لم يتمكن بعض السياسيين ونواب مجلس الشعب في تونس، من نسيان سنوات القمع والانتهاكات التي طاولتهم في فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من الاعتقالات وسنوات السجن والتعذيب.
ذكريات استرجعها هؤلاء، وعاد شريط الأحداث أمامهم سريعا، وهم يستمعون إلى الشهادات العلنية لضحايا الانتهاكات التي عرضتها هيئة الحقيقة والكرامة بتونس، منذ حوالي يومين، والتي أصرّوا على مواكبتها رغم صعوبة الموقف.
ويقول الأمين العام لـ"حركة وفاء"، عبد الرؤوف العيادي، لـ"العربي الجديد" إنه "تأثر كثيرا بالشهادات التي استمع إليها"، مبينا أنّ "من يستمع إلى بعض الشهادات، ليس كمن عاش الانتهاكات والتعذيب وسنوات السجن".
وأضاف العيادي أنّ "المأساة كانت كبيرة، والجرح عميق جدا، ما جعلهم يعيشون هم وعائلاتهم معاناة قاسية، حتى ولو كان الموقف صعبا فإن الجرح في طريقه إلى الالتئام، بعد المسار الذي اتبعته تونس عن طريق العدالة الانتقالية، ولكن على الأطراف المسؤولة أن تعتذر، لأنه لم يكن لها أي موجب لارتكاب تلك الممارسات والجرائم".
وأوضح "أنه ضحية من ضحايا الاستبداد وأنه تعذب كثيرا، وفي حالات كثيرة فإنه يتماهى مع شعور الضحايا"، معتبرا أن "ذلك الإحساس لا يمكن أن يمحى أو يزول".
واعتبر العيادي، "أننا لسنا في مجتمعات يتمتع فيها الضحايا وعائلاتهم بإحاطة نفسية، أو يتابعهم أطباء مختصون، نظرا لغياب الإمكانات وثقافة العلاج، وبالتالي فإن الجرحى سيبقون جرحى، إلى أن تتغير الظروف وتتحقق العدالة الانتقالية".
من جهته، قال الوزير السابق والقيادي في "حركة النهضة"، سمير ديلو، إنّه "لا يمكن للسياسيين الذين مروا بالتعذيب واعتقلوا، أن ينسوا ولو للحظات تلك الفترة"، لافتاً أنه "قدم ملفا لهيئة الحقيقة والكرامة، دون فيه جملة وقعها باللون الأحمر، جاء فيها أن الهدف الوحيد من تقديمه هذا الملف، هو المساهمة في كشف الحقيقة".
وأضاف ديلو لـ"العربي الجديد" أنّ "تأثرهم بالشهادات المقدمة يعتبر طبيعياً جدا، أمام ما مرّوا به من تعذيب في فترة ما".
وأضاف أن "النقطة المشتركة بينهم وبين الشهادات المقدمة، هي التعالي على الجراح، والتركيز على مطلب رئيسي وهو كشف الحقيقة لكي لا يتكرر ما حصل".
وقال إنه تذكر من خلال الشهادات العلنية وتجارب الضحايا المقدمة زخم السنوات الماضية، وأن على التونسيين معرفة ما كان يحصل قبل الثورة من مشاكل اجتماعية واقتصادية، والصعوبات التي عرفها المسار السياسي في تلك الفترة، وأنه لا يمكن نسيان تاريخ طويل مرت به تونس.
في السياق نفسه، أكدت النائبة عن التيار الديمقراطي، سامية عبو، أن "هناك فرقا بين من لديه فكرة عن الانتهاكات التي حصلت في فترة الرئيس المخلوع بن علي، وبين من يعيش المشهد بتفاصيله وجزئياته وبشاعته".
وأضافت عبو لـ"العربي الجديد"، أن "الأشخاص الذين يرددون أنه لم تحصل ثورة في تونس، وأولئك الذين يحنّون إلى زمن بن علي، ومن يعتبرون أن المنظومة القديمة أفضل، كل هؤلاء عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وهم يستمعون إلى الشهادات العلنية للضحايا".
وأشارت إلى أنّ "ما مروا به وما قدمه الضحايا ورغم قساوته، إلا أنه سيجعل التونسيين يتمتعون بالثورة بشكل أفضل".