قائلاً "لا نتوقع في نهاية المطاف أن يؤدي وضع أوكرانيا كدولة أوروبية حقيقية وديمقراطية وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي إلى عضوية حلف شمال الأطلسي".
ودعا بريجنسكي في الوقت نفسه واشنطن إلى الاتفاق مع موسكو من أجل "تبريد الأزمة" مع روسيا حول أوكرانيا، معرباً عن أن تسويتها تخدم مصالح الشعب الأوكراني وتشكل خطوة في طريق تطور أوروبا "دون حرب". فهل حقاً تريد واشنطن أوروبا بلا حرب؟
في كفة السلام، وفي اقتباس يعفي موسكو من دورها في تأجيج النزاع الأوكراني، نشر موقع "ووردكريزيس.رو"، في الرابع من مارس/آذار الجاري، قول الصحافي الألماني المعروف كين جيبسين إن "روسيا جارتنا. وعلينا التعاون مع هذه الدولة ولا نستطيع إلا أن نتعاون معها. فنحن الأوروبيين سنضل الطريق بصورة نهائية إذا سمحنا لأولئك الذين على الضفة الأخرى من البركة (المحيط الأطلسي) بجرّنا إلى حرب مع جارتنا روسيا. تجربة أجدادنا تقول لنا: لا حرب بعد اليوم إطلاقاً. ابتعدوا عن هذا اللهو وافعلوا كل ما تستطيعون لإعاقة أولئك الذين يعدّون العدة لجرّ قواتنا إلى الحرب. العصيان المدني، إنه ذلك الشيء الضروري إذا لم نتمكن من الحيلولة دون الحرب".
فهل يصغي المتناطحون الكبار إلى نداءات الشعوب التي اختبرت ويلات الحرب، ويتقاسمون المصالح بطريقة أخرى؟