وأعلنت المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، أمس الجمعة، أن "أكثر من 300 ألف مهاجر عبروا المتوسط منذ بداية يناير/ كانون الثاني، وأكثر من 2500 غرقوا في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا".
وذكرت المتحدثة باسم المفوضية، ميليسا فليمينغ، للصحافيين أن "عدد اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط هذه السنة، تجاوز 300 ألف شخص، وصل قرابة 200 ألف منهم إلى اليونان و110 آلاف إلى ايطاليا، في مقابل 219 ألفاً وصلوا في عام 2014".
في ألمانيا، يرتفع صوت اليمين القومي المتشدد، حاشداً ضد وصول اللاجئين إلى البلاد، بظلّ ارتفاع نسبة مؤيديه، وفقاً لآخر الاستطلاعات. وبدت الحركة النازية الجديدة أقرب إلى سياسات وتوجّهات الناخبين. كما أصدر مكتب الهجرة الاتحادي أرقاماً، ذكر فيها أنه "يتوقع استقبال نحو 800 ألف لاجئ هذا العام"، أي حوالي 1 في المئة من عدد سكان ألمانيا الـ81 مليوناً. وهو رقم أغضب بعض أقطاب اليمين، حتى أن المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين ذكرت، يوم الثلاثاء، أن حوالي 6 إلى 7 آلاف من هؤلاء عبروا الحدود الجنوبية لألمانيا، لجهة النمسا، حيث الثقل النازي.
مع العلم أن متحدثة باسم مكتب الهجرة الاتحادي أصدرت بياناً، يوم الاثنين، ذكرت فيه أن "ألمانيا ستوقف العمل باتفاقية دبلن بالنسبة للاجئين السوريين الآتين من إيطاليا واليونان"، قبل أن تُحذّر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد لقائها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في برلين، يوم الاثنين، من أنه "يجب توزيع اللاجئين بشكل عادل ومتساوٍ بين دول الاتحاد". وأضافت أن "الوقت ليس في مصلحتنا. علينا تقاسم تكاليف تلك الخطوة".
اقرأ أيضاً: الحكومة الدنماركية تخنق اللاجئين السوريين
لم تطرح ألمانيا سياسة مشتركة لاستقبال اللاجئين فقط، بل قدّمت خطة من عشر بنود، وأبرزها ما ناقشته ميركل مع هولاند، حول بناء مراكز استقبال مع نهاية العام في جنوب القارة، وتحديداً في اليونان وإيطاليا. وتريد ألمانيا تمويلاً مشتركاً لفرض مسؤوليات "تضامنية" بين دول الاتحاد، وفق ما ذكر مراقبون لشؤون الهجرة وسياسات الاتحاد.
ويرى البعض أن إلغاء العمل باتفاقية دبلن، يُعتبر بمثابة "تضامن" ألماني مع أفقر الدول في القارة، خصوصاً تلك التي تعيش أزمات مثل اليونان وإيطاليا، التي تحمّلت أعباء مئات آلاف المهاجرين. كما رآها آخرون بمثابة تطمين لدول استنفرت جيوشها ورفعت الأسلاك الشائكة على حدودها مخافة أن تعيدهم ألمانيا إليها.
ليس اليمين الألماني وحده من يتقدم أوروبيّاً، بل أيضاً اليمين السويدي، الذي تحتل بلاده المرتبة الثانية في أعداد المُستقبلين بعد ألمانيا. ويُسجّل حزب "ديمقراطيي السويد" اليميني المتطرف تقدماً يكاد يبثّ الرعب بين الأحزاب، مع احتمال انعكاسه على دول الجوار، تحديداً الدانمارك.
وتتجه بعض الدول لمجاراة اليمين بسياسات متشددة وصارمة، كالدخول في مزادات حول الأعداد التي تقبل بتوطينها في أراضيها، بعد قرار الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار الماضي توزيع 40 ألف لاجئ بين دوله، إذ قبلت بعض الدول استقبال 200 لاجئ والبعض الآخر ألف لاجئ.
وفي ظلّ هذا الوضع، تزداد مآسي اللاجئين، من الحدود اليونانية ـ المقدونية، إلى استنفار بلغاريا لجيشها لمواجهة تدفق اللاجئين، أما المجر فلم تأبه بكل المعايير التي وضعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبدأت قواتها الأمنية اعتداءاتها على اللاجئين.
ليس هناك أوهام عند المختصين في "النزاعات"، ومن مراكز بحثية عدة على امتداد أوروبا، بأن محاولات الاتحاد الأوروبي عرقلة التدفق البشري، عبر خطوات تجميلية وترقيعية، باتت تتطلّب أكثر من تأسيس مراكز استقبال للاجئين وإدارتها. ولا يُمكن عبر بند مثل "دراسة وتقييم البلاد التي تُعتبر آمنة للاجئين، ما لا يُسمح باستقبال مهاجرين منها"، أن يُطبّق في ظلّ المخاوف بأن أعداداً ضخمة من اللاجئين قد يأتون من بلاد غير سورية. أما البند القاضي بـ"العمل بفعالية لإعادة اللاجئين إلى بلادهم الآمنة"، فلا يُمكنه أن يُخفّض أعداد الزاحفين إلى أوروبا.
بالتالي، يخشى الأوروبيون بناءً على تحذيرات مختصين، من مراوحة الأوضاع مكانها، ما يعني ترقّب مزيد من المآسي. ويدعو هؤلاء المختصون إلى "النظر بجدية لأسباب هجرة مئات الآلاف من اللاجئين نحو غرب أوروبا عبر البلقان".
ويدرك خبراء عديدون أن الأزمة السورية ولّدت أكبر عملية تهجير في القرن الحالي، حتى أن بعضهم يُشبّهها بما حدث في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). ويقترح هؤلاء أن يجري البحث عن جذور هذا التدفق وليس البحث في حلول مرحلية.
وإذا كان صوت اليمين مسموعاً في أوروبا، فإن التململ الإعلامي والسياسي عند أحزاب يسارية، يجد صداه في الدعوة أكثر إلى حلّ المشكلة السورية بدلاً من إقامة مراكز استقبال في جنوب القارة. وبرأي هؤلاء، فإن تلك المراكز ستُشجع المزيد من المحبطين، والذين يعانون التدمير والتهجير للتوجه أكثر نحو الشمال، مخاطرين عبر المتوسط وبحر إيجه.
ويطرح بعض الخبراء فكرة استقبال اللاجئين السوريين بالتوازي مع حلّ مشكلتهم في بلدهم، مثلما جرى الأمر عندما مُنح البوسنيون والكروات إقامات موقتة، ليعودوا بعد انتهاء الحرب في يوغسلافيا السابقة (1992 ـ 1995) إلى بلدانهم. لكن تلك المقترحات تحتاج لإرادة سياسية باتخاذ أوروبا موقفاً موحّداً، وهو ما يبدو صعب التحقيق. وقد كشفت السنوات الماضية عدم اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على سياسة لجوء موحّدة. وأدى الفشل إلى ترك الأمور على عاتق الدول الأكثر غنى وتقدماً في ألمانيا والسويد وفرنسا، وبنسبة أقلّ في بريطانيا، فاستقبلوا اللاجئين، قبل أن يعودوا إلى طرح توزيعهم حالياً.
اقرأ أيضاً: أوروبا واللاجئون... أزمة تتفاقم وحلول تنتظر التوافق