ومضى أكثر من عام ونصف العام على المناشدات التي تطلقها العشائر ومسؤولون في المحافظات التي يسيطر عليها "داعش"، إلى الحكومة التي تجاهلت ذلك، وتركتهم من دون سلاح وعتاد، الأمر الذي منح التنظيم فرصة لارتكاب مجازر راح ضحيتها المئات من الشباب، وليس ببعيد ما واجهته عشيرة البونمر في الأنبار.
وعلى الرغم من أنّ هذه العشائر لا تطلب سوى الدفاع عن مناطقها وحمايتها من الاعتداءات الخارجيّة، يرى قادة في "التحالف الوطني" الحاكم، وأخرى في مليشيات "الحشد الشعبي"، أنّ قوة العشائر لا تصب لصالح "الحشد"، ويعتبرونها منافسة له، ما تسبب بالتأثير على أي قرار حكومي قد يصدر لصالح تلك العشائر. وهو أمر مرفوض أساساً من قبل إيران التي تموّل المليشيات وتدفعها لارتكاب انتهاكاتها في عموم البلاد، وخصوصاً في المناطق المحرّرة، ما يستدعي عدم وجود أي قوة عشائرية تدافع عن مناطقها، بحسب مراقبين.
في هذا الصدد، يقول أحد مشايخ عشيرة البونمر في الأنبار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإهمال الحكومي لملف العشائر مستمر حتى اليوم، على الرغم من الدور الكبير والانتصارات التي حققتها العشائر ضدّ التنظيم في قواطع القتال"، مبيناً أنّ "هذا الإهمال تسبب بخسارة الكثير من أبنائنا في جبهات القتال". ويشير الشيخ ذاته، إلى أنّ "التهميش الحكومي لم يبق للعشائر المقاتلة سوى طريقَين للتسليح والتجهيز، وهما: إمّا الاعتماد على أموالنا الخاصة وجمع التبرعات بين العشائر، أو شنّ هجمات مباغتة على داعش والحصول على أسلحته وعتاده، وهذا ما يكلفنا أيضاً تقديم مزيد من القتلى". ويؤكّد، أنّ "الدفاع عن مناطقنا أصبح أمراً مكلفاً للغاية وثمنه دماء تراق يومياً من أبناء العشائر الذين يدافعون عن أرضهم ويقاتلون داعش".
اقرأ أيضاً: اغتيالات بغداد: عمليّات منظّمة لاستهداف "الوجهاء" والنازحين
من جهته، يوضح المتحدّث الرسمي باسم مجلس عشائر محافظة صلاح الدين، مروان الجبارة، أنّ "العشائر متواجدة على خطوط الصد الأماميّة في وجه داعش، وتقدّم تضحيات وقتلى يومياً". ويقول الجبارة لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدداً كبيراً من مقاتلي عشائر صلاح الدين يقاتلون اليوم من دون مقابل. فهم لا يحصلون على رواتب من الحكومة، كما أنّ أسلحتهم بسيطة جداً، قياساً بأسلحة الفصائل الأخرى التي تجهزها الحكومة"، مؤكداً أنّنا "ناشدنا ونناشد الحكومة بالنظر إلى حجم الدور الكبير للعشائر، والتضحيات التي تقدّمها، والاهتمام بتمويلها وتسليحها، فهي القوة المهمّة في قتال داعش، ولا يمكن تركها على هذه الحال".
ويؤكد الجبارة، أنّ "العشائر تخوض يومياً معركة جدية هجوماً أو دفاعاً، والحكومة على علم بهذا الدور الكبير، وللأسف تهمل هذا الملف"، مضيفاً "لدينا مقاتلون أشداء ولهم خبرة طويلة في القتال، لكن ليس لدينا مقومات المعركة من السلاح والعتاد". ويلفت، إلى أنّه "لولا العشائر لما حصلت كل هذه الانتصارات في المحافظة، مشدداً على أنّه "لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل، وإلّا فسيصعب تحرير ما تبقى من المناطق الخاضعة للتنظيم خلال الفترة القريبة".
من جانبه، يؤكد الخبير السياسي فراس العيثاوي، أنّ "أزمة الثقة واضحة بين الحكومة وبين العشائر المتصدية لداعش". ويقول العيثاوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "توجهات الحكومة معروفة للجميع، فهي تقاد من قبل قوى التحالف الوطني، وهي ذاتها قيادات في مليشيا الحشد الشعبي، والتي لا تريد أيّ دور للعشائر ولأي قوة أخرى في البلاد عدا الحشد"، مؤكداً أنّ "هذا الأخير لديه أجندته الخاصة وهي تتعارض مع توجهات العشائر، ولا يمكن التساهل مستقبلاً بهذا الملف".
بدوره، يرى النائب عن تحالف القوى العراقية، مطشّر السامرائي، أنّ "الحكومة الحالية للأسف، لم تختلف عن حكومة نوري المالكي بانتهاج السياسات الخاطئة، من خلال تجاهلها لأبناء العشائر بالدفاع عن مناطقهم وحمايتها". ويقول السامرائي لـ"العربي الجديد"، إنّ "العشائر هم الأجدر والأكفأ بالدفاع عن أرضهم، مؤكداً أنّه "حتى الآن الوضع ليس آمناً والكثير من المناطق لا تزال تحت خطر داعش، وقلنا ونقول يجب تسليح العشائر". ويشدّد البرلماني ذاته، على أنّه "يجب أن تنظر الحكومة إلى ما فيه مصلحة البلاد، وترسم سياسة واضحة، ولا يمكن إهمال موضوع العشائر، لما لذلك من خطر يصب لصالح داعش".
اقرأ أيضاً العراق: عشائر تكريت تشكل قوات لحماية مناطقها