أدّى إعلان رئاسة الجمهورية المصرية، عن عقد اجتماع بين رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ووزير الدفاع صدقي صبحي، ورئيس الاستخبارات خالد فوزي، حول أزمة سد النهضة الإثيوبي، إلى عودة أحلام الحسم العسكري لتداعب خيالات المصريين مرة أخرى، بعد عامين من اعتناق السياسات الهادئة والباردة في إدارة الملف، وتفضيل المسارات الفنية والدبلوماسية.
على الرغم من أن البيان الصادر عن الاجتماع اقتصر على مطالبة متكررة من السيسي لإثيوبيا بـ"ضرورة تقديم خطوات تُفعّل الاتفاق الثلاثي الموقع في الخرطوم في مارس/آذار الماضي"، إلاّ أن الإعلان عن مناقشة وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات لهذا الملف هو التطور الجديد في حدّ ذاته. مع العلم أن مصادر حكومية مُطّلعة تكشف لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي اجتمع من قبل مع ممثلين للاستخبارات الحربية والاستخبارات العامة، في حضور وزيري الري حسام مغازي، والخارجية سامح شكري، للتباحث حول الملف، لكن مؤسسة الرئاسة لم تعلن ذلك، حفاظاً على الطابع الفني والدبلوماسي للموقف المصري".
ويطرح هذا التغيير في الإعلان عن طبيعة الاجتماعات والدراسات داخل الدولة المصرية، احتمالات تغيّر السياسة المصرية الهادئة تجاه السد، خصوصاً بعدما رفضت إثيوبيا جميع مطالب مصر بشأن الإدارة المشتركة لفترة ملء الخزان وزيادة فتحات تدفق المياه.
وتوضح المصادر أن "الحكومة الإثيوبية ووسائل إعلامها ستتعامل بجدية مع هذا الحدث"، مرجّحة أن "يؤثر هذا إيجابياً على موقف مصر في جولة المفاوضات المقبلة في فبراير/شباط المقبل، وقبل ذلك خلال لقاء السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسالين، بأديس أبابا على هامش القمة الأفريقية".
اقرأ أيضاً: امتعاض السودان يضعف موقف مصر في أزمة سد النهضة
وتعتبر هذه المعارضات المتوقعة دولياً للصدام العسكري، بداية لمخاوف أخرى قد تصل لحدّ فرض عقوبات على مصر، أو تؤدي لتقوية موقف إثيوبيا من قضية السدّ، باعتبار أن من حقها التنمية والتطوير، لا سيما أن الاتفاقيات الحاكمة لحصص مياه نهر النيل قديمة، وأعلنت جميع دول المنابع معارضتها لها، فيما تتمسك بها مصر والسودان فقط.
وإلى جانب هذين الاعتبارين، فإن هناك اعتباراً آخر يمنع التدخل العسكري المصري، وهو ارتباط عملية إنشاء السد بدول غربية صديقة لمصر، بل اتسمت علاقتها بالقاهرة بتطور كبير خلال عهد السيسي، وعلى رأسها إيطاليا، فالتحالف القائم بالإنشاء إيطالي.
في المقابل يحرص السيسي على حسن العلاقة بإيطاليا تحديداً، نظراً لحساسية ملف الأوضاع في ليبيا لكلتا الدولتين، وحرصاً على استمرار عمل شركات البترول الإيطالية الكبرى في مصر، وأخذاً في الاعتبار أن إيطاليا كانت على رأس الدول المؤيدة لمواقف السيسي. وذلك بعدما تعهّد بتشديد الرقابة على الساحلين المصري والليبي، لمساعدة إيطاليا في مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
وإلى جانب إيطاليا، ترتبط استثمارات أعمال توليد الطاقة الكهرومائية بسدّ النهضة، بشركات من دول، سعى السيسي طويلاً لإقامة علاقات مميزة معها، كفرنسا والصين. بالإضافة لوجود مصالح لشركات خليجية وتحديداً من دولتي السعودية والإمارات، الأكثر دعماً لمصر اقتصادياً على مدار السنوات الثلاث الماضية.
غير أن ظهور وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات إلى جانب السيسي في اجتماع للأزمة، ليس مجرد رسالة موجهة إلى أديس أبابا، تنبئ بـ"جدية أكبر في التعامل"، ولكنها رسالة أخرى للداخل تحاول طمأنة المصريين، المشككين في مسار التفاوض الذي لم تربح مصر منه أي شيء حتى الآن.
وجاءت عناوين الصحف المحلية المقرّبة من السلطة، معبّرة عن هذا الاتجاه للطمأنة، فاحتلت عناوين الاجتماع وصورته صدر الصفحات الأولى، متقدمة على أحداث مجلس النواب المتسارعة، والأكثر إثارة للجدل السياسي.
وتشير مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السيسي تلقّى تحذيرات من انخفاض شعبيته، نتيجة فشل المسار التفاوضي في ملف سد النهضة". ويبدو أن هذا ما دعاه إلى تخصيص جزء للحديث عن الموضوع في خطابه الأخير بواحة الفرافرة، حين شدّد على أنه "لن يخذل المصريين، لأن عمره ما سابهم قبل كده"، معتبراً أن "الوضع المصري في التفاوض جيد حتى الآن"، وذلك على النقيض من رؤى المراقبين والمتخصصين.
من جهتها، تلفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إعلان مشاركة الجيش والاستخبارات في إدارة الملف تأخر جداً، لأن الاستخبارات تحديداً تشارك في إدارته منذ أشهر عدة، وهو أمر معروف للإثيوبيين، ولن يؤثر عليهم". وتضيف أن "الجهود المصرية حالياً منصبّة على استمالة السودان بصورة حاسمة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، بالإضافة إلى الرهان على حدوث تغيير إيجابي في اللقاء المقبل بين السيسي وديسالين".
وتنوّه المصادر الدبلوماسية، إلى أن "الاجتماع الفني الأخير الذي انعقد في أديس أبابا شهد تدخلاً لصالح إثيوبيا من قبل الشركة الإيطالية القائمة على عمليات الإنشاء، التي قدّمت عرضاً علمياً يُفنّد الطلب المصري لزيادة فتحات التدفق المخصصة لأوقات الطوارئ، فمصر لا تطالب بزيادة الفتحات عموماً، ولكنها تطالب فقط بزيادة فتحات الطوارئ التي تعمل بمعزل عن توربينات التشغيل الخاصة بالسد. وذلك في حالة تعطلها أو حدوث أي مشكلة قد تستغرق أياماً أو أسابيع لحلها.
وبناء على هذا التفنيد العلمي، اضطر فريق التفاوض الفني المصري إلى الحديث عن إعادة دراساته، وإعادة صياغة مطلبه فيما يخص فتحات التدفق، على أن يعرض على الاجتماع المقبل في فبراير/شباط، وهو الأمر الذي عرضه وزير الري حسام المغازي على السيسي في اجتماع الذي تمّ بحضور وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات.
وتذكر المصادر الدبلوماسية، أن "فشل مصر في تحقيق نجاح على صعيد مسألة فتحات الطوارئ، لن يترك للمفاوض المصري أي فرصة لتحسين شروط تتعلق بجسم السد ومنشآته، ويبقى أمام القاهرة فقط السعي لإقناع السودان بالانضمام إليها في شروط الملء التجريبي والملء الدائم للخزان، وهي التي لا تمثل أهمية كبرى للخرطوم لأنها تتمتع بمصادر مائية أكبر أضعاف المتاحة لمصر".
اقرأ أيضاً: مصر تعلن "ضمنياً" مشاركة الجيش والمخابرات لإدارة ملف "النهضة"