يبدو أنّ الاختلافات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، وخلفه المنتخب دونالد ترامب، لن تقتصر على السياسات، بل على ما تخفيه وجهات النظر وراءها، فبينما ينعت أوباما الاعتداءات التي يتبنّاها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بـ"الإرهاب"، لا يتوانى ترامب عن إلصاقها بالإسلام و"صراع الأديان".
هذه الاختلافات أبرزتها مواقف الرجلين حيال اعتداء برلين، إذ أودت واقعة الدهس بشاحنة في أحد أسواق عيد الميلاد وسط العاصمة الألمانية، مساء الإثنين، بحياة 12 شخصاً على الأقل، وإصابة 49 آخرين، بعضهم إصاباته خطيرة.
فبينما قدّم أوباما، أمس الثلاثاء، تعازيه للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لم ينتظر ترامب اتضاح ملابسات الاعتداء، ليعلن أنّه مؤشر إلى ما اعتبره "صراع ديانات على الصعيد العالمي".
وأشار بيان للبيت الأبيض، إلى أنّ أوباما الموجود حالياً في ولاية هاواي الأميركية مع أسرته، أجرى اتصالاً هاتفياً بميركل. وأضاف البيان، أنّ أوباما عرض على ميركل إمكانية تقديم بلاده مساعدات، فيما يخص التحقيقات الجارية بخصوص الواقعة.
وأعلن "داعش" مسؤوليته عن الاعتداء، وذكرت وكالة "أعماق" التابعة له، أنّ "منفذ عملية الدهس في مدينة برلين هو جندي تابع للدولة الإسلامية، ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي"، وألمانيا عضو في هذا التحالف بقيادة واشنطن.
وشدّد الرئيس الأميركي لميركل، خلال الاتصال الهاتفي، على أنّ "أيّاً من الهجمات لن تهزّ عزم الولايات المتحدة وألمانيا في مواجهتهما كل أنواع الإرهاب"، بحسب البيان.
وقبل حتى أن يتبنّى "داعش" الاعتداء، قال ترامب، في بيان، مساء الإثنين، "قتل مدنيون أبرياء في الشوارع فيما كانوا يستعدون للاحتفال بعيد الميلاد".
وأضاف أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية وغيره من الإرهابيين الإسلاميين يهاجمون باستمرار المسيحيين داخل مجتمعاتهم وأماكن صلاتهم في سياق جهادهم العالمي".
وبذلك خالف ترامب، نمط ردود فعل معظم القادة الغربيين على مثل هذه الاعتداءات، لكنّه بقي ملتزماً بالخط الذي اتبعه في حملته الانتخابية.
فهو استخلص استنتاجاته وأعلنها، قبل تبنّي "داعش" الاعتداء، وقبل أن تقدّم الشرطة الألمانية، أمس الثلاثاء، على إطلاق سراح طالب لجوء باكستاني موقوف لديها، بعدما تبيّن أنه غير ضالع في الاعتداء.
كما استخدم الرئيس المنتخب الخطاب نفسه للتنديد باغتيال السفير الروسي في تركيا، مساء الإثنين، متهماً "إرهابياً إسلامياً متطرّفاً" بإطلاق النار عليه. والتشديد بهذه الطريقة على ديانة المهاجمين المفترضة يعكس خياراً متعمّداً من قبل ترامب، لتمييز نفسه عن سياسة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما.
وإن كانت إدارة أوباما تحارب ما تصفه بـ"التطرّف العنيف"، إلا أنّه يشدّد على أنّ المتطرفين "لا يمثلون ديانة".
وذهب وزير خارجيته جون كيري، إلى حد وصف عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بـ"كفار" شوهوا رسالة هذه الديانة.
لكن قناعات ترامب ومستشاريه مختلفة، فهم يرون أنّه لا يمكن الانتصار على التطرّف إلا إذا تمّ التعريف عنه على أنّه "نابع من الإسلام".
ودعا رجل الأعمال الثري خلال حملته الانتخابية، إلى حظر جميع المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة "إلى أن يصبح بوسعنا فهم ما يجري".
وفي أغسطس/ آب الماضي، أكد مستشاره للأمن القومي الجنرال السابق مايكل فلين، أنّ الإسلام ليس ديانة بل "عقيدة سياسية"، وقال "لقد أعلنوا الحرب علينا، وحكومتنا لا تسمح لنا بالتكلم عن هذا العدو".
لكنّ هذا العسكري السابق الذي قاتل في العراق وأفغانستان، ليس الوحيد الذي يقدّم المشورة لترامب، بل إنّ الرئيس المنتخب يستمع أيضاً إلى ستيف بانون، أحد أقرب معاونيه ومستشاره المقبل في الشؤون الاستراتيجية، وهو يجسد رؤية قومية متجذّرة في اليمين المتطرف.
وكان بانون قبل انضمامه إلى حملة ترامب في أغسطس/ آب الماضي، يدير موقع "برايتبارت" الإعلامي الذي يعتبر منصة "لليمين البديل"، الحركة المرتبطة بالأفكار القومية، والتي تعتنق نظرية تفوّق "العرق الأبيض".
وكان بانون قد شارك عبر الفيديو عام 2014 في مؤتمر محافظ في الفاتيكان، وقال بحسب نص مداخلته الذي نشره موقع "بازفيد نيوز"، "إنّنا منخرطون بكل بساطة في حرب ضد الفاشية الجهادية الإسلامية، وهي الحرب تنتشر على حد اعتقادي بسرعة أكبر من قدرة الحكومات على التعامل معها".
ومع فوز دونالد ترامب بالرئاسة، ستدخل هذه الرؤية للعالم إلى البيت الأبيض، مع توليه مهامه رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.