لجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأربعاء، إلى أكثر المناورات البرلمانية قدماً في اللعبة السياسية، عندما قرر، عبر الكابينت السياسي والأمني، تأجيل التصويت على قانون تسوية المستوطنات، الذي يهدف إلى شرعنة البناء الاستيطاني على قطع أرض خاصة يملكها فلسطينيون من قرى الطيبة وعين يبرود وسلواد، أقيمت عليها مستوطنة عمونا. ويعكس لجوء نتنياهو إلى هذه المناورة، عمق الأزمة التي يواجهها، بفعل التنافس الشديد والمعركة داخل اليمين الإسرائيلي على قيادة اليمين، وعلى هوية الجهة الراعية للاستيطان في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلتين، إن كان على أراضٍ نهبتها إسرائيل وادعت أنها أراضي دولة، أو أراضٍ ذات ملكية خاصة، سيطر عليها مستوطنون بقوة السلاح، تحت سمع وبصر وحماية حكومة الاحتلال وجيشه.
وتكمن أزمة نتنياهو في أمرين: الأول التحذير الرسمي القضائي الذي أصدره المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، ومفاده بأن إقرار قانون تسوية المستوطنات، ما يحول دون تنفيذ قرار هدم وإزالة البيوت الثمانية في مستوطنة عمونا، يعني إمكانية اتهام المسؤولين في إسرائيل، من قيادة سياسية على رأسها نتنياهو نفسه، وقيادات عسكرية، أقلها قائد المنطقة الوسطى لجيش الاحتلال، بارتكاب جرائم حرب، وبالتالي تقديم دعاوى قضائية ضدهم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. أما الأمر الثاني، أو المركب الثاني لأزمة نتنياهو، فهو أن مزايدة وزراء في حزب الليكود في مسألة مستوطنة عمونا ورفض تنفيذ قرار هدمها، اضطر زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، لتصعيد مواقفه أيضاً، وتحويل مسألة عمونا إلى مسألة تهدد بقاء الحكومة الحالية، مع تصوير نتنياهو أمام جمهور المستوطنين، وخاصة الآلاف المسجلين في حزب الليكود، كمن نقض وعوده وتخلى عن المستوطنين تماماً، كما حدث مع سابقه أرييل شارون بعد تطبيق الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وإخلاء مستوطنة عمونا الأولى في العام 2006.
ويحاول نتنياهو، من خلال تأجيل التصويت إلى الأسبوع المقبل، كسب بعض الوقت، على أمل أن يأتي المستشارون القضائيون في الحكومة بحل قانوني، يبقي على مستوطنة عمونا، أو ينقل منازلها المتنقلة أصلاً إلى أرض فلسطينية مجاورة، يصنفها الاحتلال على أنها أرض متروكة، لأنه لا يمكن أن يتم تطبيق قانون "أملاك الغائبين عليها" لكونها تقع داخل الضفة الغربية التي تسري عليها الأنظمة والأوامر العسكرية. ووفقاً للتعريفات القضائية الإسرائيلية فإنه في الوقت الذي لا يستطيع الورثة والأقرباء في حالة المواطنين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، أن يرثوا أو يدّعوا حقهم في ملكية العقارات التي صُنّفت على أنها "أملاك غائبين"، فإن هذه الأحكام لا تنطبق في حالة الأراضي الفلسطينية التي نزح أصحابها عنها خلال حرب حزيران 67، إذ إن بمقدور أقربائهم المطالبة بنقل ملكيتها لهم. وكان هذا الفارق هو السبب الذي جعل المستشار القضائي للحكومة يقترح جواز نقل بيوت مستوطنة عمونا إلى أرض فلسطينية متروكة تقع شمالي تلة مستوطنة عمونا، على أن يكون ذلك لفترة مؤقتة لا تتجاوز الثمانية أشهر. وحتى هذه التسوية التي طرحها مندلبليت، قوبلت بالرفض من قبل حزب البيت اليهودي، بقيادة نفتالي بينت، وجمهور المستوطنين، لأنها اشترطت عدم مواصلة تشريع قانون تسوية المستوطنات. مع ذلك، وفي ظل هذه المعضلة، يبدو أن قرار نتنياهو تأجيل التصويت إلى الأسبوع المقبل، يهدف إلى بلورة تسوية جديدة، تقوم على تفاهمات ضمنية وغير معلنة، تعتمد على اتباع نهج فرض الوقائع على الأرض، وكسب الوقت مجدداً، بحيث يتم خلال الأسبوع المقبل تمرير قانون تسوية المستوطنات وشرعنتها وفق الصيغة التي لا تفرض القانون بأثر رجعي على بيوت عمونا، مقابل نقل بيوت المستوطنة بشكل مؤقت إلى القطع التي تدعي دولة الاحتلال أنها أملاك متروكة وفق توصيات المستشار القضائي للحكومة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة التزاماً بإخلاء هذه البيوت من موقعها الجديد بعد ثمانية أشهر، بل استغلال هذه الفترة لإيجاد حل جديد، وقد يتحول الحل المؤقت إلى دائم.
اقــرأ أيضاً
وفي هذا السياق، كان لافتاً تصريح بينت، ممثل تيار المستوطنين الذي يسعى لتكريس نفسه زعيماً لمعسكر اليمين ككل من خلال رعاية الاستيطان ودعمه، عندما أعلن، في مؤتمر سديروت الاقتصادي أمس، أنه لا توجد أي مشكلة أو خلل في أن تصادر الدولة أراضي بملكية خاصة لغرض الاستيطان، وهو تصريح يناقض كل مفهوم تشريع الاستيطان من قبل محكمة العدل العليا الإسرائيلية، التي حظرت في قرارها بشأن مستوطنة معاليه أدوميم استخدام ومصادرة الأراضي الخاصة لصالح إقامة المستوطنات، وأسست لنوع "قانوني" من المستوطنات، في حال أقيمت على أراضي دولة. ولا يمكن في هذا المجال أيضاً تجاهل ما ذهب إليه خبير الشؤون الحزبية في الإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، من أن بينت يسعى لتحقيق نصر برلماني على نتنياهو، يضطر الأخير للضغط على المستشار القضائي للحكومة لشرعنة البناء غير القانوني وإيجاد معادلات قضائية تتيح ذلك. وقد تقوم التسوية البرلمانية بين نتنياهو وحزب البيت اليهودي، على تمرير القانون بالقراءة الأولى فقط، من دون بند عمونا، ما يبقي المجال مفتوحاً، في مثل هذه الحالة، أمام بينت وحزبه، لترحيل القانون إلى الكنيست المقبل، وطرحه مجدداً للتصويت عليه، في حال كانت الظروف ملائمة أكثر لإسرائيل.
وتتيح هذه التسوية لنتنياهو أن يتجنب صدور قرار أو مبادرة من إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تدعم قرارات دولية ضد الاستيطان في مجلس الأمن الدولي، أو أن تمتنع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مقترحات لاستصدار قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان ويكرس حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. والمرجح في نهاية المطاف أن يتم اعتماد حل بهذه الروحية، ليس من أجل الإبقاء على المنازل القليلة في عمونا، وإنما لاستغلال الوقت لتسوية مصير أكثر من 2500 بيت في المستوطنات الإسرائيلية، يمكن أن يصدر بحقها أمر هدم قضائي لأنها قائمة على أراض فلسطينية خاصة.
وتكمن أزمة نتنياهو في أمرين: الأول التحذير الرسمي القضائي الذي أصدره المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، ومفاده بأن إقرار قانون تسوية المستوطنات، ما يحول دون تنفيذ قرار هدم وإزالة البيوت الثمانية في مستوطنة عمونا، يعني إمكانية اتهام المسؤولين في إسرائيل، من قيادة سياسية على رأسها نتنياهو نفسه، وقيادات عسكرية، أقلها قائد المنطقة الوسطى لجيش الاحتلال، بارتكاب جرائم حرب، وبالتالي تقديم دعاوى قضائية ضدهم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. أما الأمر الثاني، أو المركب الثاني لأزمة نتنياهو، فهو أن مزايدة وزراء في حزب الليكود في مسألة مستوطنة عمونا ورفض تنفيذ قرار هدمها، اضطر زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، لتصعيد مواقفه أيضاً، وتحويل مسألة عمونا إلى مسألة تهدد بقاء الحكومة الحالية، مع تصوير نتنياهو أمام جمهور المستوطنين، وخاصة الآلاف المسجلين في حزب الليكود، كمن نقض وعوده وتخلى عن المستوطنين تماماً، كما حدث مع سابقه أرييل شارون بعد تطبيق الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وإخلاء مستوطنة عمونا الأولى في العام 2006.
وفي هذا السياق، كان لافتاً تصريح بينت، ممثل تيار المستوطنين الذي يسعى لتكريس نفسه زعيماً لمعسكر اليمين ككل من خلال رعاية الاستيطان ودعمه، عندما أعلن، في مؤتمر سديروت الاقتصادي أمس، أنه لا توجد أي مشكلة أو خلل في أن تصادر الدولة أراضي بملكية خاصة لغرض الاستيطان، وهو تصريح يناقض كل مفهوم تشريع الاستيطان من قبل محكمة العدل العليا الإسرائيلية، التي حظرت في قرارها بشأن مستوطنة معاليه أدوميم استخدام ومصادرة الأراضي الخاصة لصالح إقامة المستوطنات، وأسست لنوع "قانوني" من المستوطنات، في حال أقيمت على أراضي دولة. ولا يمكن في هذا المجال أيضاً تجاهل ما ذهب إليه خبير الشؤون الحزبية في الإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، من أن بينت يسعى لتحقيق نصر برلماني على نتنياهو، يضطر الأخير للضغط على المستشار القضائي للحكومة لشرعنة البناء غير القانوني وإيجاد معادلات قضائية تتيح ذلك. وقد تقوم التسوية البرلمانية بين نتنياهو وحزب البيت اليهودي، على تمرير القانون بالقراءة الأولى فقط، من دون بند عمونا، ما يبقي المجال مفتوحاً، في مثل هذه الحالة، أمام بينت وحزبه، لترحيل القانون إلى الكنيست المقبل، وطرحه مجدداً للتصويت عليه، في حال كانت الظروف ملائمة أكثر لإسرائيل.