غادر الرجل القوي في جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، نائب مراقبها العام، زكي بني أرشيد، أمس الاثنين السجن، بعدما أنهى عاماً ونصف العام خلف القضبان، نتيجة منشور كتبه على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" انتقد فيه دولة الإمارات، وكان سبباً في إصدار محكمة أمن الدولة (عسكرية)، حكماً بسجنه بتهمة تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية.
اقرأ ايضاً: الأردن: بني أرشيد يُطلق مبادرة للإصلاح عقب الإفراج عنه
يخرج بني أرشيد، وهو يدرك أن الحركة الإسلامية التي عرفها قبل سجنه قد تغير واقعها جذرياً، بفعل الخلافات العميقة التي صدعت بيتها الداخلي، والانشقاقات المتوالية التي تنتقل حالياً من الجماعة إلى ذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي". لكنه يخرج بشهية كبيرة لمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي في البلاد، والذي كان من أشدّ المتحمسين له في قيادة الجماعة يوم انطلق الربيع العربي، وحمل حينها على عاتقه ملف إدارته مع القوى السياسية.
وشهدت الحركة الإسلامية خلال مدّة سجنه انشقاقاً خطيراً على مستوى جماعة "الإخوان المسلمين"، حين رخصت السلطات الأردنية في مارس/آذار الماضي، جمعية سياسية يقودها المراقب العام السابق المفصول عبد المجيد ذنيبات، تحمل اسم جمعية جماعة "الإخوان المسلمين"، سُوق لها لتكون بديلاً عن الجماعة التاريخية. واعتبرتها الحكومة الأردنية ممثلاً عن إخوان الأردن، في مسعى لإسقاط الشرعية القانونية عن الجماعة التاريخية. فيما يتعقد حالياً الخلاف داخل حزب "جبهة العمل الإسلامي"، بعدما استقال أخيراً، وبشكل جماعي قرابة أربعمائة من أعضائه البارزين، في مسعى أولي منهم لتشكيل إطار سياسي جديد، تعبيراً عن رفضهم لما يصفونه بالإقصاء والتهميش الممارس عليهم من قبل قيادة الحزب.
الرجل القوي في تيار الصقور (المتشددين)، والمصنف في خانة "عناصر التأزيم"، من قبل المنشقين والمعارضين لقيادتي الجماعة والحزب، يسعى لاستثمار خروجه لرأب التصدّعات التي تعيشها الحركة الإسلامية، إذ وجّه خلال حفل الاستقبال الذي أقامته له الجماعة خطاباً توافقياً وهادئاً، دعا فيه إلى "المصالحة دون إقصاء أحد".
وفيما لم يوضح بني أرشيد معالم المصالحة التي تحدث عنها، أظهر حرصاً على الجلوس على مقربة من البارزين في قائمة المستقيلين من الحزب، ورصدت "العربي الجديد" حديثاً ودياً بينه وبينهم، وإن كان الحديث يصنف في إطار المجاملة.
وجاء حرص بني أرشيد على المصالحة، مع حرص أكبر على الإصلاح السياسي في البلاد، بدأه بانتقاد مسيرة الإصلاح الرسمي، التي قال فيها: " نسمع جعجعة لا نرى طحناً". ودعا إلى "عدم هدر الوقت وتبديد الإمكانيات أمام المشهد الأردني المشبع والمتخم بالجراح وسوء الإدارة". وقال "لم يعد المشهد الأردني بحاجة اليوم إلى تضييع الوقت"، كاشفاً عن عزمه على إطلاق مبادرة وطنية لتفعيل وتيرة الإصلاح، لم يحدد ملامحها، داعياً جميع من وصفهم "بالأحرار" إلى التكاتف.
والتقى بني أرشيد في حفل استقباله الفرقاء السياسيين في الحزب، بينهم الأمين العام محمد أمين الزيود، الذي أكّد لـ"العربي الجديد" التمسك بجميع أعضاء الحزب، مشيراً إلى جهود تبذل من أجل الوصول إلى مصالحة مع المستقيلين، متمسكاً في الوقت نفسه بشرعية قيادة الحزب المنتخبة في مواجهة مطالب المستقيلين المطالبة بقيادة مؤقتة للحزب لمدّة عام تعقبها انتخابات مبكرة.
وأشار المتحدث باسم المستقيلين خالد حسنين في حديثة لـ"العربي الجديد" إلى الأجواء الإيجابية التي عبر عنها الحزب ودعا فيها إلى الحوار، لكنه رأى أن تلك الأجواء غير كافية لوحدها لسحب الاستقالات، وقال "يمكن التأسيس على التوجهات الإيجابية لمزيد من الحوار".
من جهته، أكّد المراقب العام للجماعة همام سعيد، لـ:"العربي الجديد" رفض الجماعة لقائمة الاستقالات، مشيراً إلى وجود مساعٍ لتطويق الخلاف داخل صفوف الحزب. وشدد سعيد على التزام الجماعة بنصوص النظام الأساسي الذي يحكمها والذي يحظر على أعضائها تأسيس إطار سياسي أو الانتماء إلى أطر سياسية غير تلك التابعة للجماعة.
وعلى مستوى الانشقاق الذي قاده ذنيبات، وترجم في جمعية جماعة "الإخوان المسلمين"، أكد سعيد أن "أبواب الحوار أغلقت تماماً مع تلك المجموعة".
وحرصت السلطات الأردنية على إحباط خطة الجماعة للاحتفال أمام السجن بخروج بني أرشيد، إذ أقدمت على الإفراج عن الرجل فجر الاثنين والتكفل بتوصيله إلى منزله، الأمر الذي حال دون تنفيذ الجماعة لدعوتها للتجمع أمام بوابة السجن عند تنفيذ الإفراج الذي كان مقرراً.
اقرأ أيضاً: النظام الأردني يشقّ صفوف الإخوان: تغذية الخلافات واحتضان "الانفصاليين"