لم يكن لينقلب مجلس النواب المصري على حكومة رئيس الوزراء الحالي، شريف إسماعيل، دون أن يتلقى ضوءاً أخضر من النظام الحاكم، ودائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستخباراتية، للإطاحة بها واستبدالها، بعد أن أحرقتها الأزمات المتتالية، وهو ما ظهر جلياً في الهجوم الأخير على وزرائها من الأذرع الإعلامية للنظام.
وبدا واضحاً أن أشهر العسل بين برلمان السيسي وحكومته قد أوشكت على الانتهاء، بعد أن ضجت قاعة البرلمان، الإثنين، بمطالبات عدد كبير من النواب بسرعة التحرك في إجراءات سحب الثقة من الحكومة، أثناء مناقشة بيانات عاجلة عن ارتفاع الأسعار، ونقص السلع الأساسية في الأسواق.
وكانت حالة من الغضب قد انتابت أعضاء المجلس النيابي، بسبب تجاهل رئيس الحكومة ووزرائه حضور جلسته الخاصة بمناقشة طلبات الإحاطة المقدمة من النواب عن أزمة الدولار، وموجة الغلاء التي تضرب البلاد، ونقص السلع المهمة مثل السكر والأرز.
وأعلن النائب مصطفى بكري، المقرب من الدوائر الأمنية والاستخباراتية، عن جمع توقيعات 165 نائباً على طلب لسحب الثقة من الحكومة، قائلاً أمام المجلس: "أيدينا أصبحت مرتعشة، ومصر تضيع منا".
وكعادته، دافع رئيس البرلمان، علي عبد العال، عن حكومة الرئيس، قائلاً إن "أسهل شيء هو سحب الثقة من الحكومة، والأولى أن نركز على إجبارها على تغيير السياسات، مع الالتزام بأحكام الدستور واللائحة بشأن إجراءات تقديم الاستجوابات، وسحب الثقة من الحكومة".
إلا أن رئيس ائتلاف الأغلبية (دعم مصر)، محمد السويدي، هاجم سياسات الحكومة الاقتصادية، قائلاً إن هناك إجراءات كان يُمكن للحكومة اتخاذها لتجنب التداعيات السلبية بسبب سياساتها النقدية.
وأضاف السويدي "لا أسامح نفسي كنائب على الموافقة بدور الانعقاد الأول على تغليظ العقوبة على شركات الصرافة، قبل أن نستمع إلى رؤية البنك المركزي بشأن كيفية تدبير الدولار"، مشيراً إلى أن عدم تحديد سعر العملة في السوق الموازي، يُعرض الشركات إلى دفع ضرائب إضافية على فرق السعر.
وكان نواب ائتلاف الأغلبية قد هاجموا زميلهم محمد أبو حامد، والذي قال إن الائتلاف لا يطالب بسحب الثقة من الحكومة، ليطلب عبد العال من السويدي توضيح موقف الائتلاف، ليقول الأخير إنه "رغم سوء الوضع الاقتصادي، إلا أن الائتلاف لن يتحرك في إجراءات سحب الثقة، وسيعمل على إعطائها فرصة أخيرة".
وقال أبو حامد "ماحدش يتكلم باسم الأغلبية، رئيس الائتلاف تحدث عن بعض المشكلات، ولم يتحدث من قريب أو من بعيد عن سحب الثقة، والبعض يستغل الموقف، ويقول إن الأغلبية مع سحب الثقة، وهذا غير صحيح"، ما دفع عدداً من أعضاء تكتل (25-30) إلى الاشتباك لفظياً معه.
إلا أن القيادي في الائتلاف، محمد علي يوسف، قد قال إن الأوضاع خطيرة، ولا يجوز الصمت، خاصة في ما يتعلق بارتفاع الأسعار، فيما أشار زميله، وحيد قرقر، إلى وجود ضرورة حتمية في سحب الثقة من الحكومة بالكامل، مطالباً رئيسها بالاستقالة بسبب العجز الكبير لحكومته في التصدي للأزمات، واتفق معهما خالد هلالي، قائلاً: "لن أسامح نفسي على إعطاء ثقتي لهذه الحكومة الفاشلة".
ودعا النائب مصطفى كمال إلى سرعة سحب الثقة من الحكومة، مؤكداً أنها تعمل ضد الأمن القومي، وتسعى إلى إثارة الشعب المصري ضد النظام الحاكم، فضلاً عن أنها فشلت في إنهاء أية أزمات، واستمرت في تصديرها، وأبرزها المتعلقة بارتفاع الأسعار.
سقوط الحكومة شعبياً
بدوره، اعتبر ممثل حزب "المصريين الأحرار"، علاء عابد، أن الحكومة، بحكم الشارع والبرلمان؛ ربما تكون قد سقطت مع اختبار السيول الأخير، ومن قبله أزمات الزيت والسكر، بالإضافة إلى "الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، الذي قارب الـ20 جنيهاً"، محرضاً النواب على الإسراع في إجراءات سحب الثقة من الحكومة.
وأضاف عابد أن "الحكومة ماتت إكلينيكياً، ولا يستطيع، كائناً من كان، إعادتها للحياة مرة أخرى، ويجب أن يظل البرلمان منعقداً لحين اتخاذ قراره بسحب الثقة من الحكومة أو طرحها مرة أخرى".
فيما أكد ممثل كتلة "حزب الوفد"، بهاء الدين أبو شقة، أن هناك فشلاً واضحاً في أداء الحكومة، ويتفاقم مع الوقت، خاصة مع استمرار السياسة الاقتصادية، والتي تلقي بظلالها على محدودي الدخل، متابعاً: "الغضب الشعبي لا ينال من الحكومة وحدها، ولكن يُصيب البرلمان أيضاً، وإن لم يكن رئيس الوزراء قادراً على مواجهة الأزمات، فليرحل".
ودعا ممثل حزب "الحركة الوطنية"، محمد البدراوي، إلى سرعة امتثال وزراء المجموعة الاقتصادية أمام البرلمان، للرد على ما أعلنه البنك المركزي، قبل يومين، من أن إجمالى الدين الخارجي بلغ 55 مليار جنيه، فضلاً عن وصول الدين الداخلي إلى 2600 مليار جنيه، بنسبة تصل إلى 110% من الناتج المحلي.
وأوضح البدراوي أن "الحكومة ذكرت في بيانها أمام المجلس أن إجمالي الدين الخارجي والداخلي يمثل 97% من الناتج المحلي، ما يعني أنها كذبت على البرلمان، ويجب أن تقدم استقالتها فوراً. بالأمس غرق الشعب في السيول، وغداً سيغرق في الديون".