وتمكنت قوات "حماية الشعب" الكردية والمليشيات العربية والمسيحية المتحالفة معها، من استغلال انشغال "داعش" بمعركة السيطرة على تدمر والبادية السورية في ريف حمص الشرقي، لتوجّه له ضربات اقتربت من خلالها من إنهاء وجود التنظيم في ريف الحسكة الغربي بشكل كامل، بعد أن أنهت وجوده في معظم مناطق ريف الحسكة الشرقي مع نهاية فبراير/شباط الماضي.
وهاجم "داعش" صباح أمس السبت، مناطق سيطرة النظام السوري جنوب الحسكة، بالقرب من منطقة البانوراما وقرية ردة الشقرة. واندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين على محور طريق سبع سكور ـ الهول، جنوب شرق المدينة، وفقاً للناشط أيهم المسلّط. وأكّد المسلّط في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "داعش تمكن من التقدم في المنطقة وسيطرت قواته على قرية الدوادية، بعد تفجير قوات التنظيم عربة مفخخة أمام حاجز قوات النظام في القرية".
وأشار إلى أن "الاشتباكات ترافقت مع قيام طيران قوات النظام السوري بقصف نقاط تمركز داعش جنوب المدينة، في وقت قصف فيه التنظيم منطقة المربع الأمني، والمنطقة القريبة من فرع الأمن العسكري في الحسكة بقذائف الهاون وصواريخ غراد، ما أدّى إلى وقوع إصابات عدة بين سكان المنطقة، وعناصر قوات النظام المنتشرين فيها".
ولفت المسلط إلى أن "تقدم القوات الكردية وحلفائها، جاء بالتزامن مع غارات عديدة شنها طيران التحالف الدولي لمحاربة داعش على نقاط تمركز التنظيم في المنطقة، ما أعاق حركة آلياته، ومنعه من جلب إمدادات عسكرية إلى المنطقة، التي شهدت هجوماً عنيفاً من القوات الكردية والقوات المتحالفة معها منذ بداية الأسبوع الجاري".
اقرأ أيضاً: التوترات العربيّة ـ الكرديّة تضرب حلب
وجاءت هذه التطورات بعد أيام قليلة من تمكّن قوات "حماية الشعب"، وقوات "مجلس حرس الخابور" الآشوري، وقوات "سوتورو" (مليشيا مكوّنة من مقاتلين من المسيحيين السريان)، وقوات "جيش الصناديد" (المكوّن من مقاتلين من عشيرة شمّر العربية)، من إحكام قبضتها على ريف الحسكة الغربي بشكل شبه كامل، إثر سيطرتهم على قرية المبروكة الواقعة على طريق الحسكة ـ الرقة الدولي، على بعد نحو 110 كيلومترات من مدينة الرقة.
تقدم القوات الكردية لم يكن ممكناً، لولا مساندة طيران التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بعد أن شنّ عشرات الغارات الجوية، التي أدت إلى مقتل المئات من عناصر التنظيم، الذين وقع عدد منهم تحت حصار شبه كامل من قوات "حماية الشعب" في الأيام الأخيرة.
وتمكنت هذه القوات من السيطرة على بلدتي تل نصري وتل شميرام، الواقعتين قرب مدينة تل تمر على نهر الخابور، في ريف الحسكة الغربي، كما تمكنت من السيطرة على جميع البلدات ذات الغالبية السكانية الآشورية في وادي الخابور، بعد اشتباكات عنيفة مع "داعش" الذي انسحبت قواته من المنطقة بشكل كامل.
وتُعدّ تل نصري وتل شميرام، من أكبر البلدات ذات الغالبية المسيحية الآشورية، التي تمكن "داعش" من السيطرة عليها نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، الأمر الذي أدى إلى نزوح سكانها. وجاء هذا التقدم لقوات "حماية الشعب" في منطقة ريف تل تمر، بعد يوم واحد فقط من تمكنها من السيطرة على جبل عبد العزيز، الواقع في ريف الحسكة الغربي، والذي يمتد بطول 35 كيلومتراً من غرب مدينة الحسكة، وصولاً حتى تخوم محافظة الرقة شرقاً.
وكان جبل عبد العزيز يعدّ من أهم معاقل التنظيم في الريف الغربي لمحافظة الحسكة، نظراً لإشرافه على المناطق المحيطة به. وهو يتميّز بوعورة تلاله ومرتفعاته، الأمر الذي منحه أهمية استراتيجية عالية، بالإضافة إلى أنه يصل بين محافظتي الرقة والحسكة.
وأشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إلى "مقتل 170 عنصراً من داعش، إثر غارات التحالف الدولي المكثفة على منطقة جبل عبد العزيز والمناطق المحيطة بها خلال يومين فقط، الأسبوع الماضي". ويأتي تقدّم الوحدات الكردية في ريف الحسكة، ليوسع من مناطق سيطرتها، التي تمتد على طول الشريط الحدودي للمحافظة مع تركيا، في مدن رميلان والمالكية والقحطانية وعامودا والدرباسية ورأس العين. بالإضافة لسيطرتها على معظم أحياء مدينة القامشلي، أكبر المدن الحدودية، والتي ما زالت قوات النظام السوري تحتفظ بالسيطرة على بعض أحيائها.
وكانت قوات "حماية الشعب" قد تمددت في ريف الحسكة الشرقي على حساب "داعش" في فبراير الماضي، بدعم من مليشيات عربية عشائرية متحالفة معها. وتمكنت القوات الكردية وقوات "جيش الصناديد"، ومقاتلون من "جيش الكرامة" و"الجيش الشعبي"، المكونين من مقاتلين من عشيرتي جبور وطيّ العربيتين، من السيطرة على بلدة تلحميس وريفها، وعلى بلدة تل براك، وعلى منطقتي اليعربية وجزعة، على الحدود السورية العراقية، وهي جميعاً مناطق ذات غالبية سكانية عربية، نزح معظم سكانها نتيجة القصف والاشتباكات التي جرت فيها.
وقد تسبب هذا التراجع لـ"داعش" في ريف الحسكة الشرقي، مع تراجعه الأخير في الريف الغربي، باقتصار مناطق سيطرته على منطقتي الشدادي ومركدة وريفيهما في ريف الحسكة الجنوبي، وعلى منطقة الهول وريفها في ريف الحسكة الشرقي.
ويجري كل ذلك في الوقت الذي تأخذ فيه قوات النظام السوري موقفاً حيادياً، على الرغم من سيطرتها على معظم مدينة الحسكة، التي تُعدّ أكبر مدن المنطقة، فضلاً عن سيطرتها على أجزاء من مدينة القامشلي، وعلى مطار المدينة العسكري الواقع قربها.
ولا تشارك قوات النظام السوري في العمليات العسكرية التي تشنّها وحدات "حماية الشعب" المدعومة من المليشيات العربية والآشورية والسريانية، والتي تحظى بغطاء جوي من التحالف الدولي، على الرغم من قيام التنظيم بمهاجمة مناطق سيطرة النظام جنوب مدينة الحسكة بشكل متقطع في الأيام الأخيرة.
إلا أن هجوم "داعش" الأخير أمس، على حواجز قوات النظام السوري جنوب مدينة الحسكة أدى إلى عودة قوات النظام إلى واجهة الصراع العسكري في محافظة الحسكة من جديد، بعد اضطرار قوات النظام التصدي لقوات التنظيم، التي يبدو أنها تحاول السيطرة على المدينة، لتعويض هزائمها الأخيرة أمام القوات الكردية وحلفائها في ريف الحسكة الغربي.
اقرأ أيضاً: سجن تدمر وأسئلة ملحّة