سجّلت الأزمة اليمنية اختراقاً سياسياً، بعد جهود حثيثة ومسيرة طويلة من التحضيرات واللقاءات، مع موافقة الأطراف اليمنية على وقف لإطلاق النار، يبدأ في العاشر من أبريل/ نيسان المقبل، ويسبق بأسبوع المحادثات التي ستُعقد في الكويت، بالتزامن مع إكمال عام على بدء عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وفيما ستتجه الأنظار إلى الالتزام بوقف الأعمال القتالية في كافة أنحاء البلاد، الذي أعلن عنه المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لفت طلب المبعوث الأممي من الأطراف المعنية تقديم أوراق "مفاهيمية" لرؤيتها حول المواضيع المطروحة للبحث، في ما يبدو استنساخاً للمحادثات السورية الجارية في جنيف.
وأعلن ولد الشيخ أحمد أن المحادثات ستركّز على خمسة مواضيع، يأتي في مقدمتها "انسحاب المليشيات والمجموعات المسلحة"، وهو الأمر الذي لا تزال تفاصيله محل لغط، إذ لم يوضح ما إذا كان الانسحاب من قبل الحوثيين، كما تطالب الحكومة، أم أنه يشمل الحوثيين والمجموعات المسلحة الموالية للشرعية، الأمر الذي يطرحه الحوثيون.
وتركز المحادثات في العنوان الثاني على "تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة"، وهو أحد المطالب العتيدة للحكومة من الحوثيين، ويعتمد تنفيذه على نوايا الأطراف المختلفة وجديتها بالالتزام. أما القضية الثالثة في نقاشات المحادثات، فهي "إجراءات أمنية مؤقتة"، في إشارة للمواضيع الخاصة بتسليم المدن مثل العاصمة، فيما العنوان الرابع للنقاشات "إعادة مؤسسات الدولة واستئناف حوار سياسي جامع"، وبالإضافة إلى ذلك، يجري "إنشاء لجنة خاصة للسجناء والمعتقلين".
وحسب بيان ولد الشيخ أحمد، فقد طلب من الأطراف المعنية إعداد أوراق "مفاهيمية" للمواضيع السابقة تقدّمها حتى الثالث من أبريل/ نيسان، فيما سيتم نقاش المواضيع المشار إليها عبر لجان متخصصة أثناء المحادثات التي قال إنها تهدف "إلى الوصول لاتفاق شامل لإنهاء الصراع واستئناف حوار وطني جامع وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216 وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة".
اقرأ أيضاً: اليمن: أحزاب الشرعية تجتمع في تحالف جديد قبل التسوية
أما عن وقف إطلاق النار، فسيبدأ منتصف ليل العاشر من أبريل/ نيسان، من دون تحديد سقف لنهايته، بما يعني أنها عملية مفتوحة غير محددة بسقف زمني أو لا تزال محل تحفظ، وتسبق جولة المحادثات التي ستنطلق في الـ18 من الشهر نفسه في عاصمة الكويت، بعد أن استمرت التحضيرات لها طوال الأشهر الماضية. وبرأي مراقبين، سيكون وقف إطلاق النار الامتحان الأهم في طريق المحادثات، إذ يُعد هذا الشرط بالنسبة للانقلابيين، أمراً لا يمكن التراجع عنه، حسبما تقول مختلف تصريحاتهم، وفي حال انهيار التهدئة من غير المستبعد ترحيل موعد المحادثات وتَعقّد الوضع من جديد.
وبعد مرور يوم من إعلان ولد الشيخ أحمد عن وقف إطلاق النار والمحادثات، لم يصدر موقف من الأطراف المعنية يرحب بما تم الإعلان عنه، إذ تواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولين حكوميين وآخرين من الحوثيين وحزب "المؤتمر الشعبي" الذي يترأسه الرئيس المخلوع، إلا أنهم فضّلوا عدم التعليق قبل إعلان موقف رسمي من قبل الأطراف المعنية، والتي ما تزال تناقش التفاصيل. فيما بات الاتفاق حول الموعد ومكان الانعقاد والهدنة من حيث المبدأ أمراً مؤكداً. وأشارت مصادر إلى أن إقرار وقف إطلاق النار قبل أسبوع من انطلاق المحادثات، كان شرطاً قدّمه الحوثيون وحلفاؤهم، الذين طالبوا بأن يكون التنفيذ سابقاً لأي تفاوض، ليتم التأكد من تطبيقه، حتى لا يتكرر ما حصل في الجولة الثانية من المحادثات التي عُقدت في سويسرا في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، حيث جرى إعلان هدنة مع انطلاق المحادثات لكنها انهارت منذ الساعات الأولى وساد التصعيد على الأرض. وأياً تكن الاختلافات في تفسير المواضيع والأولويات، تبدو الأطراف ملزمة في الأسابيع الثلاثة المقبلة، أن ترتب أوراقها للتوجّه إلى الحوار.
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها التوافق على وقف إطلاق النار قبل انطلاق المحادثات، إذ كان ذلك سابقاً للجولة الثانية التي عُقدت أواخر العام الماضي في سويسرا، وانهار هذا الوقف بالتزامن مع بدء جولة المحادثات، ما دفع الحوثيين وحلفاءهم إلى تشديد الشروط قبل الجولة الجديدة. وعلى الرغم من التعقيدات الميدانية المرتبطة بعدم الثقة والتصعيد المسلح، تبرز مؤشرات قوية ترجح المسار السياسي هذه المرة، أبرزها التفاهمات السعودية الحوثية غير المعلنة والتي أفضت إلى تهدئة في الحدود، وكذلك إكمال الحرب لعام على بدء التدخل العسكري العربي في 26 مارس/ آذار 2015.
اقرأ أيضاً: تضارب أنباء حول احتجاز الحوثيين طائرة تحمل جرحى لـ"المقاومة"