شكّلت اللافتات أحد أوجه الاستجابة العشائرية لدعوة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى تشكيل قوات شعبية من العشائر، تعادل في تركيبتها قوات "الحشد الشعبي" العراقية، ويُفترض بها أن تقود المعارك ضد المجموعات السورية المسلّحة، المنتشرة في جرود بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية.
وترافقت دعوة نصر الله مع إعلانه أنه "لا خطوط حمراء أمام حماية أهالي بعلبك والبلدات المحيطة من خطر التكفيريين المنتشرين في جرود بلدة عرسال، مع فشل الجيش اللبناني في منع استخدام مخيمات اللاجئين السوريين في البلدة، لنقل الذخيرة والمؤن إلى الريف الدمشقي عبر جرود القلمون السوري".
وتشير مصادر محلية في مدينة بعلبك لـ "العربي الجديد"، إلى أن "حزب الله يمارس حالة تعبئة عامة إعلامية في المنطقة، من خلال رفع مئات اللافتات التي تحرّض على القتال في جرود عرسال، إلى جانب عدد من اللقاءات مع العشائر، بمشاركة نواب ووزراء من الحزب، لتأمين غطاء شعبي لدعوة نصر الله الأخيرة لتشكيل الحشد الشعبي اللبناني".
اقرأ أيضاً: الجيش اللبناني ينتشر على أطراف عرسال
وتلفت المصادر نفسها إلى أن "إعلان عدد من قيادات حركة أمل التاريخية في بعلبك، كعقل حمية مبايعتها لنصر الله، بمثابة عملية سحب بساط، يمارسها الحزب ضد حليفه رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، نبيه بري. كذلك تمنح مشاركة شخصيات سنية محسوبة على أحزاب تحالف الثامن من مارس/ آذار في اللقاءات، غطاءً أوسع لحركة حزب الله الإعلامية في المنطقة". حتى إن عدداً من المطلوبين الخطرين بتهم تجارة المخدرات والقتل والسرقة، أعلنوا في عراضات مسلّحة مبايعتهم لنصر الله، وأبرزهم نوح زعيتر، المطلوب من القضاء بموجب أكثر من أربعة آلاف مذكرة توقيف.
وينظر عضو كتلة المستقبل النيابية، النائب عاصم عراجي، إلى دعوة نصر الله كـ "خطأ كبير من الأمين العام لحزب الله، والذي استسهل دعوة العشائر في بعلبك والهرمل للوقوف وجهاً لوجه، ما يعني احتمال فتح صفحة مذهبية، ستُساهم مفاهيم الثأر العشائري في ترسيخها لعشرات السنوات إذا بدأت".
ويرفض النائب البقاعي "دعوات بعضهم إلى مناصرة تيار المستقبل في عرسال، والتي يقابلها مناصرة حزب الله لعشائر بعلبك والهرمل، لأنها تعني ترسيخ الاصطفاف المذهبي الحاد، في المنطقة التي غابت عنها أجواء الاقتتال المذهبي حتى خلال الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)".
ويرى عراجي، في المقابل، أن "الحل يكمن في دعوة كافة الأفرقاء السياسيين للجيش والحكومة إلى ممارسة دورهم والانتشار الجدي في كافة المناطق، لطمأنة الجميع، والدفاع عن حدود لبنان الشرقية في وجه أي اعتداء، بصرف النظر عن الجهة التي تُقدم عليه".
وفي عرسال التي يشاهد أهلها سحب الدخان الناجم عن غارات سلاح الجو السوري على جرودها، تعمّ حالة من الارتياح بفعل إعادة تمركز الجيش اللبناني في البلدة التي بدأها قبل أيام، وعزز من خلالها انتشاره داخلها، لا على أطرافها فقط، كما كان الحال منذ فبراير/شباط 2013، تاريخ المعركة التي اندلعت بين الجيش وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة".
ويؤكد مصدر محلي في البلدة لـ "العربي الجديد"، أن "ذبح الخراف أمام آليات الجيش اللبناني التي دخلت إلى البلدة، لم يكن من باب الدعاية الإعلامية بل تأكيد على ترحيب الأهالي بالجيش، المخوّل حصراً الدفاع عن أراضي البلدة وجرودها".
وفي وقت تستمر فيه المعارك بين حزب الله والمجموعات السورية في جرود البلدات اللبنانية المتداخلة جغرافياً مع الأراضي السورية في القلمون، يُحرم أهالي عرسال من الاستفادة من استثماراتهم الزراعية والصناعية في جرود البلدة. ويؤكد المصدر ذاته أن "مواسم الكرز في الجرود ضاعت على أهالي عرسال للعام الثاني على التوالي، مع استمرار منع الجيش اللبناني لعمال مقالع الحجر من الوصول إلى معاملهم في الجرود بسبب المعارك الدائرة هناك". كذلك اختار عدد كبير من أهالي البلدة تقنين زياراتهم إلى البلدات المجاورة، خوفاً من التعرض للمضايقات أو الاعتداءات، كما حدث خلال الأعوام الماضية مع تصعيد حزب الله لخطابه السياسي ضد بلدة عرسال. مع العلم أن الآمال معقودة على بصيص أمل قد يخرج من جلسة الحكومة اللبنانية، صباح اليوم، والمُخصصة لمناقشة الوضع في عرسال.
تعيش محافظة بعلبك اليوم بين نار المعارك الدائرة في الجرود، ونار التحريض الإعلامي ضد بلدة عرسال، والتي يقطنها أكثر من 40 ألف لبناني و100 ألف لاجئ سوري. وفي ظل إعلان نصر الله أن لا خطوط حمراء في معركته التي يخوضها، يخشى البقاعيون الأسوأ، وينتظرونه.
اقرأ أيضاً فعاليات من عرسال: دخول الجيش أو نشكّل مجموعات "أمن ذاتي"