تجددت المخاوف من احتمال حصول عمليات تهجير واسعة و"متعمدة" في شمال مدينة الرقة، مع بدء حركة نزوح كبيرة إثر وقوع مجازر عدة، بحق مدنيين ارتكبها طيران التحالف الدولي، المساند لقوات كردية تخوض معارك مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، آخرها مجزرة، يوم الثلاثاء، التي قُتل فيها أكثر من 25 مدنياً بينهم أطفال، ونساء.
في هذا السياق، أكد ناشطون محليون أن "قرى ريف الرقة الشمالي تشهد عمليات نزوح جماعية"، مشيرين إلى أن "السبل بدأت تتقطّع بآلاف المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في مرمى النيران، في غياب أي خطط واقعية لكيفية اجلائهم، ونقلهم إلى أماكن آمنة". وذكر أحد أعضاء "تجمّع شباب تل أبيض" في شمال الرقة، أن "نحو تسعة آلاف مدني نزحوا خلال يومين من قرية الهيشة وقرى أخرى"، لافتاً إلى أنهم "يفترشون الأرض بالقرب من بلدة عين عيسى، بعد أن رفضت قوات "سورية الديمقراطية" السماح لهم بدخول مناطق نفوذها في تل أبيض".
وأكد المصدر أن "أوضاع هؤلاء النازحين مأساوية"، محذّراً من تكرار المجازر بحق مدنيين في حال تقدم "سورية الديمقراطية" أكثر باتجاه قرى وبلدات أخرى أكبر من قرية الهيشة. ولفت إلى أن "قرى الجالطة، وخنيز، وتل السمن، تشهد حركة نزوح بسبب قذائف مدفعية قوات سورية الديمقراطية".
وكان طيران التحالف الدولي قد ارتكب مجزرة مروعة بحق مدنيين في الهيشة، قُتل فيها أكثر من 25 مدنياً بينهم أطفال، ونساء، وثق ناشطون محليون أسماءهم. كما نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي صور بعضهم. وسبق هذه المجزرة قيام طيران التحالف باستهداف سيارات تقلّ مدنيين في شمال الرقة، يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتلهم.
وذكر ناشطون في بيان أن "طائرة حربية تابعة للتحالف، كانت تحلّق على ارتفاع منخفض، استهدفت سيارة مدنية بالقرب من قرية الحيوي عبر النيران الرشاشة. ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص من أهالي قرية خنيز، كانوا عائدين إلى قريتهم بعد تقديم واجب العزاء بقريبهم في قرية لقطة".
كما قُتل مدنيون، الخميس الماضي، إثر استهداف طائرة لسيارة على الطريق العام الرابط بين الرقة وتل أبيض. وأوضح ناشطون أنه "تمّ استهداف مدنيين بينهم أطفال ونساء، وفي مناطق برية مكشوفة، بعيدة عن أي مناطق اشتباكات". ما عزز المخاوف من وقوع المزيد من الضحايا المدنيين في المعركة المفترضة لانتزاع الرقة من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وطالب الناشطون من قوات التحالف الدولي "وقف استهداف المدنيين في محافظة الرقة وفي كل المناطق الأخرى، وفتح تحقيق بحوادث الاستهداف المتعمد للمدنيين، ومحاسبة كل من تثبت مسؤوليته". واعترف المتحدث باسم التحالف، الكولونيل جون دوريان، لوكالة "فرانس برس"، يوم الأربعاء، أن "طيران التحالف نفّذ ضربات في منطقة الهيشة"، لكنه أكد الحاجة إلى "مزيد من المعلومات الدقيقة لتحديد المسؤوليات بشكل قاطع".
وأوضح أن "التحالف يأخذ كل المزاعم حول سقوط مدنيين على محمل الجد، وسيواصل التحقيق لتحديد الوقائع بناء على المعلومات المتوفرة". وأضاف أن "التحالف يبذل جهوداً استثنائية لتحديد وضرب الأهداف المناسبة لتجنب سقوط ضحايا من غير المقاتلين".
بدوره، اعتبر الناشط الحقوقي أنور الكطاف، أن "ما يجري في شمال الرقة محاولة لتهجير أكبر عدد ممكن من سكان المنطقة، واللعب بتركيبتها الديمغرافية لصالح مشروع إنشاء إقليم كردي في شمال، وشمال شرقي سورية".
وذكر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أغلب القوى السياسية والعسكرية والأهلية في محافظة الرقة، ترفض بالمطلق تسليم عملية انتزاع الرقة من يد داعش لمليشيا الوحدات الكردية". وحذّر الكطاف، وهو من أبناء ريف الرقة الشمالي، من أن "محاولات تهجير أبناء المنطقة سيؤدي إلى زيادة الاحتقان، ويفخخ العلاقة المتميزة التي تربط العرب والأكراد في شمال سورية". ورأى أن "ذلك يصبّ في صالح مشروع انفصالي يحاول حزب "الاتحاد الديمقراطي"، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني تكريسه. وهو ما ترفضه القوى الوطنية السورية عربية، وكردية".
وسبق لطيران التحالف الدولي، ارتكاب مجازر مروعة بحق مدنيين سوريين في شمال سورية، محمّلاً مليشيات الوحدات الكردية مسؤولية اعطائه إحداثيات غير صحيحة. وكان قد قُتل في مطلع شهر مايو/أيار من العام الماضي نحو مائة مدني بينهم أطفال، ونساء، في قرية بير محلي بالقرب من بلدة صرين في ريف مدينة منبج شمال شرقي حلب، بغارات طيران التحالف الدولي.
وسيطرت الوحدات الكردية على بلدة صرين بعد نحو ثلاثة أشهر على المجزرة، وقامت بعمليات تهجير واسعة، وفق شهادات عدد من السكان نشرتها وسائل الإعلام في حينه. كما ارتكب طيران التحالف الدولي أواخر يوليو/تموز الماضي مجزرة في قرية الغندورة بالقرب من منبج قتل وأصيب فيها عشرات المدنيين.
وسبقتها مجزرة مروعة في قرية التوخار شمال مدينة منبج، بعد مقتل نحو 150 مدنياً، وفق ناشطين محليين، في القرية في 19 يوليو الماضي، بقصف من طيران التحالف الذي ارتكب مجازر أخرى داخل منبج، إبان الحملة العسكرية التي قامت بها مليشيا الوحدات الكردية، بدعم من التحالف الدولي لانتزاع السيطرة عليها من "داعش".
ولم تصدر بعد، نتائج تحقيقات تعد وزارة الدفاع الأميركية بإجرائها عقب كل مجزرة تُرتكب بحق المدنيين. ما يدحض الادعاءات المتلاحقة عن حرص التحالف الدولي على عدم استهداف مدنيين في ضرباته الجوية لـ"داعش".
مع العلم أن "قوات سورية الديمقراطية" تُعتبر ذراع التحالف الدولي على الأرض، و"الشريك المفضّل" لمحاربة "داعش". وهو ما يجنبها المساءلة القانونية الدولية عن عمليات تهجير، وجرائم تُرتكب بحق مدنيين في مناطق سيطرتها في شمال، وشمال شرقي سورية.
وكانت "قوات سورية الديمقراطية" التي يشكّل مقاتلون أكراد عمادها، قد أطلقت، السبت الماضي، عملية حملت اسم "غضب الفرات" بدعم من التحالف، لـ "عزل الرقة" التي يسيطر عليها "داعش"، في خطوة تسبق محاولات انتزاع السيطرة عليها.
وسيطرت هذه القوات على عدد من القرى منذ بدء العملية متسببة بعمليات نزوح كبيرة زادت من وتيرتها مجزرة الثلاثاء، التي عززت مخاوف من تكرار عمليات التهجير والتطهير العرقي التي قامت بها مليشيا الوحدات إثر سيطرتها على منطقة تل أبيض منتصف العام الماضي. واتهمت منظمة العفو الدولية، أواخر العام الفائت، مليشيا الوحدات الكردية بالقيام بعمليات تهجير، وهدم منازل، وارتكاب انتهاكات واسعة بحق سكان المنطقة من عرب وتركمان.