لحج الحسيني (المعروفة بمناطقها الخضراء) والقمندان (نسبة إلى الأمير والشاعر أحمد فضل القمندان) والفل والكادي (لب النخيل) لم تعد كذلك اليوم. فقد انتشرت فيها رائحة البارود بدلاً من رائحة الفل والبخور، بعد أن أصبحت في قلب الصراع الدائر في الجنوب وتعز، بين "المقاومة الشعبية" من جهة ومليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة ثانية.
تحدّ لحج من الجنوب عدن، وهو ما جعلها تعتبر بوابة عدن الشمالية والغربية، فيما يحدها من الجنوب شرق محافظة أبين (مسقط رأس الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي)، فضلاً عن أن تعز تحدها من الشمال الغربي، بينما الضالع والبيضاء تحدانها من الشمال.
والجزء الشمالي من لحج، ولا سيما مناطق ردفان ويافع، اللتين تحدان الضالع والبيضاء، تخضعان لسيطرة "المقاومة". وتشكل ردفان، ممثلة في جبهة بلة، المنفذ الرئيسي لحماية ظهر جبهة الضالع من الناحية الجنوبية. كما تمثل ردفان والضالع أهم روافد النصر لـ "المقاومة" في الضالع، من خلال الدعم بالمال والسلاح والمقاتلين وتأمين نازحي الضالع. لكن هذا الجزء من المناطق الجنوبية يعد محاصراً من مختلف الجهات من قبل المليشيات.
اقرأ أيضاً: عدن خالية من المليشيات قريباً: "المقاومة" تتمدّد لتحرير الجنوب
يعتبر الوضع الإنساني في لحج في أسوأ حالاته، وفقاً لمنظمات وتقارير حقوقية إنسانية، تقول إن هذه المناطق منكوبة إنسانياً. ويعتبر الناشط محمد سالم، في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "عدم تسليط الإعلام الضوء على الأوضاع في لحج جعل الحكومة اليمنية، أو ما تسمى حكومة الشرعية، تتجاهل معاناة لحج الإنسانية وغياب تام لكل الخدمات، في الوقت الذي تمنع فيه مليشيات الحوثيين والمخلوع إصلاح الكهرباء والماء، فضلاً عن غياب الوقود، من خلال الحصار المفروض على المحافظة، من كل الجهات بسبب الحرب فيها".
ويوضح سالم أن "المنظمات الإغاثية سواء المحلية أو الدولية لا أثر لوجودها، ولا سيما أن مدينة الحوطة عاصمة المحافظة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة منها مليشيات الحوثيين والمخلوع، تعاني أشد الأوضاع".
ويشير الناشط الجنوبي إلى أنّ "المواطن العادي بات مهددا بالموت، سواء بالسلاح أو الأمراض والأوبئة القاتلة، أو بارتفاع درجة الحرارة، أو الموت جوعاً".
ونزح عشرات الآلاف من أبناء المناطق في لحج بعد تقدم مليشيات الحوثيين والمخلوع إليها. وتوزع النازحون على مناطق داخلية كردفان ويافع، فيما نزح آخرون إلى خارج المحافظة، كحضرموت وأبين. أما من اختاروا البقاء فيها فيعانون من وضع إنساني صعب، ولا سيما أنّ لحج كانت تعد قبل الحرب من أكثر المحافظات والمناطق فقراً. وكانت بعض مناطقها تسجل أعلى معدلات الانتحار في اليمن بسبب الفقر. كما أنه بعد اندلاع الحرب الأخيرة، زاد الوضع أكثر سوءاً ووصفته منظمات بـ "الكارثي".
وعلى الرغم من أن مليشيات الحوثيين والمخلوع تتعمد خلق وضع إنساني مأساوي، وتفرض حصاراً على المناطق، إلا أن الحرب نفسها أيضاً تفرض حصاراً على لحج من كل الاتجاهات، نتيجة توسطها بين محافظات "المقاومة". وتتهم منظمات وتقارير حقوقية في لحج، مليشيات الحوثيين والمخلوع، بارتكاب جرائم بشعة وانتهاكات إنسانية كبيرة، فضلاً عن اعتقال وتعذيب المئات. وتعد قاعدة العند الجوية، التي تتوسط لحج، أكبر مراكز الاعتقال والتعذيب.
وتتركز مليشيات الحوثيين والمخلوع في مثلث العند، مروراً بمدينة الحوطة عاصمة المحافظة، وصولاً إلى جنوب وغرب المحافظة، أي المناطق المحاذية لعدن، ولا سيما صبر والرباط والوهط وبئر ناصر. وهي مناطق تتخذها المليشيات وفق ما تؤكد مصادر لـ "العربي الجديد" "لتكون مناطق تستهدف فيها عدن، وفرض حصار عليها، فضلاً عن قصف الأحياء السكنية، في أطرافها الشمالية والشرقية والغربية".
كما أن المليشيات تحاول تعزيز تواجدها وعملت على تأمين خط لها من تعز إلى قاعدة العند، ومنها إلى مناطق تسيطر عليها في حدود عدن، بينما قاعدة العند الجوية تعد المركز الأساسي للمليشيات في إدارتها معاركها. لذلك يرى خبراء أن تجاهل لحج خطأ استراتيجي، فهي تعد مفتاح النصر في عدن. الأمر نفسه أيضاً بالنسبة لتعز وعلاقتها في لحج، ولا سيما أن الأخيرة تقع بين عدن وتعز.
اقرأ أيضاً: الهدنة والحل في اليمن بانتظار نتائج الميدان
يقول القيادي في "المقاومة" في لحج، هاني كرد، لـ "العربي الجديد" إن "لحج تعتبر المدخل الرئيسي لعدن، وهي محافظة أغلب سكانها يعتمدون على الزراعة والرعي، أي مجتمع فقير، وأغلب سكانها من أصحاب الوظائف الحكومية، والناس فيها يعانون معاناة كبيرة منذ ما قبل الحرب، إذ كانت أغلب الأسر تشتري المواد الغذائية باليوم وبالكيلو". ويضيف "عندما بدأت الحرب طالبنا من الأيام الأولى أن تدرج لحج كمحافظة منكوبة قبل أن تعلن عدن وتعز، لكن تم استثناء لحج. كما تم التواصل مع لجنة الإغاثة وتم شرح معاناة لحج، وأنه لا بد من إيصال المساعدات العاجلة لها، لكن بدون جدوى ولم نجد أي تفاعل أو تجاوب"، على حد قوله.
ويعتبر كرد أنّ "الشعب في واد والحكومة في واد، حتى الأدوية لم نستطع إدخالها إلى الحوطة، ولا سيما أن حمى الضنك قد حصد أرواح العشرات، في ظل تعطل عمل مستشفى ابن خلدون الحكومي وهو الوحيد، ولم يتبق معنا إلا التعامل مع بعض الصيدليات لتوفير الأدوية ودفع قيمة العلاج، لكن لم نستطع استيعاب الكل، لأننا لم نتلق دعماً كافياً لذلك".
يشير كرد إلى أن "لحج وعاصمتها بقيت كما هي في البؤس والجوع والمرض والأوبئة، ولم تحصل إلا على بعض المساعدات التي أدخلها الأخوة من منطقة المفلحي، لكن أكثر المساعدات التي وصلت من فاعلي الخير إلى لحج تم توزيعها للنازحين في عدن؛ أي الذين نزحوا من لحج إلى عدن. أما الذين نزحوا من الحوطة إلى القرى الشرقية والغربية للحوطة، فالمساعدات قليلة جداً. وأكثرها عند إدخالها تم الاستيلاء عليها من قبل مليشيات الحوثيين والمخلوع، بل تم مصادرة سيارة كانت تحمل أدوية، وبعض المستلزمات، ولم يتم إعادتها".
ويذهب كرد في إطار شرحه لمعاناة لحج إلى حد القول إنها "تعرضت للنسيان بل خذلت"، متهماً مقربين من هادي بتعمد استمرار ما يحدث في لحج. ويشير كرد إلى أنه "أثناء الحرب، وبعد سيطرة المليشيات على العند، تم عزل مناطق ردفان يافع والضالع عن الجنوب وعدن، فلم يتبق أمام أبناء الحوطة وتبن، إلا المواجهة وإشغال العدو عن عدن، وفعلا قمنا بمناشدات عدة، وتواصلنا مع مدير مكتب الرئيس هادي المتواجد في عدن محمد مارم، ولكنه لم يرد على اتصالاتي أو رسائلي". ويضيف "كذلك تواصلنا مع أحمد الميسري، أحد المحيطين والمقربين من هادي، ووعدنا بتقديم دعم مالي وسلاح من أجل صمود الحوطة، لكنني تفاجأت به يقول لي لن يصلكم شيء إلا عن طريق المحافظ، علماً أن المحافظ الذي عينه محمد مارم، لم يقدم شيئا للحوطة وتبن أو للجبهة، بل وصلنا كلام قيل من بعض المحسوبين على الشرعية، مفاده اتركوا الحوثي يصفي الحوطة، لأنهم قاعدة، علماً أن من كان يقاتل هم شباب عاديون، وكانوا يقاتلون من أجل الدفاع عن عدن، لذلك لم تتحصل المقاومة إلا على بعض الأشياء البسيطة".
ويلفت إلى أن "سقوط الحوطة صمام الأمان الأول لعدن جاء بعد استغلال المليشيات الهدنة الأولى لتعزيز قواتهم بالعتاد، وفرض حصار اضطر الشباب للانسحاب".
من جهته، يقول أبو إبراهيم اللحجي، الذي يشارك في جبهات القتال ضد المليشيات لـ "العربي الجديد "إنّ "تجاهل دعم المقاومة في بعض مناطق لحج، المحتلة من قبل مليشيات الحوثيين والمخلوع، يعتبر غباء".
ويعتبر اللحجي أنّ "تقوية ودعم المقاومة في لحج، من قبل الشرعية والتحالف، كفيل بفك الحصار عن عدن، وتخفيف الضغط من قبل مقاومة لحج على المقاومة في عدن".
كما تؤكد قيادات ميدانية في "المقاومة" أنّ تحرير لحج يعد الضربة التي ستكسر ظهر مليشيات الحوثيين والمخلوع في الجنوب والوسط، ولا سيما أن قاعدة العند الجوية، تمثل معقلهم الحصين، الذي سيؤدي سقوطها إلى سقوط المليشيات في أغلب مناطق الجنوب، وفرض حصار عليهم، وقطع الإمدادات عنهم بشكل نهائي، بنفس الوقت دعم المقاومة في بعض المناطق.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها مناطق لحج، إلا أن "المقاومة" فيها تعد نشطة وباتت تشن عمليات يومية أثرت بشكل كبير على المليشيات في مدينة الحوطة ومحيطها، بما فيها الوهط، فضلاً عن الكمائن التي لا تتوقف في طرقات لحج حسب مصادر متعددة.
في المقابل، يسعى الحوثيون والمخلوع إلى تعزيز عتادهم العسكري وعديد مليشياتهم في لحج، من خلال إرسال تعزيزات عسكرية، شبه يومية، إلى قاعدة العند، ومنها تتوزع إلى باقي الجبهات، ولا سيما أن لحج تعد لهم محوراً مهماً ومرتكزاً يوفرون من خلاله الكثير من الجهد، إذ يفرضون عبرها حصاراً على تعز والضالع وردفان ويافع جنوباً، فيما يفرضون حصاراً على عدن من الناحية الشمالية والغربية.
وكان سقوط قاعدة العند الجوية وأجزاء من لحج، بسبب خيانات حدثت من بعض المسؤولين والقيادات العسكرية ومشايخ موالين للرئيس المخلوع والحوثيين في الأيام الأولى من الحرب، فيما استمرت المقاومة في مدينة الحوطة عاصمة المحافظة لما يقارب شهرين، قبل أن تنسحب بعد فرض حصار عليها وعدم حصولها على تعزيزات ودعم بعد تجاهلها ونفاد الذخيرة. وتحولت "المقاومة" فيما بعد إلى العمليات النوعية والكمائن والهجمات المباغتة، كاستراتيجية جديدة لها.
وفيما تقطع المليشيات أي تواصل بين "مقاومة" ردفان والضالع وحتى تعز، لكن يتخوف الحوثيون من تمكن "المقاومة" في جبهتي بلة والمسيمير من قطع طريق لحج تعز. وهو ما قد يقطع آخر خطوط الإمداد عن المليشيات، الذي بات المنفذ الوحيد المتبقى مفتوحاً لهم. وخلال الأيام الماضية بدأت عمليات عسكرية لـ "المقاومة" بهدف إغلاق هذا المنفذ، الأمر الذي قد يسهل فرض حصار خانق على قاعدة العند الجوية، فضلاً عن فرض حصار على المليشيات داخل لحج وعدن.
لذلك يقول خبراء ومراقبون للوضع إن الحوثيين والمخلوع يغامرون في لحج، ويقومون بذلك من خلال استغلال عدم وجود مقاومة موحدة وغياب أي تنسيق بين جبهات المقاومة، فضلاً عن وضع أغلب ثقلهم العسكري والبشري في لحج وتمكنهم من تأمين الجهة الجنوبية والشرقية من تعز، التي تربطها في لحج، لتأمين خط الإمداد الوحيد لهم.
لكن يبدو أن ضربات المقاومة في لحج وغارات التحالف بدأت تأتي أكلها مع بدء بوادر تخفيف الضغط على مقاومة عدن وإحرازها تقدماً باتجاه لحج، فيما تشير معلومات "العربي الجديد" الميدانية إلى أن هناك انهيارات في صفوف المليشيات، ولا سيما أنّ مناطق لحج تعد من أكثر المناطق التي تعرضت لغارات التحالف. وتنتشر في الطرقات، والأحياء والمرافق والمزارع عشرات من الدبابات، ومثلها من المدرعات والآليات العسكرية الأخرى مدمرة ومحروقة بضربات التحالف، التي لا تتوقف، وذلك بعد أن تحولت هذه المناطق في لحج، إلى ثكنات عسكرية ومناطق يتم من خلالها استهداف الأحياء السكنية، في أطراف عدن الشمالية والغربية والشرقية، بل محاولة اقتحامها وحصارها، من خلال إرسال تعزيزات عسكرية وبشرية للمليشيات بشكل كبير يومياً.
اقرأ أيضاً: "العربي الجديد" على جبهات الضالع: عندما يتحوّل الأساتذة لمقاتلين