يأتي عيد النوروز هذا العام، بنكهة مختلفة عن الأعوام الماضية، فبعد ما دعا عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، العام الماضي، من سجنه المؤبد، حزبه إلى الانسحاب من الأراضي التركية، واعتماد النضال الديمقراطي بدل النضال المسلح، عادت الاشتباكات لتندلع بين الأخير وقوات الأمن التركية، في يوليو/تموز الماضي، معلنة نهاية عملية السلام.
وخلافاً للأعوام السابقة، لم تشهد تركيا احتفالات واسعة بعيد النوروز، بسبب التهديدات الأمنية، خاصة من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبحسب وزير الداخلية التركي أفكان آلا، فقد سمح فقط بتنظيم الاحتفالات في 18 نقطة بتركيا، فيما لم تنظم أي احتفالات في مدينة إسطنبول، بسبب التهديدات الأمنية.
وتحت إجراءات أمنية مشددة، تم تنظيم احتفال كبير بعيد "نوروز"، في وسط مدينة ديار بكر، عاصمة الحركة القومية الكردية، وجه خلاله قيادات الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) انتقادات شديدة للحكومة التركية، في ظل حضور جماهيري ظهر أقل كثافة مقارنة بالعام الماضي.
ولم يشهد هذا العام، بخلاف السنوات السابقة، قراءة أي رسالة من أوجلان.
وفي معرض انتقاده للحملات التي شنها الجيش التركي ضد العمال الكردستاني، بعد الاستيلاء على عدد من المدن والأحياء جنوب شرقي تركيا، وإعلانه الإدارة الذاتية، انتقد سري ثريا أوند، أحد قيادات "الشعوب" الحملة العسكرية التركية، "أقول للسيد رئيس الوزراء، إن الأمن والاستقرار العام لا يمكن تحقيقهما بالسلاح والشرطة والعسكر. السيد رئيس الوزراء، إن الأكراد لا يدخلون منازلهم، والأتراك لا يخرجون منها، هل إلى هذه النقطة وصل مفهومكم للأمن والاستقرار البلاد؟"
واتهم الرئيس المشارك لـ"الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش، خلال كلمته في احتفالات ديار بكر، الحكومة بتبني "سياسات تقوم على عداء الأكراد"، داعياً إلى العودة إلى عملية السلام، ومعتبراً أن "الحزب مرتبط بروح إعلان التوافق في قصر دولمة بهجة"، في إشارة إلى الإعلان الذي حصل في نهاية فبراير/شباط من العام الماضي، بين الحكومة والشعوب الديمقراطي حول عملية السلام، قرأ خلالها مسؤولي الحزب الإطار التفاوضي الذي وضعه أوجلان للعملية.
وكان وزير الداخلية التركي إفكان آلا، قد أكد بأنه تم تكليف 200 ألف عنصر أمن، منهم 120 ألف شرطي و80 ألفا من قوات الدرك، لتأمين البلاد، خلال الاحتفالات، مشيراً إلى أنه تم منح إذن تنظيم احتفالات عيد نوروز في 18 ولاية، ولم يتم منح الإذن في عدد من الأماكن الأخرى لاعتبارات أمنية، لها علاقة بأمن المشاركين.
اقرأ أيضاً: انطلاق احتفالات عيد الـ"نوروز" في العراق
واكتسب عيد النوروز أهميته السياسية، بشكل أساسي، منذ عام 2013، بعد أن بدأت الحكومة التركية، وفي إطار عملية السلام التي كانت جارية مع العمال الكردستاني، بالسماح للقيادات السياسية له، سواء في حزب السلام والديمقراطية أو حزب الشعوب الديمقراطي، بإجراء لقاءات دورية مع أوجلان في سجنه في إمرالي، إذ دعا حينها أوجلان العمال الكردستاني، إلى الانسحاب من الأراضي التركية ووقف إطلاق النار.
ورغم الآمال الكبيرة التي عقدت على هذه الرسالة، لم يشهد الوضع تطوراً ملحوظاً تجاه عملية السلام، ولم يلتزم الكردستاني بدعوة أوجلان، بعد أن بدأت أحداث حديقة غيزي في يونيو/حزيران، وما تلاها من انفجار الصراع بين العدالة والتنمية وحركة الخدمة، والتي اعتبرتها الكثير من الأطراف المعارضة، "ربيعاً تركياً"، سيؤدي بالضرورة إلى إسقاط حكومة العدالة والتنمية، ولكن ذلك لم يحصل، وخسرت رهانات الكردستاني.
أما في عام 2014، فقد نظمت الأجنحة السياسية للكردستاني، احتفالات تحت شعار "كردستان حرة، وقيادة حرة"، في إشارة إلى المطالبة بإطلاق سراح أوجلان، وتم حينها، قراءة رسالة أخرى من أوجلان خلال الاحتفالات، حث فيها الكردستاني على "عدم التسويف، وعدم القيام بإجراءات من طرف واحد، وحثهم كذلك على أن تتم جميع الإجراءات في إطار قانوني".
وتم تتويج الجهود المبذولة من قبل الحكومة التركية لحل القضية الكردية، عام 2015، حين تم في نهاية شباط/فبراير، الإعلان عن إطار للمفاوضات التي كان من المقرر أن تبدأ في نيسان/إبريل من العام ذاته.
ودعا أوجلان، في رسالته، الكردستاني إلى عقد مؤتمر عام للحزب يتم خلاله إقرار النضال السياسي وترك العمل المسلح، لكن لم يتم الالتزام بذلك، وانقلب الشعوب الديمقراطي على العدالة والتنمية، بأن دخل الانتخابات البرلمانية بقائمة حزبية لأول مرة، تحت شعار موجه ضد أردوغان، يقول"لن نجعلك رئيساً علينا"، ليرد العدالة والتنمية بالانقلاب أيضاً على العملية، وتجميد الإعلان المشترك في إطار المفاوضات.
وبعد أن حقق "الشعوب" تقدماً في الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، تعرض خلالها أنصاره لعدد من الهجمات من قبل "داعش"، استغلها العمال الكردستاني حينها، للتمدد، ولاتهام الحكومة بـالتعاون مع "داعش" على حد اتهامات قياداته.
وبدأ بتنفيذ عمليات اغتيال بحق المدنيين في المدن الكبرى في تركيا، بحجة تعاملهم مع "داعش"، وأعلن حرباً شعبية على الحكومة، ليشكل قيام الكردستاني باغتيال اثنين من عناصر الشرطة التركية في جنوب تركيا، النقطة الأخيرة التي أجهضت العملية السياسية، فأعلنت الحكومة التركية، حربها على الكردستاني، في يوليو/تموز، مستغلة غطاء الاتفاق مع واشنطن وانضمامها للتحالف الدولي ضد "داعش"، فضلاً عن فتح قاعدة إنجرليك للتحالف.
اقرأ أيضاً: أكراد سورية يحتفلون بعيد "النوروز"