يرفع النظام السوري بدعم من روسيا وتيرة الحملة على حلب ومناطق أخرى في محاولة تركيع المعارضة السورية، بعد فشلهما في إجبار مقاتلي المعارضة على الخروج من حلب خلال الفترة السابقة، في وقت أقر مجلس النواب الأميركي قانون "حماية المدنيين في سورية" أو ما يعرف بقانون "سيزر" الذي يتضمن معاقبة النظام السوري وداعميه، إيران وروسيا، وهي خطوة، رأى مراقبون أنها قد ترسم الطريق للإدارة الأميركية الجديدة بشأن سبل التعامل مع الصراع السوري. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الأربعاء، أن قوات النظام السوري بدأت "هجوماً على مواقع الإرهابيين في حلب، وهي تتقدّم على محور الجنوب الغربي، حيث حررت عدداً من الأحياء المهمة". وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، في تصريح صحافي، إن قوات النظام "تمكّنت من بسط سيطرتها على بلدة منيان، بالإضافة إلى تحرير مناطق 1070 شقة وأكاديمية الأسد، وحرمت هذه التطورات المسلحين من أي فرص لاقتحام حلب من اتجاه الجنوب الغربي". وأضاف أن الطائرات الروسية لا توجّه أي ضربات إلى حلب منذ 29 يوماً.
وأكد الناشطون أن كثافة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على الأحياء المحاصرة يعيق وصول فرق الدفاع المدني والإسعاف للأماكن المستهدفة، للكشف عن حجم الخسائر. كما قصفت الطائرات الروسية بالقنابل العنقودية والصواريخ الفراغية والصواريخ المظلية مدينة عندان وبلدتي حيان ومعارة الأرتيق في ريف حلب الشمالي. من جهتها، قالت فصائل المعارضة إنها استهدفت معامل الدفاع والبحوث العلمية قرب مدينة السفيرة جنوب شرق حلب بـ40 صاروخ غراد. كما تدور اشتباكات، منذ فجر أمس، بين مقاتلين من "جيش الفتح"، وقوات النظام والمليشيات المساندة لها، على جبهة حي سليمان الحلبي خلال محاولة الأخيرة اقتحام الحي.
ويأتي استئناف قصف أحياء حلب الشرقية المحاصرة، في ظل عجز روسي عن دفع فصائل المعارضة الموجودة في شرقي حلب على مغادرتها باتجاه مدينة إدلب. ويعيش أكثر من 275 ألف مدني في شرق حلب المحاصر في ظروف إنسانية سيئة، جراء نقص المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى استهدافهم المتواصل بالقصف. وطاولت حملة القصف مناطق أخرى في سورية أيضاً، إذ قُتل طفلان وجُرح آخرون جراء استهداف طائرات النظام بلدة الهبيط في ريف إدلب. كما قُتل طفل وجرح سبعة ليل الثلاثاء - الأربعاء، جراء قصف ليلي شنّته طائرات حربية روسية بالقنابل العنقودية على قرية الكفير، فيما تعرضت مدينة جسر الشغور لقصف روسي مماثل بالعنقودي، أدى لإصابة أربعة مدنيين بينهم طفلان. وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت، إنها استخدمت للمرة الأولى حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" في قصفها للمناطق الخارجة على سيطرة قوات النظام في سورية، قائلة، إن الجيش الروسي بدأ عملية واسعة النطاق تهدف إلى ضرب مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام" في محافظتي إدلب وحمص.
وفي تعليقه على هذه الحملة الروسية، قال العضو السابق في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري عقاب يحيى، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة تبدد ما أشيع سابقاً عن وجود تفاهم تركي روسي يقضي بنوع من التهدئة، وإن حلب ستكون خارج ما يُعرف بالدولة المفيدة والنفوذ الروسي. وأضاف أن التصعيد والتصريحات الروسية يشيران إلى نية واضحة للسيطرة على حلب بالكامل، معتبراً أن ميزان القوى الحالي ليس لصالح الجيش الحر لاعتبارات مختلفة.
وأكد يحيى أنه على الرغم من عدم قدرة الطيران على الحسم، "إلا أن شدة القصف ونوعية الأسلحة المستخدمة ودقة التصويب تدعو إلى التفكير الجدي في مدى قدرة المقاتلين على الصمود الطويل". ولفت إلى أن "استهداف البنية التحتية من مستشفيات ومدارس وغيرها ليس عفوياً بل يرتبط بتحقيق الهدف الرئيس، كما أن استهداف المدنيين لا يتم بالخطأ وإنما بقصد دفع الناس إلى الهجرة والانفكاك عن الثورة".
تصعيد النظام وروسيا في سورية، تزامن مع مصادقة مجلس النواب الأميركي على مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على نظام بشار الأسد، وداعميه، كان البيت الأبيض قد مارس في السابق ضغوطاً على النواب الديمقراطيين من أجل منع تمريره. وقال بيان صدر عن مكتب رئيس مجلس النواب الأميركي، بول راين، بعد التصويت على القرار الجديد، إن "نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدركون أهمية عزل نظام بشار الأسد بسبب جرائمه المستمرة ضد الشعب السوري". وأعرب عن سروره لتوقف البيت الأبيض عن ممارسة الضغوط من أجل تجميد العقوبات.
وحسب موقع الكونغرس، فإن القانون سيفرض عقوبات جديدة على منتهكي حقوق الإنسان في سورية ومن يساعدون النظام على ارتكاب الخروقات، ويهدف إلى "وقف المذبحة الجماعية التي يتعرض لها الشعب السوري، والتشجيع على حل سياسي، ومحاسبة من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية". ويشمل التشريع إصدار حزمة عقوبات اقتصادية وقضائية على النظام وحكومته لارتكابهم جرائم وانتهاكات بحق السوريين. وتمت دراسة القرار أواسط شهر يوليو/تموز الماضي، حين بدأت مناقشات تحت اسم قانون "سيزر لحماية المدنيين في سورية".
ووفق وكالة "رويترز" فقد أمهل القانون الرئيس الأميركي مدة 90 يوماً لاقتراح آلية منطقة حظر جوي في سورية، وفي حال تجاوز المدة ستقوم لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكونغرس بتقديم المقترح للرئيس بشكل مباشر. وكان الكونغرس قد عرقل في سبتمبر/أيلول الماضي، مشروع إقرار القانون، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في حينه أن البيت الأبيض عمل من خلف الكواليس لمنع التصويت على القانون.
وبعد إقرار القانون في مجلس النواب، يتوجب أن يمر في مجلس الشيوخ، وهذا متوقع لأن للحزب الجمهوري أغلبية في هذا المجلس، لكن حتى يكون القانون نافذاً يجب أن يوقّعه أيضاً الرئيس، باراك اوباما، الذي لم يتبق له في السلطة سوى نحو شهرين فقط، وهو ما قد يعني ترحيل القضية إلى الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. وفي سياق متصل، صوّت مجلس النواب الأميركي، بأغلبية مطلقة لصالح تمديد العمل بقانون العقوبات ضد إيران لمدة عشر سنوات. ورأى مراقبون أنه حتى لو امتنع أوباما عن توقيع القانونين، فإنهما يمثّلان رسالة واضحة للرئيس الجديد بأن الكونغرس مصمم على القيام بدور في السياسة الخارجية الأميركية، وأنه من الضروري اتخاذ سياسة حازمة ضد النظام السوري وروسيا وإيران خلافاً للسياسات الرخوة التي تبنتها إدارة أوباما طيلة السنوات الست الماضية.
في السياق، دانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إليزابيث ترودو، "استئناف الغارات الجوية في سورية من الروس والنظام السوري". وأضافت أن "آخر هذه الهجمات استهدف خمسة مستشفيات وعيادة نقالة في سورية. في اعتقادنا هذا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي".