وبعد إعلان "استقلال" جمهورية القرم عن أوكرانيا بشكل أحادي الجانب، وقّعت القرم على اتفاقية "الانضمام" إلى روسيا في 18 مارس/ آذار 2014. وبمناسبة ذكرى "استعادة الوحدة" مع القرم، يقام وسط موسكو حفل غنائي، كما تنظّم احتفالات بمدن روسية أخرى. على الطرف الآخر، لا تزال أوكرانيا ترفض الاعتراف بانضمام القرم إلى روسيا. كما صادق الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، قبل يومين، على "الرؤية الجديدة لقطاع الأمن والدفاع الأوكراني"، التي اعتبرت أن كافة التهديدات الخارجية آتية من روسيا، ومن بينها "الاحتلال الروسي المؤقت لأراضي القرم".
أثار قرار روسيا ضم القرم، عام 2014، ردود فعل غاضبة في أوكرانيا التي اعتبرته انتهاكاً لوحدة أراضيها واحتلالاً لها، بينما أصرّت موسكو على أنّ "استعادة الوحدة" جاءت ضمن حق سكان القرم في تقرير المصير بعد "الانقلاب" الذي أطاح بالرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، المعروف بولائه لموسكو. وفي فبراير/ شباط الماضي، أكد رئيس الوزراء الروسي، ديميتري مدفيديف، أن القرم باتت جزءاً من روسيا، وأنّ هذه القضية "مغلقة إلى الأبد". بينما أكدت كييف أنه لن يتم إغلاق هذه المسألة إلّا بعد "استعادة حدود" أوكرانيا.
ولم تقتصر تداعيات ضم القرم أو "الاحتلال" على المواجهة بين موسكو وكييف، بل تسببت بأكبر أزمة بين موسكو ودول الغرب منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب البادرة، تمثّلت في فرض عقوبات على شركات وشخصيات روسية، وقطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، وقطع الاتصالات العسكرية مع حلف شمال الأطلسي، وتراجع الاتصالات السياسية إلى أدنى مستوى.
في هذا السياق، يعتبر رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، فيودور لوكيانوف، أن قيام روسيا بضم القرم أنهى الحقبة، عندما كانت الهيمنة الأميركية أمراً مسلّماً به، مشيراً إلى أن "هذا الحدث لا يقل أهمية عن سقوط جدار برلين عام 1989". ويقول لوكيانوف لـ"العربي الجديد"، إنّ "روسيا تصرّفت مثلما فعلت الولايات المتحدة وحدها قبل ذلك، وواصلت هذا النهج بتدخلها العسكري في سورية، أخيراً". ويضيف أنّ "الفرق بين أوكرانيا وسورية، أن الأولى دولة مجاورة، بينما ليست هناك مصالح مباشرة لموسكو في سورية". ويعتبر لوكيانوف أنّ روسيا تحدّت الولايات المتحدة في أداء دور الشرطي العالمي وتدخلها في النزاعات التي لا تمسّها بشكل مباشر".
اقرأ أيضاً: الأزمة الداخلية في أوكرانيا: فوائد بالجملة لروسيا
وعلى الرغم من أنّ الخطاب الإعلامي والرسمي في روسيا يشدّد على أن عملية ضم القرم جاءت نتيجة لتصويت أكثر من 95 في المائة من سكان شبه الجزيرة لصالح الانضمام إلى روسيا وبنسبة مشاركة قياسية، أجري الاستفتاء بعد إرسال جنود روس عرفوا باسم "الرجال الخضر" إلى القرم وسيطرتهم على المواقع الاستراتيجية. ومع ذلك، زعم بوتين في ما بعد، أن إرسال الجنود الروس إلى القرم عندما كانت جزءاً من أوكرانيا، جاء "وفقاً لاتفاقية دولية بشأن وجود قاعدة عسكرية روسية هناك"، في إشارة إلى أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول (جنوب غرب القرم).
من جهته، يرى المؤسس، الزعيم السابق لجبهة "سيفاستوبول"، فاليري بودياتشي، أن التدخل الروسي جنّب القرم خطر السيناريو الدموي الذي تحقق في منطقة دونباس، شرق أوكرانيا، وإقليم ترانسنيستريا في مولدوفا. ويقول بودياتشي لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلطات الجديدة في كييف غير شرعية، لأنها تولّت السلطة نتيجة للانقلاب، وكانت تصرفاتها ستثير احتجاجات في القرم، ما كان سيؤدي إلى إراقة الدماء".
ويشير بودياتشي الذي سبق أن أدانه القضاء الأوكراني بتهمة "الانفصالية"، إلى أن "سكان القرم لم يروا خلال الـ23 عاماً من الحياة ضمن أوكرانيا المستقلة، إلّا "ذلّاً وتضييقاً في استخدام اللغة الروسية، وتحريفاً للتاريخ، وجرّ البلاد نحو التكامل مع حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي"، على حدّ تعبيره. وحول الحصار لمنع إيصال المواد الغذائية وقطع الطاقة الذي تعرضت له القرم من قبل كييف عام 2014، يعتبر بودياتشي أن "مثل هذه المشاكل تنتهي بمجرد استكمال بناء جسر كيرتش لربط القرم بباقي أراضي روسيا".
لكن هناك سكاناً من القرم لهم موقف آخر، ومن بينهم الصحافي سيرغي موكروشين، الذي عاش وعمل في شبه الجزيرة حتى مارس/ آذار 2015، قبل أن ينتقل إلى العاصمة الأوكرانية كييف بعد بدء تعرّض زملائه لمضايقات أمنية. ويقول موكروشين لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد مرور عامين، لا أزال أعتبر أنّ ما حصل احتلالاً وليس استعادة الوحدة، ولم يعترف الجزء الأكبر من العالم المتحضّر باستفتاء القرم". ويضيف موكروشين أنّ "روسيا قضت في القرم على وسائل الإعلام الحرة والمجتمع المدني. وفق البيانات الأوكرانية الرسمية، يبلغ عدد المهجرين قسراً من القرم في الشطر القاري من أوكرانيا أكثر من 20 ألف شخص"، وفقاً للصحافي. ويشير موكروشين إلى أن "هناك عدداً من المعتقلين السياسيين من القرم تحتجزهم روسيا، ومن بينهم المخرج أوليغ سينتسوف"، مشدداً على عدم حدوث مثل هذه الأمور عندما كانت القرم خاضعة لسيطرة أوكرانيا.
وكانت شبه جزيرة القرم جزءاً من الإمبراطورية الروسية، ثم إقليماً ضمن روسيا السوفييتية، قبل أن يضمها الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية عام 1954. ونتيجة لذلك، ظلت القرم جزءاً من أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، إلى أن ضمّتها روسيا على خلفية موجة من أعمال العنف التي شهدتها أوكرانيا عام 2014.
اقرأ أيضاً: عامان على سقوط يانوكوفيتش في أوكرانيا