قبل أيام، استبشر المراقبون انفراجاً في العلاقات الروسية البريطانية، عندما بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، بتهنئة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بإعادة انتخابه رئيساً للوزراء، وذلك خلال اتصال هاتفي، هو الأول بين الزعيمين منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
لم يدم التفاؤل طويلاً، بعد أن أصدرت روسيا قبل أيام قائمة بأسماء 89 شخصية سياسية وعسكرية أوروبية، ممنوعة من دخول أراضيها، بمن فيها تسع شخصيات سياسية وأمنية بريطانية. على رأسهم نائب رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب "الأحرار الديمقراطي"، نيك كليغ، ووزير الخارجية الأسبق مالكوم ريفكيند، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الداخلي "أم أي 5"، آندرو باركر، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية "أم أي 6"، جون ساوريز.
واعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، أن "القائمة لا تنطوي على أي مبرر، والسلطات الروسية تفتقر إلى أي قاعدة قانونية لإضفاء شرعية عليها". كما اعتبرت أوساط إعلامية بريطانية، القائمة الروسية، بمثابة "قائمة انتقامية" رداً على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على شخصيات روسية.
اقرأ أيضاً: خسائر القوات الروسية... من أسرار الدولة
وترى المراسلة السابقة لصحيفة "غارديان" في موسكو، ماري ديجفسكي، في الإجراء الروسي الأخير، بمثابة "خطوة أخرى في رقصة المجاملات الدبلوماسية والتسخين العسكري بين موسكو ولندن". وتضيف "يؤكد الرئيس الروسي استعداده للتعاون مع رئيس الحكومة البريطانية، من أجل استئناف التعاون البنّاء بين قيادتي البلدين في التعامل مع القضايا ذات الاهتمام المشترك والقضايا الدولية، لكن كاميرون، أسوة بغيره من زعماء حلفاء الاتحاد السوفييتي الرئيسيين خلال الحرب العالمية الثانية، غاب عن احتفالات روسيا بالذكرى الـ70 ليوم النصر، في 9 مايو/أيار". وتُفسّر ديجفسكي تصرّف كاميرون بـ"رفض غربي صريح للاعتراف باستعادة روسيا قوتها، وعودتها إلى الساحة الدولية كقوة كبرى".
ولا تتوقف لعبة "حافة الهاوية" بين بريطانيا وروسيا عند حدود التصعيد الدبلوماسي أو المناكفات الإعلامية، إذ وصلت خلال الأشهر الماضية إلى حدّ اختبار القوة، عندما أرسلت موسكو، وفي أكثر من مناسبة، طائراتها المدمّرة إلى تخوم الأجواء السيادية البريطانية، مما استدعى تحليق طائرات "تايفون" البريطانية في طلعات تحذيرية، نجحت لغاية اللحظة في ردع "الاستفزاز" الروسي.
وفي خضمّ الشدّ والجذب بين موسكو ولندن، لا تجد الدولتان حرجاً من التوافق على ضرورة إعادة إطلاق مباحثات السلام حول سورية، على اعتبار أن "من مصلحة المملكة المتحدة وروسيا، المساعدة في التوصل إلى حلّ للحرب الأهلية في سورية، تحديداً عبر وقف تنامي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ولا يمنع ذلك من استمرار "الخلافات الكبيرة" بين البلدين بشأن النزاع في أوكرانيا.
وانتقلت "المصارعة الناعمة" بين البلدين في الساعات الأخيرة إلى حلبة الرياضة، بعد دعوة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إلى مقاطعة كأس العالم المقبلة المقررة في روسيا في العام 2018، بدعوى أن الفساد الذي شهدته إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، كان وراء منح روسيا حق تنظيم كأس العالم العتيدة على حساب بريطانيا. ومن غير المستبعد أن يتطور التوتر الأخير بين البلدين والنزاع على أحقية استضافة كأس العالم، ليخرج من "المربع الرياضي" إلى "المربع السياسي"، الذي غالباً ما تغيب عنه الروح الرياضية.
اقرأ أيضاً: شركات ألمانية تطالب بدعوة روسيا إلى اجتماع مجموعة السبع