مع تزايد الخلافات والانقسامات في صفوف التيار الإسلامي في الجزائر، أطلق الشيخ عبدالله جاب الله، الذي يرأس جبهة "العدالة والتنمية" المشاركة في تكتل المعارضة، مبادرة جديدة للمّ شمل الناشطين في التيار الإسلامي، لاقت فور إطلاقها انتقادات عديدة. وتدعو المبادرة، القوى والكوادر الإسلامية إلى الاجتماع من أجل التحاور والتشاور حول ما تقتضيه طبيعة التحديات المفروضة، والتوصل إلى التصوّر والأشكال اللازمة لاستيعاب الطاقات وحسن توظيفها في خدمة ذلك والنهوض به والتمكين له.
لكن جاب الله، الذي يقود المبادرة ومعروف عنه خلافه مع عدد من القيادات الإسلامية على الزعامة في التيار الإسلامي في الجزائر، وُجّهت إليه انتقادات بشأن هذه المبادرة، إذ أعلنت كبرى الأحزاب الإسلامية، كإخوان الجزائر، وحركة "مجتمع السلم" وحركة "النهضة" وحركة "الإصلاح" وحركة "البناء"، أنه لم تتم دعوتها إلى هذه المبادرة، على الرغم من إعلان دعمها لكل خطوة يمكن أن تسهم في جمع القوة الإسلامية وتوحيد المواقف، وهو مشهد برره الكثير من المراقبين بتوجّس قائد المبادرة الشيخ جاب الله من القيادات الإسلامية الأخرى التي لا يتقاسم معها المواقف والرؤى السياسية نفسها، على الرغم من الروابط الإيديولوجية التي تجمع الإسلاميين، خصوصاً مع إخوان الجزائر الذين يتهمهم جاب الله بالمشاركة في إطالة عمر النظام الجزائري بسبب تحالفهم مع السلطة ومشاركتهم في الحكومة بعد انقلاب الجيش ووقف المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992.
وقال القيادي في إخوان الجزائر (حركة مجتمع السلم)، ناصر حمدادوش، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عن سبب عدم مشاركة حزبه في مبادرة لمّ الشمل، "إنها مبادرة فردية ومن طرف واحد، وهي لجمع شتات ما تم تفريقه عبر انشقاقات سابقة ومؤلمة داخل جماعة جاب الله، وهي مبادرة أشخاص، ولا تعني الأحزاب والحركات الإسلامية في جهد جماعي ووحدوي".
وأضاف حمدادوش أن "الساحة ليست في حاجة إلى ولادة أحزاب أو أطر سياسية جديدة"، مشيراً إلى أن "المشكلة ليست في استنساخ هياكل أطر تنظيمية جديدة بقدر ما تحتاج إلى التجديد في الطرح في الأفكار والبرامج والمشاريع بما يواكب المرحلة ويجيب عن الأسئلة الملحّة، فلا يمكن اختزال هموم الأمة بطرح إيديولوجي مستهلك وأجوف".
اقرأ أيضاً: المعارضة الجزائرية والاختبارات الصعبة
ويختصر هذا التعليق حدّة المساحة الفاصلة بين أقطاب التيار الإسلامي في الجزائر، ويؤشر على صعوبة نجاح أي خطة باتجاه توحيد مواقفهم منذ التسعينات. ويرى مراقبون أن الخطوة التي لجأ إليها جاب الله للمّ الشمل، لا تهدف إلى توحيد التيار الإسلامي، فهذا الأمر غير ممكن في الوقت الحالي لأكثر من عامل داخلي وخارجي، لكن جاب الله يستهدف عبرها جذب عدد من الكوادر والقيادات التي كانت تنشط معه في حركة "النهضة" ثم في حركة "الإصلاح"، إلى حزبه "جبهة العدالة والتنمية".
ولفت المحلل السياسي خليل تزغاش، إلى أن "مبادرة لمّ شمل الإسلاميين ليست الأولى من نوعها، لكنها جزء من مسار من المحاولات المستمرة"، معتبراً أن "مسار جاب الله السياسي يؤكد أن خطوته الجديدة تؤشر على قلقه من الأداء السياسي لتكتل المعارضة المسمى تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي، خصوصاً بعد إقدام زعيم إخوان الجزائر على الاجتماع بأحمد بوتفليقة رئيس ديوان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وهو ما اعتبره جاب الله خرقاً للتوافقات السياسية داخل تكتل المعارضة"، مضيفاً أن "جاب الله يحاول أيضاً تحسين موقعه داخل تكتل المعارضة تحسّباً لما هو مقبل".
ولا يبدو التيار الإسلامي في الجزائر جاهزاً للمّ الشمل في الوقت الحالي، فالخلافات والاختلافات السياسية تتزايد بين الإسلاميين، كما أن عدد الأحزاب ارتفع بشكل كبير إلى 10 أحزاب إسلامية، انشقت عن حزبين رئيسيين هما "حركة مجتمع السلم" التي أسسها الشيخ الراحل محفوظ نحناح، وانشقت عنها منذ العام 2003 أربعة أحزاب، هي "حركة البناء" و"جبهة التغيير"، و"تجمع أمل الجزائر"، و"أنصار الجزائر"، فيما انشق عن حركة "النهضة" التي أسسها جاب الله، حركة "الإصلاح الوطني" و"جبهة الجزائر الجديدة"، قبل أن يؤسس جاب الله حزباً جديداً باسم "جبهة العدالة والتنمية".
اقرأ أيضاً: الجزائر: صراع ثلاثي وأحلاف استعداداً لمرحلة ما بعد بوتفليقة