عندما أطلق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تهديده قطاع غزة أخيراً، عدّه كثيرون في إطار التهويل والدعاية و"عملاً صبيانياً" بما في ذلك مسؤولون نافذون ومطلعون في غزّة، ولم يكن متوقعاً أنّ ينفّذ التنظيم تهديده سريعاً في القطاع الساحلي، على الرغم من وجود إشارات متزايدة على تأثر شباب غزّيين بفكر "داعش" ورغبتهم في الالتحاق به أو تشكيل "ولاية" له في غزة.
اقرأ أيضاً: "حماس" و"جهاديو" غزة... المواجهة المؤجلة
وبشكل متزامن ودقيق، جرى تفجير خمس سيارات في حي الشيخ رضوان في شارع النفق شمالي مدينة غزة، وهي سيارات تتبع لمقاومين. ووفق معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ التفجيرات استهدفت قياديين "ذوي وزن تنظيمي وعسكري" في كتائب "عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، و"سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد".
وتؤكد مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أنّ عملية التفجير جرت بعبوات لاصقة، وهو ما يعني أنّ الجهة التي نفذت "منظمة"، وليست أفراداً عاديين. وتشير إلى أنّ أصابع الاتهام الوحيدة هذه المرة تطاول تنظيم "داعش" وجماعات سلفية جهادية متشددة.
ورصد أمن غزة، وفق مسؤولين تحدثوا إلى "العربي الجديد"، وصول مبالغ مالية كبيرة في شهر رمضان المنصرم، لإغراء مواطنين في القطاع، وتشكيل ما يمكن وصفه بـ "جماعات منظمة للعمل ضد غزة، وخصوصاً (حماس)". وقال المسؤولون إنه يجري تتبع هؤلاء حالياً.
ويطرح التفجير المتزامن تساؤلاً حول سبب تفجير "داعش" السيارات من دون إيقاع ضحايا؟ وهو ما يجيب عنه مسؤول أمني كبير، فضل عدم نشر اسمه، لـ "العربي الجديد"، قائلاً إنّ العناصر التي نفذت العملية مرتبكة جداً، وإنّ كانت منظمة، مضيفاً أنه جرى تعقب اثنين من المشتبه بهما في وضع العبوات تحت السيارات وملاحقتهما من قبل المقاومة قبل التفجيرات بعشر دقائق، ما اضطر المنفذين إلى التفجير بسرعة وعدم انتظار وجود المقاومين في سياراتهم.
ما يعني بالتالي أنّ "داعش" لا يهمه أن يسقط مدنيون في تفجيراته بغزة، بحسب المسؤول الأمني الذي تحدث إلى "العربي الجديد". ويلفت المسؤول إلى أنّ معتقلاً من التنظيم لدى الأمن في غزة، أبلغهم بأنه مستعد لتفجير نفسه في سوق، مقابل أنّ يقتل أي عنصر من "حماس" التي وصفها بـ "جيش الردة".
ويعلق الخبير الأمني، إسلام شهوان، على التفجيرات في حديث مع "العربي الجديد"، ويقول إنّ ما جرى رد فعل قوي جداً إذا ما قورن بالتفجيرات السابقة، فالتفجيرات السابقة حملت رسالة تقول إن "داعش" قادر على إلحاق الأذية، وبعبارة أخرى يريد أنّ يقول إنه موجود.
أما هذه المرة، وفق شهوان، فالرسالة كانت أقوى، إذ جرى اختيار الأشخاص المستهدفين بعناية. واعتبر أن إدخال حركة "الجهاد" في القضية جاء بغرض إرباك الساحة الداخلية وخلط الأوراق وتشتيت الجهد الأمني، موضحاً أنّ الأمور دخلت مرحلة حساسة، في ظل استهداف عناصر مقاومة "ليس لهم أي ارتباطات مع الأجهزة الأمنية أو الشرطية".
ولفت شهوان إلى أنّ المفجرين يريدون جرّ المقاومة لمناكفات معها، مضيفاً أنه لا يتعين أن تقع المقاومة في هذا الفخ، داعياً إلى ترك ملاحقة المفجرين على الأجهزة الأمنية، وأن يتيقظ قادة المقاومة في المرحلة المقبلة بشكل أكبر، ويتوخوا الحذر.
وأشار الخبير الأمني إلى أنّ المفجرين لم يعودوا في دائرة المنحرفين فكرياً، بل باتوا يحملون القتل والدمار في كل مناحي الحياة في المجتمع، أرادوا أنّ يثبتوا أنّ يدهم طولى في الأمر، وهذا يستدعي تغيير التعامل الأمني معهم، إذ كان الأمن ينتهج إلى حد كبير فيما مضى، مبدأ المناصحة، رغم استخدامه القوة أحياناً، ضدّ هؤلاء.
ورأى شهوان أن المطلوب من الأجهزة الأمنية أن تعيد النظر في الوسائل والأدوات التي تُستخدم في معالجة هذه الحالة بناء على ما حدث أمس، محذراً منّ أنه في حال لم يكن أداء الأجهزة الأمنية على درجة عالية من الدقة، فإنّ التراخي يولد مزيداً من الانفجارات والاستهدافات.
ويعتقد الخبير الأمني الفلسطيني أنّ القطاع سيشهد حراكاً أمنياً واضحاً من الآن فصاعداً، غير ذلك الذي جرى التعامل فيه مسبقاً، موضحاً أنه لا بد أنّ نرتقي إلى هذه الخطورة، لأنه لم يعد الحديث عن حالات فردية، بل عملا منظما، محذراً في الوقت ذاته من أننا إن لم نكن بقدر هذا الجرم، فإننا سنصل إلى ما هو أخطر منه.
وتؤكد معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، في إطار ملف معالجة المتشددين، أنّ معظم من جرى العمل معهم بطريقة المناصحة من المتشددين قاموا بتضليل الأجهزة الأمنية بعد ذلك، وهو ما يدفع الأمن في غزة إلى تغيير هذه الطريقة، لتحصيل نتائج أفضل.