في 17 مارس/آذار 2014، أي قبل إقامة كأس العالم بأشهر قليلة، فتحت الشرطة الفدرالية البرازيلية تحقيقاً في شأن عمليات تبييض الأموال، وأطلق على هذه العملية اسم "عملية غسل السيارات". بدأت العملية على أساس مكافحة غسل أموال، بناءً على ادعاءات رجل الأعمال، هيرميس ماغنوس، الذي اتهم حلقة إجرامية بـ"تبييض الأموال"، عبر شركته "دونيل أندوستريا أي كوميرسيو" المتخصصة في الإلكترونيات. آلت التحقيقات إلى الكشف عن أربعة من الرؤوس المدبّرة لعملية غسل الأموال، من بينهم ثلاثة من أصل لبناني، وهم: كارلوس حبيب شاطر، ألبرتو يوسف، نيلما ميتسو بيناسو كوداما، وراوول هنريكي سرور.
وكشفت التحقيقات أن يوسف وهو الأبرز بينهم، كان "الديلير" (زعيم السوق السوداء). فقد منح سيارة رباعية الدفع من نوع "لاند روفر إيفوك"، للمدير السابق في "بتروبراس"، باولو روبرتو كوستا، من أجل كسب بعض العقود من الشركة. وكشفت السيارة اتجاهاً جديداً في ملف غسل الأموال، ليطاول مديرين وشخصيات نافذة في مجلس إدارة "بتروبراس". تفاقمت الأمور مع إبداء الرباعي الموقوف، شاطر ويوسف وكوداما وسرور، رغبتهم في إجراء صفقة مع النيابة العامة، للتخفيف من عقوبتهم، على أن يتعاونوا في التحقيقات. وبناءً عليه، تنوّعت ملفات الشرطة، التي قامت بأكثر من 100 عملية مصادرة ومداهمة وتوقيف، وأوقفت 57 شخصاً حتى الآن، كما باتت أكثر من تسع شركات تحت مقصلة القضاء، ومن بينها شركة "أوديبريشت"، التي التزمت بناء بعض ملاعب كأس العالم.
هنا، يأتي دور روسيف التي تُعتبر رئيسة مجلس إدارة "بتروبراس"، كون الشركة وطنية وتتبع للدولة البرازيلية. روسيف المنتمية إلى حزب "العمال" اليساري، لم تستطع إقناع المتظاهرين في كل ولايات البرازيل الـ26، بأنّها "لم تكن على علم بعمليات غسل الأموال والفساد". وقد حمّلها المتظاهرون مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد. مع العلم، أن روسيف كانت أسيرة الهجمات السياسية والشعبية خلال فترة كأس العالم 2014، بعدما رفضت الحكومة منح تعويضات للسكان الذين تضرروا بفعل إقامة البطولة، وتعرّضوا للتهجير والتهميش من منازلهم، بالإضافة إلى أن كأس العالم كان مهدداً بدوره، لولا وصول المنتخب البرازيلي إلى الأدوار الختامية، لتنتهي البطولة بسلام.
اقرأ أيضاً: تظاهرات في البرازيل تطالب بتنحّي روسيف
في الأساس، الثقة بمعظم المنتجات البرازيلية غير متوفرة عالمياً، تحديداً لدى دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) أي حلفاء البرازيل التقليديين. حتى أن الأبقار البرازيلية، كانت تخضع لشروط تعجيزية قبل السماح لها بدخول السوق الروسية. غير أن العقوبات الدولية على روسيا، حدت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تخفيف الشروط في إدخال المواشي البرازيلية إلى بلاده. يُذكر أنّ البرازيل تملك 190 مليون بقرة تقريباً، العدد الأكبر عالمياً بعد الهند، لكن الأخيرة ولأسباب دينية، تُحرّم قتل الأبقار، ما يجعل البرازيليين في صدارة السوق العالمي للمواشي.
ومع أن الكاكاو يبقى سلاح البرازيل الأمضى، غير أنه لا يكفي لمعالجة اقتصاد ينهار ببطء، ومن شأن ذلك أن ينعكس سلباً على سوق ميركوسول (سوق أميركا الجنوبية)، وعلى دول الجوار، خصوصاً الأرجنتين، التي تتشارك الزعامة السياسية والاقتصادية للقارة مع البرازيل. وانهيار البرازيل، إذا حصل، لن يترك القارة الأميركية الجنوبية، وصولاً إلى المكسيك بمعزل عن تداعياته.
الألمان لم يكونوا بعيدين أيضاً، مع سعي المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل إلى كسب المزيد من الاستثمارات في البرازيل. وقد بدأت ميركل زيارة إلى برازيليا، للاطلاع على أوضاع 1300 شركة ألمانية تنشط هناك، وبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية. هذه "العادة" الألمانية التي تقضي بدخول الأسواق المتعثرة لكن الواعدة، بغية تصحيحها والسيطرة على أبرز مكامن قوتها، كما سبق أن فعلوا في روسيا واليونان وكرواتيا، وغيرها من الدول الأوروبية الشرقية.
في البرازيل أيضاً، أكثر من غسل أموال ورشى أو التحكّم بسياسيين واقتصاديين. هناك من يُطبّق قانون "العين بالعين والسنّ بالسنّ"، بمعزل عن أي تدخّل للقضاء. طاولت شبهة الفساد مختلف المرافق. لغة الشكوك أكبر من الثقة بالجسم القضائي في ما يتعلّق بنزاع المدن والضواحي الفقيرة. الصراع في الشوارع ليس مقتصراً على عصابات تتناحر في "الفافيلاس" (البيوت البرازيلية الفقيرة). اخترقت الرشوة صفوف الشرطة، فسقط عدد منهم في المحظور. غير أن البعض يُطبّق قانونه الخاص، كما حصل في ساو باولو ليل 13 ـ 14 أغسطس/آب. قُتل شرطيان على يد عصابة في حي أوساسكو، ولم تُعرف أسماء قَتَلَتهما تحديداً، لكنهم عُرفوا إلى أي عصابة ينتمون.
قرّر رفاق الشرطيين الانتقام، فحاصروا أربعة أحياء من ساو باولو، وعمدوا إلى سحب رجال العصابات من الحانات عشوائياً، وقضوا عليهم في الشوارع. وجّهت الشرطة إنذاراً شديد اللهجة إلى العصابات، وكانت الحصيلة 19 قتيلاً و7 جرحى. انتقم أفراد الشرطة الملثمون لرفيقيهم، في صورة نموذجية عن برازيل مشابهة لصقلية الإيطالية في القرن 19 وشيكاغو الأميركية في القرن العشرين. وعلى الرغم من كل ذلك، يرفض البرازيليون، خروج الجيش من الثكنات لمعالجة وضع "الفافيلاس" أو الأمن المتدهور، كي لا يعود معه زمن العسكريتاريا، الذي سقط منذ أكثر من ثلاثة عقود تقريباً.
اقرأ أيضاً: البرازيل تسعى لاجتذاب 64 مليار دولار للبنية التحتية