يتواصل تتابع الأزمات والتوتر بين قيادة الجيش الإسرائيلي، وبين الحاخامية العسكرية المدعومة، في السنوات الأخيرة، بشكل علني وسافر من التيار الديني الصهيوني، ممثلاً بوزير التربية والتعليم، نفتالي بينت، خصوصاً بعدما اتضح أن الحاخام العسكري الأسبق، غرونتسيك وعددا من الضباط المتدينين، اعتادوا مد بينت، بمعلومات عسكرية مهمة عن سير العمليات خلال العدوان على قطاع غزة، خصوصاً كل ما يتعلق بإخفاق الجيش الإسرائيلي في مواجهة الأنفاق الهجومية لحركة "حماس".
وارتفعت حدة التوتر بين التيار الديني وحاخاماته، وبين قادة الجيش، هذا العام في أكثر من مناسبة، منها بعد إعلان رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط قبل نحو ستة أشهر، عن إغلاق قسم "التراث اليهودي" في الجيش وإلحاقه بسلاح التربية العامة في الجيش، وإقرار أوامر عسكرية، بجواز وأحقية تقديم فقرات فنية وأغان تؤديها مجندات، رغم احتجاج التيار الديني ومطالبته للجيش السماح للجنود المتدينين بالانسحاب من مثل هذه المراسم، على اعتبار أن صوت المرأة عورة، وذلك متابعة لانسحاب نواب الكنيست، العام الماضي، من قاعة الكنيست عند أداء مغنية إسرائيلية لأغنية خلال احتفال في الهيئة العامة للكنيست.
ومع تفاخر الجيش الإسرائيلي أخيراً بازدياد توجه دمج المجندات في مختلف الوحدات العسكرية، بدءا من سلاح الجو، وحتى الوحدات القتالية التي تتحمل مسؤولية تأمين الحدود الإسرائيلية المصرية والحدود الإسرائيلية الأردنية، أثارت الحاخامية العسكرية في الجيش الإسرائيلي أخيراً معارضة شديدة للأوامر العسكرية الصادرة قبل شهر عن هيئة أركان الجيش، والمتعلقة بتوزيع الجنود والمجندات على الوحدات القتالية المختلفة، ضمنها مسألة دمج جنود متدينين في وحدات مختلطة. وأبدى الحاخام العسكري الحالي للجيش الإسرائيلي، العقيد رافي بيرتس، رداً على نشر هذه الأوامر، معارضة شديدة لدمج جنود متدينين في هذه الوحدات، ورفض إعطاء حرية القرار للجندي نفسه، بالمشاركة في مهام عسكرية مختلفة إلى جانب مجندات، ما صعد من التوتر القائم بين أوساط في الجيش وبين الحاخامية العسكرية، في كل ما يتعلق بصاحب المرجعية في الجيش، ومن صاحب الأمر الذي يجب أن يطاع، وهل على الجنود المتدينين الانصياع لأوامر القادة العسكريين أم لأوامر الربانيين والحاخامات؟
وبحسب ما كشف موقع "يديعوت أحرونوت" فقد اعترض الحاخام بيرتس على نص الأمر العسكري الصادر عن رئيس أركان الجيش، وجاء فيه إنه "من حق الجندي المتدين أن يطلب إعفاءه من تأدية مهمة عسكرية إلى جانب جنود من الجنس الثاني". وطالب أن يكون نص الأمر العسكري "من حق الجندي المتدين أن يمتنع عن نشاط عسكري مع جنود من الجنس الآخر". وادعت الحاخامية العسكرية أن اعتراضها هو أن من شأن تطبيق النص المقترح من قبل رئاسة الأركان، أن يقود إلى احتكاك جسدي بين الجنود المتدينين والمجندات، وهو ما تحرمه التوراة. وبحسب "يديعوت أحرونوت" فقد رضخ الجيش لمطلب الحاخام العسكري وتم اعتماد النص الذي اقترحته الحاخامية العسكرية، بحيث يبقى قرار أداء المهمة إلى جانب المجندات في الوحدات المختلطة بأيدي الجندي نفسه.
لكنّ القادة العسكريين في قطاعات أخرى في الجيش، وعند بلورة الأوامر العسكرية بشكل نهائي، قدموا اعتراضاً على النص الذي تم اعتماده. وقال رئيس قسم التخطيط في جيش الاحتلال، الجنرال عميكام نوريكين إنه يعارض الصيغة الجديدة للبند، معتبراً أن هذا البند يضرب مرجعية القيادة العسكرية في الجيش، والتي تشكل العامود الفقري للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وتهين في واقع الحال المبدأ الأساسي لعمل الجيش وهيكليته التنظيمية التي تقوم على تراتبية الأوامر العسكرية، من جهة، ولكون هذا البند يفتح، بهذه الصيغة المعدلة، ثغرة خطيرة تقود الجيش إلى منحدر شديد الخطورة، ويتيح للجنود أن يقرروا ويختاروا المهام والعمليات التي يرغبون في تنفيذها، وأي أوامر عسكرية يعارضونها، وهو وضع لا يمكن التسليم به في أي منظومة عسكرية صارمة القيود والتقاليد. ورفض نوريكين، المرشح لقيادة سلاح الجيش، المصادقة على البند المعدل، مستفيداً من تأييد عدد من الجنرالات له، ليتم صياغة البند من جديد والمصادقة عليه من قبل أيزنكوط.
وتعكس هذه الحادثة، مدى تصاعد التوتر والشك بين قيادات الجيش الإسرائيلي العادية، وبين الحاخامية العسكرية، وأنصار التيار الديني، مع ازدياد نفود وحضور ضباط وجنود من هذا التيار في الجيش الإسرائيلي. ويخشى قادة الجيش من التيار العلماني تزايد نفوذ التيار الديني القومي والحريدي، وصولاً إلى حالة يصبح فيها تنفيذ المهام والأوامر العسكرية أمراً غير مفروغ منه، خصوصاً على ضوء حالات سابقة رفض فيها جنود متدينون تنفيذ أوامر بإخلاء مستوطنين من بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، مزودين بفتاوى توراتية مؤيدة لهم من حاخامات التيار الديني الصهيوني. ويبدو أن ما شجع الحاخامية العسكرية على موقفها هو حصولها على تأييد تام من الحاخامات العليا في إسرائيل، التي اعتبرت طلب الحاخام العسكري للجيش شرعياً، خصوصاً أن الأوامر الجديدة لرئيس الأركان أقرت بحق الجنود المتدينين باعتزال التدريبات في الوحدات المختلطة، في حال كان هناك شك أو خوف من الاحتكاك الجسدي بين الجنود والمجندات، وبالتالي حق الجندي المتدين أن يرفض أي تدريب تقوده مجندة.