ضوء أخضر لمشاركة تركيا بمعركة الموصل... من بوابة التحالف

19 أكتوبر 2016
قوات دربتها تركيا تشارك في معركة الموصل (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن تركيا حصلت على ضوء أخضر أميركي للمشاركة في العمليات العسكرية لتحرير مدينة الموصل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو ما تبدى في كلام رئيس الحكومة التركية، بن علي يلدريم، أمس الثلاثاء، عن اتفاق، في المبدأ، على مشاركة تركية مباشرة في العملية، متحدثاً عن استعداد طيران بلاده للمساهمة في الحملة. وأحدثت المحادثات التركية الأميركية التي أجراها رئيس الأركان التركي، الجنرال خلوصي أكار، في واشنطن، خلال الأيام الماضية خرقاً في التفاهمات بين الجانبين، لمصلحة توسيع دور تركيا في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، وكذلك في العراق، رغم استمرار الخلاف بين أنقرة وبغداد حول الدور التركي في عمليات تحرير الموصل، وكذلك حول الوجود العسكري التركي في قاعدة بعشيقة شمالي العراق.


من جهته، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استمرار الوجود التركي في ما يخص معركة الموصل، مشيراً أيضاً إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية حول انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) نحو شرق الفرات وكذلك العمليات باتجاه الرقة. وشدد على أن الأتراك سيكونون على الأرض وعلى طاولة المفاوضات أيضاً في ما يخص الموصل، قائلاً "إن كنا نقول اليوم إنه لدينا مسؤولياتنا في ما يخص الموصل، لذلك سنكون على طاولة المفاوضات، وعلى الأرض، ولذلك سببه، ونحن لا نقول هذا للكلام فقط"، مضيفاً "لدينا 350 كيلومتراً من الحدود المشتركة مع العراق، وسنكون هناك (الموصل)، على الأرض وكذلك على طاولة المفاوضات". وتابع "بينما تستمر المحادثات على الطاولة، نستمر بتحضيراتنا على الأرض. الأمر ذاته ينطبق على سورية. لقد صبرنا بما فيه الكفاية".

وأكد أردوغان أن عمليات "درع الفرات" ستستمر باتجاه مدينة الباب في سورية بعد السيطرة على بلدة دابق، موضحاً "أن لدابق في تاريخنا موقعاً مختلفاً، وقلنا سابقاً إننا سنتوجه إلى دابق وفعلنا، ولم يستطيعوا المقاومة، والآن نتوجه نحو الباب". وأعلن التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية حول ضرورة انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي من مدينة منبج، وكذلك حول العمليات باتجاه مدينة الرقة السورية، في إشارة إلى نتائج زيارة خلوصي أكار، إلى واشنطن، التي التقى خلالها نظيره الأميركي الجنرال جوزيف دانفورد. وقال أردوغان "في الجنوب هناك منبج، وقلنا إنه يجب ألا توجد فيها قوات الاتحاد الديمقراطي، وقلنا ذلك لقوات التحالف، لذلك ستتوجه هذه القوات نحو شرق الفرات"، مضيفا "يوم أمس، طلب أصدقاؤنا الأميركيون منا المساعدة، قلنا لهم عليكم أن تقبلوا بعرضنا، أنتم هنا أجانب، لا تعرفون المنطقة، نحن نعرف تاريخ المنطقة جيداً، والآن نحن متفقون". وتابع "قيل لنا ما سنفعله من أجل الرقة، حيث تعد المدينة أحد مراكز داعش، وسنقوم معهم بعملية (لتحرير الرقة). نحن نتحرك بإخلاص، وليس لنا أي مطامع في أراضي العراق وسورية. يكفينا وطننا، ويكفينا ألا يكون هناك طامعون به". وأشار إلى أن الهدف المقبل لعمليات "درع الفرات" هو السيطرة على مدينة الباب، ومن ثم التوجه إلى منبج لتطهيرها من قوات الاتحاد الديمقراطي، في سبيل إقامة المنطقة الآمنة، قائلاً "بعد تطهير الباب من داعش، سيتم تطهير منبح من المنظمات الإرهابية. الهدف هو تطهير 5 آلاف كيلومتر مربع من الإرهاب وإقامة المنطقة الآمنة. تحدثنا في هذا الأمر مع كل القوى في التحالف ونستمر في ذلك". يشار إلى أن عمليات "درع الفرات" استطاعت، حتى الآن، السيطرة على ألفي كيلومتر مربع.

وفيما بدا استجابة أميركية للطلب التركي بالانضمام إلى قوات التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق، أعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم استعداد سلاح الجو التركي للمشاركة في عمليات التحالف في الموصل، وذلك رغم إعلان متحدث باسم الخارجية العراقية، أمس الثلاثاء، عدم التوصل إلى اتفاق مع الوفد التركي الموجود في بغداد. وقال يلدريم، أمس الثلاثاء، "في المبدأ، هناك اتفاق على المشاركة (التركية) في التحالف. ليس لدي تفاصيل عن العمليات، ولكن بالتأكيد من المهم المشاركة في التحالف". وأعلن أنه لم يتم بعد الاستعانة بطائرات تركية في الهجوم لاستعادة الموصل، لكنه أوضح أنه سيتم إرسال طائرات عندما يحين الوقت المناسب لذلك. وأكد مشاركة القوات، التي أشرفت أنقرة على تدريبها، في العمليات، في إشارة إلى قوات "الحشد الوطني" التي يتزعمها محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي. وقال يلدريم "كما توجد قوات مجاهدي نينوى التي أشرفنا على تدريبها في الصفوف الأمامية في المعارك ضد داعش، اتخذ سلاح الجو التركي موقعه في العمليات الجوية التابعة لقوات التحالف، وهذا يعتبر أفضل رد على أولئك الذين يقولون لا دخل لتركيا في الموصل"، مضيفاً "سنقوم بجميع الخطوات الضرورية ضد جميع التهديدات دون أخذ الإذن من أحد. لن نسمح بفرض أمر واقع قرب حدودنا، ولن نغض النظر أبداً عن إمكانية حصول مجزرة أخرى، كما حصل مع الأيزيديين أو كربلاء أخرى". 
وعن أسباب التغيير في الموقف الأميركي من الدور التركي في سورية والعراق، أكد مصدر في الخارجية التركية، لـ"العربي الجديد"، أن ذلك "يعود للنجاح الذي حققته القوات التركية في العمليات ضد داعش في شمال حلب، والتي لم يرافقها كباقي عمليات التحالف ضد داعش، أي اتهامات للقوات المشاركة بالقيام بعمليات تطهير عرقي أو تغيير ديموغرافي أو إجراءات انتقامية بحق السكان"، مضيفاً "أما في العراق، فإن واشنطن تعي أنها بحاجة إلى شريك في العراق لمواجهة النفوذ الإيراني، وذلك تجنباً للسيناريو الذي أعقب الانسحاب الأميركي من البلاد، وما رافقه من سيطرة مطلقة لإيران على جميع مفاصل البلاد".
وبينما أعلن المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد جلال، عدم التوصل إلى أي اتفاق مع الوفد التركي، داعياً القوات التركية إلى الانسحاب من معسكر بعشيقة، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو استمرار الحوار بين الجانبيين، قائلا "خلال هذا الأسبوع، غالباً الخميس المقبل (غداً)، سيأتي هذه المرة وفد من بغداد إلى تركيا. لدى الطرفين رغبة في حل الأمور بينهما عبر الحوار".

وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق، إلا أن "العربي الجديد" علمت أن المحادثات سارت بشكل إيجابي، إذ سعى الوفد التركي، الموجود في بغداد، إلى التوصل لتفاهمات حول عدد من النقاط، يأتي على رأسها إيجاد وضع قانوني للوجود التركي في معسكر بعشيقة، ينهي الجدل حول الوجود التركي في شمال العراق، عبر وضع القاعدة في بعشيقة في إطار التحالف الدولي ضد "داعش"، وبالتالي تستمر في تدريب القوات، ليتم إعادة النظر في الوجود التركي في القاعدة بعد انتهاء العمليات ضد "داعش". كما هدف الوفد التركي للاتفاق مع الحكومة العراقية حول الوضع القانوني للقوات التي أشرف الجيش التركي على تدريبها في المعسكر، والتابعة لأثيل النجيفي، والمكونة من متطوعين عرب وتركمان من الموصل، سيصل تعدادها خلال أشهر، بحسب أرقام غير رسمية، إلى 6 آلاف مقاتل، يشارك 3 آلاف منهم، إلى جانب قوات البشمركة، في الهجوم على الموصل من المحور الشرقي، حيث عرض الأتراك على المسؤولين العراقيين ضم هذه القوات إلى الجيش العراقي وإبقاء تمركزها في الموصل. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الأمر، فإن استمرار الوضع الحالي لهذه القوات أمر ممكن. 

وسعى الوفد إلى التفاهم مع الحكومة العراقية حول معركة السيطرة على بلدة تلعفر ذات الغالبية التركمانية شرق الموصل، حيث ترفض الحكومة التركية دخول مليشيات "الحشد الشعبي" وعناصر حزب العمال الكردستاني المدينة، خوفاً من عمليات انتقامية بحق مواطنيها الذين تنتمي أغلبيتهم إلى التركمان السنّة، بعد أن قام "داعش" بطرد التركمان الشيعة منها، وانضم معظمهم إلى "الحشد الشعبي". وطالبت أنقرة بأن تقوم الكتائب التركمانية، التي أشرفت على تدريبها، بدخول البلدة، إذ ستتمكن تركيا بالسيطرة على تلعفر من كسر الممر الإيراني نحو المتوسط، وكذلك خوفاً من أن تتحول البلدة إلى نقطة رئيسية وخط إمداد مستقبلي تستخدمه مليشيات "الحشد الشعبي" للتوجه إلى سورية لدعم قوات النظام السوري عبر منطقة جبل سنجار التي يسيطر على أجزاء واسعة منها حزب العمال الكردستاني، والذي طالبت أنقرة بوقف دعمه من قبل بغداد. كما ترفض أنقرة دخول مليشيا "الحشد الشعبي"، ذات الولاء الإيراني، وحزب العمال الكردستاني إلى مدينة الموصل، خوفاً من عمليات انتقامية بحق القاطنين فيها بتهمة التعاون مع "داعش" وتنفيذ عمليات تطهير عرقي، كما حصل في الأنبار وديالى وصلاح الدين إثر خروجها من قبضة التنظيم.

ويبدو أن أنقرة بعد التفاهم مع واشنطن، رغم رفض بغداد، لن تضطر لاستخدام الخطط البديلة التي لوّح بها أردوغان أخيراً، والتي تقضي بأن يقدم كل من رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني وأثيل النجيفي طلباً للقوات التركية لمساعدتهم في قتال "داعش"، ومن ثم التوجه نحو الموصل بدعم من سلاح الجو التركي وبمشاركة من القوات البرية التركية على طريقة التدخل في جرابلس السورية. وفي حال لم يستجب البرزاني والنجيفي تحت الضغط الأميركي، فإن أنقرة كانت ستتقدم بمفردها نحو الموصل لقطع الطريق على أي سيطرة إيرانية على المدينة، خصوصاً أن استصدار قرار ملزم ضد التدخل التركي في مجلس الأمن سيكون أمراً مستبعداً، في ظل التقارب الروسي التركي، وأيضاً لأن واشنطن ستكون محرجة من التدخل ضد حليفها في حلف شمال الأطلسي.