وقد وزّعت روسيا وقوات النظام السوري الأدوار بينهما، في إطار الحرب الدامية على مدينة حلب، وفيما تولى النظام دك الأحياء الشرقية المحاصرة من المدينة بالطائرات والمدفعية والصواريخ، ركزت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على ريف حلب ومحافظة إدلب، وسط تأكيد مصادر النظام بأن هذا القصف المكثف، هو مقدمة لاقتحام المدينة بذريعة "إنقاذ الأهالي" من سيطرة المسلحين الذين يرغمونهم على البقاء في المدينة. وهي رواية للاستهلاك الإعلامي، إذ رفض أهالي حلب الشرقية سابقاً الخروج من المدينة عبر مزاعم "الممرات الإنسانية". في المقابل، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الخميس، أن "وزير الخارجية سيرغي لافروف سيلتقي نظيره الأميركي جون كيري في البيرو هذا الأسبوع لبحث ملفي سورية وأوكرانيا"، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، المقررة، يومي غد السبت وبعد غد الأحد.
ميدانياً، ارتفعت حصيلة الضحايا في حلب وريفها الغربي إلى أكثر من 100 قتيل في يومين، بعد تجدد القصف الجوي من الطيران الحربي التابع للنظام وحليفته الروسية. وذكر المتحدث باسم الدفاع المدني السوري في حلب، ابراهيم أبو الليث، لـ"العربي الجديد"، أن "حصيلة القصف الجوي على الأحياء الشرقية من مدينة حلب وبلدات في ريفها الغربي، بلغت 46 قتيلاً إضافة لأعداد كبيرة من الجرحى بينهم حالات خطرة". وأضاف أن "الحصيلة ارتفعت بعد انتشال ضحايا من تحت الأنقاض وتجدد القصف على أحياء الشيخ الفارس، والمعادي، وبستان الباشا، والفردوس، والصاخو، والأنصاري، وقضى كثر بقصف على بلدتي أورم الكبرى وقبتان الجبل في ريف حلب الغربي". وكان طيران النظام قد شنّ أكثر من 60 غارة بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية.
وأوضح "مركز حلب الإعلامي" أن "قوات النظام قصفت حي مساكن هنانو وحده بأكثر من 150 قذيفة، والذي تعرّض أيضاً لغارات من الطيران الحربي بالقنابل العنقودية، فيما سقط قتلى وجرحى جراء استهداف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة حي الهلك".
كما أفاد ناشطون بأن "طائرات حربية روسية شنّت غارات بالصواريخ المظلية على حي الصالحين، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وجرح أكثر من 12 آخرين، بينما قُتل مدنيان وجرح 11 آخرون جراء غارة بالصواريخ لسلاح الجو الروسي على حي الشعار، في حين استهدف الطيران المروحي ببرميل متفجر محطة المياه الواقعة في باب النيرب شرق حلب".
كما قُتل خمسة مدنيين وأصيب آخرون، جراء قصف من الطيران الروسي على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي بالصواريخ الفراغية. وطاولت الغارات الروسية منطقة آسيا في الريف الشمالي، فيما قصفت قوات النظام بصاروخي "أرض - أرض" مدينة عندان في ريف حلب الشمالي، التي تعرضت أيضاً لغارات جوية بالصواريخ. كما سقط جرحى جراء استهداف الطيران الحربي بالقنابل الارتجاجية، بلدة معارة الأرتيق في ريف حلب الشمالي.
بدوره، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "عشرة أشخاص على الأقل قُتلوا وأصيب عشرات آخرون، أمس، في انفجار سيارة ملغومة استهدفت مبنى تستخدمه جماعة معارضة في بلدة أعزاز، شمال سورية، قرب الحدود التركية". وقال ياسر اليوسف من المكتب السياسي لجماعة كتائب نور الدين الزنكي المسلحة، التي تسيطر على المبنى، إن "عدد القتلى بلغ 25 شخصاً". وذكر المرصد أن "السيارة الملغومة استهدفت مقراً أمنياً تابعاً للجماعة".
من جانبها، أكدّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حسابها في موقع "تويتر"، أن "مئات المدنيين قتلوا وجرحوا، معظمهم أطفال، جراء القصف على حلب، في ظل نقص حاد بالمعدات الطبية والمواد الغذائية والمحروقات". وأضافت أن "أكثر من ثمانية آلاف شخص، اضطروا إلى الفرار من حلب خلال الأسبوعين الماضيين، بينما نزح آخرون من الريف الغربي ليعيشوا في العراء ومراكز إيواء"، مشيرةً إلى "استهداف أربع مستشفيات خلال 24 ساعة".
ويأتي كل هذا التصعيد على مناطق حلب، بالتزامن مع تهديدٍ من قبل النظام وروسيا، باقتراب فتح معركة حاسمة ضد المعارضة السورية في حلب، بينما ذكرت قناة "روسيا اليوم"، أن طائرات سوخوي ــ 33، واصلت الإقلاع من حاملة الطائرات الروسية، الأميرال كوزنيتسوف، في البحر المتوسط، لقصف إدلب وحمص، التي تعرضت أيضاً لصواريخ كروز أطلقت من المتوسط.
بدورها، أفادت صحيفة "الوطن" السورية، الموالية للنظام، بأن "القصف الحالي على حلب، يمهّد الطريق أمام الجيش العربي السوري لعملية عسكرية قد تقوده إلى داخل أحياء في شرقي حلب، في الوقت الذي قطع فيه مسلحو تلك الأحياء خطوط العودة عن قرارهم بالتشبث فيها، عبر تفخيخ الطرقات المؤدية إلى الممرات الإنسانية التي حجز مدنيو الأحياء بعيداً عنها، ونالوا حظهم وافراً من إجرام المسلحين".
وبعد أن ادّعت الصحيفة بأن "قوات النظام تمكنت خلال المعارك الأخيرة من إحراز تقدم على العديد من جبهات حلب، وتوغلت في بعض أحيائها التي باتت شبه ساقطة" بحسب الصحيفة، التي كررت مزاعم وزارة الدفاع الروسية، بأن "فصائل المعارضة في المدينة، قتلت أكثر من 27 مدنياً خلال تفريقها احتجاجات في بعض أحياء حلب الشرقية".
غير أن المحلل العسكري والاستراتيجي، أحمد رحال، نفى هذه الادّعاءات، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "تلك التظاهرات خرجت في الأيام الأخيرة بالدرجة الأولى ضد جرائم روسيا والنظام وحصارهم للمدينة، وبالدرجة الثانية ضد غلاء الأسعار واحتكار المواد الغذائية في المدينة، لكن لم يقع خلالها أي ضحايا".
وحول إمكانية اقتحام المدينة من جانب قوات النظام، قال رحال إن "قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، جربت مراراً اقتحام المدينة خلال الأشهر الماضية، لكنها أخفقت في ذلك". وأكد أن "أية محاولة جديدة لهم ستكون ذات تكلفة عالية جداً، لأن مقاتلي المعارضة متمترسون في مواقعهم، ولهم خبرة كبيرة في حرب المدن".
واستدرك قائلاً إن "قوات النظام لن تستطيع دخول الأحياء الشرقية إذا اعتمدت القتال العسكري المعتاد، لكن ما يخشى منه هو أن تلجأ إلى سياسة التدمير الكلي للمدينة، وسياسة الإبادة الشاملة، ما يعني سقوط مئات وآلاف الضحايا من المدنيين، وهذا سيكون برسم المجتمع الدولي".
وخلافا لادعاءات موسكو، التي تتحدث عن عدم مشاركة الطيران الروسي في الحملة، أكد رحال بأن "الطائرات الروسية تشارك بكثافة في قصف الأحياء الشرقية من المدينة، وتسقط أنواعاً من القذائف عليها لا يملكها النظام السوري، مثل قنابل الضغط والقنابل بالمظلات التي تحملها فقط طائرات سو 27، وسو 34، الموجودتان لدى روسيا فقط".
وفي شأن العرض العسكري الأخير لحزب الله في منطقة القصير السورية، الأسبوع الماضي، طالب رئيس الائتلاف الوطني السوري، أنس العبدة، أمس، المجتمع الدولي، بـ"إدانة أممية واضحة لتدخل حزب الله في سورية، بعد العرض العسكري في القصير". وأضاف، في مؤتمر صحافي في إسطنبول، أن "الجهة التي يجب أن تكون أساسية في تحرير الرقة هي الجيش السوري الحر، الذي حرر هذه المحافظة من نظام الأسد، لا قوات سورية الديمقراطية، التي يقوم عناصرها بإعطاء إحداثيات مناطق مدنية للتحالف ليقوم بقصفها".