تدلّ الحملة العسكرية التي بدأتها قوات النظام السوري و"حزب الله" اللبناني رسمياً أمس الأول السبت في مدينة الزبداني في ريف دمشق الشمالي الغربي، إلى أن هذين الطرفين فهِما أن المعركة في القلمون ستمتدّ لفترة طويلة في ظل صعوبة الحسم، وتركيز فصائل المعارضة السورية على سياسة الكر والفر، والاستنزاف في الجرود التي تتمتع بطبيعة جغرافية معقّدة، نظراً لسلسلة الجبال الوعرة والمتصلة ببعضها وصعوبة الدفاع عنها.
وكان لا بد من إيجاد مخرج والبحث عن انتصار إعلامي، وتجنّب الإحراج الذي مُني به "حزب الله" خصوصاً، وبعد الخسائر التي تتلقاها قوات الحزب مع النظام منذ نحو ثلاثة أشهر في عدد من المدن السورية، فلم يكن من مخرج سوى في مدينة الزبداني الاستراتيجية، مع تأكيد الماكينة الإعلامية لحلفاء النظام أن المعركة فيها تندرج في نطاق معركة القلمون نفسها.
مدينة الزبداني حتى هذا الحين كانت تعيش هدنة مفترضة مع قوات النظام التي تحاصرها منذ نحو عامين، وسط محاولات متكررة لاستعادة السيطرة عليها وقصفها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، قبل أن تأتي الحملة العسكرية الأخيرة. وسعى النظام عبر الاعتماد الكثيف على سلاح الجو، لتمهيد الطريق أمام دخول عناصر "حزب الله"، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن المواجهات لن تكون بهذه السهولة، على الرغم من نقل المعركة من الجبل إلى المدينة، فمعركة الزبداني لم تكن سوى معركة مؤجلة بين الطرفين.
وتدل التطورات الميدانية إلى أن النظام السوري لن يتوانى عن تسوية المدينة بالأرض، وهي في الأساس مدمر نصفها، في ظل القصف المتواصل بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والدبابات ومدافع الهاون والغراد وراجمات الصواريخ، والحشد من ثلاثة محاور، هي محور سهل الزبداني، ومحور مستشفى الباقوني، ومحور طريق الشيخ زايد خلف حاجز الشلّاح، بهدف اقتحام المدينة.
ولم يكن غريباً التقدّم الذي أحرزته قوات النظام و"حزب الله" من الجهة الغربية للمدينة، عبر السيطرة على منطقة قلعة التل المطلة على الزبداني من الجهة الغربية ومنطقة الجمعيات بعد ذلك، إذ إن الحشد المتوقع دخوله لعناصر "حزب الله" هو من الخاصرة الغربية للمدينة، بغية تأمين خطوط دفاع رئيسية على الحدود اللبنانية، ومنع أي رد فعل لقوات المعارضة من هذا الجانب، إضافة إلى أن معظم طرقات إمداد النظام لـ "حزب الله" بالأسلحة تمر عبر الزبداني من هذا الجانب، فضلاً عن تواجد عدد من المقرات العسكرية للحزب القريبة من هذه المواقع.
على الطرف الآخر، تُنوّع قوات المعارضة في خياراتها، فهي وإن لم تمتلك إمكانات عدوها في العدة والعتاد وحتى ولو امتلكت فتبقى أمامها عوائق حماية المدنيين، إلا أنها تمرست خلال السنوات الماضية على حرب العصابات والكر والفر والاستنزاف، إذ عمدت إلى توجيه ضربة استباقية بادئ الأمر ضمن معركة أطلقت عليها "البركان الثائر"، وسيطرت على مواقع لـ "حزب الله" والنظام وقتلت نحو 25 عنصراً، معظمهم من الحزب، إضافة إلى ضابطين للنظام.
اقرأ أيضاً: معركة الزبداني: المعارضة تقاوم البراميل المتفجرة
وتشرح إحدى الصحافيات من الزبداني، لـ "العربي الجديد"، أن "قوات النظام وحزب الله تحاول التقدّم من جميع الجبهات، لكنها تركّز على الجبل الغربي لأنه يكشف المدينة، وفي حال سيطرتها عليه يصبح طريقها إلى المدينة واضحاً"، موضحة أن "المعارك تركزت أولاً في الجهة الغربية، ولكن التوقعات أن يكون الاقتحام من كل الجهات، فعناصر الحزب ينتشرون في معظم أرجاء المنطقة، ويتجولون بسياراتهم في بلودان".
وتوضح الصحافية أن "نحو 300 عائلة خرجت من المدينة البالغة عدد سكانها 30 ألفاً باتجاه بلدة مضايا غير الآمنة أيضاً، بعد تأمين مقاتلي المعارضة طريقاً لهم"، مشيرة إلى أن "النظام والحزب يحاولان خلق نصر إعلامي، فالمنطقة التي تسيطر عليها قوات المعارضة لا تتعدى 5 كيلومترات، والحصار المطبق على الزبداني منذ أربع سنوات أنهك المدينة، والآن جاء القرار باقتحامها".
وفي سياقٍ موازٍ، يجري التباحث مع فصائل المعارضة في وادي بردى المسيطرة على بلدة عين الفيجة، بغية قطع مياه نبع عين الفيجة عن العاصمة دمشق، في حال لم تتوقف الحملة العسكرية على الزبداني. ويُعتبر النبع مصدر المياه الأول إلى دمشق، وقد نجحت هذه الخطة في وقت سابق، عندما خضعت قوات النظام لشروط المعارضة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد بقاء العاصمة دمشق أربعة أيام من دون مياه، وتم الاتفاق بين الطرفين حينها على إنهاء الحملة العسكرية على قرية بسيمة وبلدة عين الفيجة في وادي بردى، مقابل قيام المعارضة بإعادة ضخ مياه نبع الفيجة إلى دمشق. وقد يؤخر ذلك من دخول مدينة الزبداني أو التفاوض على تسليمها.
كما لجأت قوات المعارضة إلى السيناريو الأخير في عدد من المدن السورية، وأتى بثماره في كثير من الأحيان خصوصاً العام الماضي، بعد التهديد بقطع الخدمات مقابل الإفراج عن المعتقلات، ومع أن المعارضة قد تكون أول من يتضرر من هذا الأسلوب، إلا أنها تعاني أصلاً الحصار الخانق في معظم المناطق التي تسيطر عليها وحرب الإبادة من قبل النظام السوري.
وتُعدّ الزبداني من أوائل المدن التي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية قبل ثلاث سنوات، وهي آخر منطقة خاضعة لسيطرة قوات المعارضة في منطقة القلمون. ويُعرف عن الزبداني أنها مدينة ومصيف من أشهر المصايف العربية، وتقع على مسافة 45 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق. وتمتد المدينة في سفوح الجبال وتشرف على سهل الزبداني، وتقع على الطريق العام الذي يربط دمشق بالساحل والشمال، في وسط المسافة بين دمشق وبعلبك، وترتفع عن سطح البحر ما بين 1.150 و1.250 متراً.
اقرأ أيضاً: معركة الزبداني: بين كسر الحصار وكسر الإرادة