تجاوزت حكومة الحبيب الصيد، بتركيبتها الجديدة، عتبة نيل رضا النواب بصعوبة بالغة، ونالت بذلك موافقة البرلمان التونسي لتنطلق في العمل.
وحصل وزيرا العدل والشؤون المحلية على أكبر عدد أصوات (147 صوتاً)، فيما حصل وزيرا العلاقات مع الهيئات الدستورية والناطق الرسمي باسم الحكومة على أقل عدد من الاصوات (132 صوتاً) بعد يوم من الانتقادات والاحترازات.
وحصلت حكومة الصيد المعدلة على عدد من التزكيات، أضعف من تلك التي حصلت عليها الحكومة الأولى (166 صوتاً)، كأولى نتائج انقسام المجموعة البرلمانية لنداء تونس ذات الأغلبية الأولى لعدد المقاعد سابقا إلى مجموعتين، إذ انقسم التصويت بدوره إلى مؤيد ومتحفظ.
وأوضح النائب المستقيل وأحد أبرز القياديين في الشق الموالي لمحسن مرزوق، عبادة الكافي، في حديثه مع"العربي الجديد"، أن "المجموعة التي تعد رسميا واحداً وعشرين نائباً (21 استقالة رسمية أودعت لدى مكتب الضبط) آثرت التحفظ بأصواتها على رفض الوزراء الجدد".
ويعود ذلك، وفق الكافي، إلى أن "موقف المجموعة المتمثل في التحفظ يعد أضعف الإيمان إزاء حكومة لم يتم التشاور بشأنها، ولم تعرض على المستقيلين، ولم يتم تقديم المعطيات الكافية حول الطاقم الجديد".
وقال الكافي إن "الكتلة الجديدة لم تقل لا وتحجب ثقتها حتى لا يعتبر البعض أنها في المعارضة".
أما الكتلة الأم (مجموعة نداء تونس التي تضم حاليا 63 نائبا من أصل 86)، التي عاشت يوما عصيبا باستقالة ثمانية نواب آخرين من الحزب وإعلان أنفسهم "مستقلين داخل المجموعة النيابية للنداء"، فقد صوتت لصالح الطاقم الوزاري الجديد.
وأوضح رئيسها، الفاضل بن عمران، لـ"العربي الجديد"، أنه لم تساوره أية شكوك حول المصادقة على التركيبة الجديدة بما يفوق الأغلبية المطلوبة دستوريّاً (109 أصوات).
واعتبر أن "تحفظات نواب كتلته على الحكومة أمر طبيعي في مناخ ديمقراطي لا علاقة له بمسألة منح الثقة المرتبطة بضمائر النواب ومسؤوليتهم أمام الشعب من جهة، وبثقة نواب النداء في اختيارات الحبيب الصيد من جهة أخرى".
وحصدت التركيبة المعدلة تزكية كامل أعضاء كتلة حركة "النهضة"، التي أضحت ذات الأغلبية الأولى بـ 69 صوتا، حيث اجتمعت صبيحة التصويت بزعيم الحركة، راشد الغنوشي، وصاغت موقفا موحدا بالتصويت لصالحها.
وبيّن الوزير السابق والنائب عن الحركة، سمير ديلو، لـ"العربي الجديد"، أن "حركة النهضة لا ترى سببا معقولا لحجب ثقتها أو التحفظ على الوزراء الجدد، رغم أن الأمر لا يخلو من بعض الاحترازات".
وأسند أعضاء كتلة "آفاق تونس"، المشاركة في الائتلاف، ثقتهم على قاعدة "ثقتهم برئيس الحكومة" لا بالوزراء فردا فردا، وفق ما ورد بمداخلة رئيسة الكتلة، ريم محجوب.
على أن أشد المداخلات وأكثرها حدة، كانت مداخلات المعارضة التي ذكرت الحكومة بأنها لن تنال ثقتها في ظل غياب البرامج والتصورات، واتهمت رئيس الحكومة بمجرد تغيير الأسماء والإبقاء على ذات السياسات التي تغيب عنها الرؤية، وصوتت المعارضة بالرفض على الوزراء المكلفين حديثا.
وأعربت النائب عن التيار الديمقراطي المعارض، سامية عبو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا سبيل لإسناد الثقة لحكومة رئيسها لا يعد رجل المرحلة، إذ أجرى تحويرا وزاريا الغاية منه إرضاء رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، وشريكه راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة.
وأشارت إلى أنه "كان من الحكمة أن يتم الإبقاء على الوزراء المعفيين من مهامهم، خاصة بعد أن اطلعوا على حقيقة الأوضاع وأضحوا قادرين على التعاطي معها لا استقدام آخرين يجب انتظار سنة أخرى حتى يتفهموا ما تمر به البلاد اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، ومن ثمة ينطلقون في أعمالهم".
رئيس الحكومة، الذي ضمن نيل الثقة، وتجاوز العقبة الأكبر، رد على المعارضة، قائلا إن "هنالك إنجازات وهنالك إشكاليات، والذين يريدون أن ينظروا إلى نصف الكأس الفارغة عليهم مراجعة مواقفهم".
وعرج على مسألة ترضية الرئيس وحليفه، زعيم حركة "النهضة"، قائلا إن "الإبقاء على الائتلاف الحاكم هو قرار اتخذه شخصيا ويتحمل المسؤولية في ذلك، فالوقت ليس مناسبا لمراجعة الائتلاف حسب تقديره، علاوة على أن إعفاء الوزراء جاء إثر متابعته شخصيّاً لهم وتحديد مدى نجاحهم وإخفاقهم".
أما عن إعفاء وزيري الداخلية والشؤون الدينية، فقد أكد رئيس الحكومة أن الإعفاء لم يكن بسبب فشل، وإنما لأن المرحلة المقبلة تقتضي تحويراً.
وعكس التصويت حجم الرضا داخل البرلمان على رئيس الحكومة وطاقمه، في الوقت الذي يرفض فيه الاتحاد العام التونسي للشغل هذا التحوير، وتحيل نتائج سبر الآراء إلى تواصل نزول نسبة رضا التونسيين عن أدائها، وهو ما يبرز صعوبة المرحلة المقبلة.
اقرأ أيضاً:حكومة الصيد الجديدة: تعزيز الحضور الحزبي وتراجع مشاركة المرأة