تسعى الجزائر إلى أداء دور في حلحلة الأزمة الليبية، من خلال التواصل مع أبرز القوى السياسية والعسكرية الفاعلة، والضغط عليها لتقديم تنازلات تمهد للتوصل إلى تسوية، لا سيما أن الجزائر تتمسك بضرورة إيجاد حل سياسي لا عسكريا للخلافات بين الأطراف الليبية، في ظل خشيتها من تداعيات ما يجري في ليبيا على دول الجوار.
وبعد أيام من استقبالها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ينتظر أن يزور رئيس حكومة الوفاق الليبية التابعة للمجلس الرئاسي، فائز السراج، الجزائر، خلال الأيام المقبلة، لبحث أفق حل الأزمة في ليبيا، خصوصاً مع تغيّر المعطيات على الأرض سياسياً وعسكرياً لصالح المجلس الرئاسي.
في غضون ذلك، كان لافتاً رفض السلطات الجزائرية استقبال حفتر بلباس عسكري، إذ أبلغته رغبتها في أن يُجري لقاءاته بالمسؤولين الجزائريين بلباس مدني. كما لم يستخدم البيان الرسمي الصادر عن رئاسة الحكومة الجزائرية بعد لقاء حفتر برئيس الوزراء عبد المالك سلال، أو حتى البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية عقب اجتماع اللواء مع مساعد وزير الخارجية عبد القادر مساهل، صفة قائد الجيش الليبي في تعريف حفتر.
وتعد هذه المعطيات مؤشراً على رفض الجزائر التعامل مع حفتر باعتباره "قائداً" للجيش الليبي، خصوصاً أنه لا يزال يرفض الدخول تحت وصاية المجلس الرئاسي الذي يعترف به المجتمع الدولي كأعلى هيئة تمثيلية لليبيا في الوقت الحالي، منذ اتفاق الصخيرات الموقّع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي نصر الدين حديد، أن "الجزائر تعاملت مع حفتر كطرف في المشهد الليبي". كما يلفت إلى أن "قيمة أي طرف ليبي في الجزائر لا ترتبط في من يكون، بل بما يمثله على الأرض". ووفقاً لحديد، فإن "الجزائر تدرك أن التعامل مع حفتر ممكن، لكن المراهنة عليه خسارة كبرى، والجزائر تحافظ على توازن دقيق بين الاعتراف فقط بالسلطات الرسميّة مقابل الانفتاح على جميع اللاعبين". كما يعتبر أن "سقوط الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات، بمضمونه الحالي، والتوجه إلى تعديله، بمثابة نصر للجزائر"، خصوصاً أن الأخيرة تسعى إلى تقديم نفسها في صورة الراعي الأفضل للحوار بين الأطراف الليبية. وتطالب أطراف ليبية عدة، منذ عام، بتعديل الاتفاق، وهو الأمر الذي أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، أنه بات يوجد توافق على القيام به.
يبقى أن توجُّه حفتر إلى الجزائر، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عودته إلى المشهد الليبي عبر الجيش الموالي لحكومة مجلس نواب طبرق في عام 2013، يحمل دلالات ذات بُعد سياسي ترتبط بتفاصيل الأزمة الليبية والتقاطعات الإقليمية المرتبطة بها.
وتشير بعض هذه الدلالات إلى أن حفتر، الذي يدرك مسبقاً موقف الجزائر إزاء الأزمة الليبية، فضلاً عن موقفها منه بوصفه كان سبباً رئيسياً للتدخلات الأجنبية في ليبيا عبر السماح بدور مصري وخليجي وتدخل عسكري غربي مباشر في ليبيا، لم يكن ليقبل التوجه إلى الجزائر لولا تغيّر المعطيات على الأرض. وأبرز هذه المعطيات نجاح قوات البنيان المرصوص، التي تتبع حكومة المجلس الرئاسي بقيادة السراج، في تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإعلان رئيس حكومة الوفاق بنفسه تحرير المدينة فيما كان حفتر يُمنّي النفس بأن يفعل ذلك بنفسه. ويضاف إلى ذلك، التوسع نحو منطقة الهلال النفطي من قبل قوات محسوبة على المجلس الرئاسي. وقد زادت هذه التطورات من شرعية المجلس الرئاسي سياسياً وعسكرياً، فضلاً عن شعور حفتر بضعف موقف النظام المصري الذي كان يمثل السند الرئيسي لحفتر وتوجهه لحل مشكلاته الداخلية المتعاظمة في الداخل. ويضاف إلى ذلك دخول النظام المصري في أزمة علاقات مع السعودية وبعض دول الخليج التي كانت تمثل سنداً سياسياً ومالياً لحفتر. وبالتالي، فإن الزيارة تعكس إقراراً من حفتر، الذي غيّر وجهته باتجاه روسيا، بالدور السياسي البارز والمؤثر للجزائر في حل سياسي للأزمة الليبية.
وبحسب المحلل السياسي التونسي المقيم في الجزائر، مقداد اسعاد، فإن "كل الذين انتقدوا مواقف الجزائر من الأزمة الليبية في الماضي، لا سيما في ما يتعلق بدعوتها إلى إشراك جميع الأطراف في أي حل، والابتعاد عن نهج الإقصاء، جاؤوا إليها وآخرهم حفتر". ووفقاً لاسعاد فإنه "كان لافتاً أن زيارة حفتر إلى الجزائر سبقها لقاء لأطراف الأزمة الليبية في مصر، استثني منه تيار الإخوان. والمعروف أن الخط الأساسي للجزائر هو إشراك هؤلاء". ويقدر اسعاد أن تكون الجزائر "نصحت حفتر بهذا التوجه، وعدم الانخراط في الموقف الإقصائي المتشدد إزاء أطراف فاعلة في المشهد الليبي، فضلاً عن عدم الأخذ بنصائح النظام المصري في هذا السياق".
في غضون ذلك، تشير معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" إلى أن زيارة حفتر إلى الجزائر تستهدف إقناعه بتقديم تنازلات لضمان نجاح مساع سياسية وإقليمية لحلحلة الأزمة في ليبيا. وفي السياق، كشف وزير الشؤون الخارجية التشادي، موسى فاكي محمد، في تصريح صحافي في الجزائر، على هامش مشاركته في اجتماع حول السلم في أفريقيا الذي عُقد قبل أيام، عن تحضيرات من طرف "لجنة رؤساء الدول" تجري لعقد اجتماع حول الأزمة الليبية يُعقد في ليبيا، يضم أطراف الأزمة، للتوصل إلى حلول توافقية على أساس الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة. وأكد الوزير التشادي، أن "لجنة رؤساء الدول الأفريقية الخمس، التي تمت المبادرة بإعلانها في 2011 للمساعدة على إيجاد الحلول للأزمة الليبية، ستزور ليبيا قريباً، للنظر في إمكانية جمع الأطراف الليبية في إطار المصالحة الوطنية، على أساس الاتفاق السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وذلك بهدف التوصل إلى حلول توافقية داخلية تضع حداً لهذه الأزمة، وترتكز على الحل السلمي والسياسي واستبعاد الحل العسكري.
وتتزامن هذه المبادرة السياسية مع مساعٍ لعقد قمة ثلاثية تجمع قادة كبرى الدول الجارة لتونس، والأكثر تأثيراً في الشأن الليبي، الجزائر ومصر وتونس، باقتراح من الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، الذي زار الجزائر، الخميس الماضي، والتقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وتشعر تونس بقلق بالغ، أكثر من الجزائر، من المخاطر الأمنية المتأتية من استمرار الأزمة في ليبيا، وتواجد التنظيمات المتشددة والتشكيلات المسلحة في المدن الليبية، لا سيما تلك القريبة من تونس. ويضاف إلى ذلك، أن تونس تقرّ بضعف قدراتها العسكرية والأمنية، وهو ما يدفعها إلى العمل مع الجارة الجزائر، باتجاه الدفع نحو حل الأزمة الليبية بشكل يساهم في تدعيم ركائز الدولة.