تتعزز المخاوف في أوساط الناشطين في مجال الدعوة لمقاطعة إسرائيل، من محاولة استغلال الهجمات التي تعرضت لها أوروبا للتضييق عليهم وتحديداً في أوروبا. ويصف ناشطون ما يجري بأنه "استغلال بشع لما يجري في أوروبا، من أجل تكميم الأفواه الناقدة لدولة الاحتلال"، وخصوصاً بعد حالة الهلع في إسرائيل ممّا تحققه الحركة الدولية المتضامنة مع الفلسطينيين من انتصارات، ولا سيما مع انتشار سياسة الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين من قبل جنود الاحتلال.
ويرى أعضاء في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "بي دي أس" والمعروفة أيضاً بـ"حركة المقاطعة الدولية"، أنه يراد للمخاوف من تقييد حرية التعبير أن تنتشر في أوساط الحركة لـ"وقف نشاطنا واتهامنا بتشجيع العنف ومعاداة السامية كلما جرى انتقاد إسرائيل".
كذلك يصبّ موقف لجنة المقاطعة الوطنية الفلسطينية "بي أن سي" في الاتجاه نفسه، بحسب ما أكدته قبل أيام. وتشير اللجنة إلى أنّ الجهد الإسرائيلي بدأ ينتشر بكثافة لتجريم الناشطين الدوليين في مجال المقاطعة بخطوات رسمية أوروبية وأخرى تترجمها السياسة الأميركية، بهدف "حماية إسرائيل من حملة المقاطعة الدولية". وتتعزز هذه التحركات الإسرائيلية بالتعاون مع اللوبيات المؤيدة لها بعدما باتت حملة المقاطعة الدولية أكثر اتساعاً، لتشمل مؤسسات أكاديمية وجامعات وتهدف إلى عزل دولة الاحتلال في المجتمع الدولي. وفي السياق، انسحبت أخيراً شركة الأمن المعروفة "جي فور أس" (G4S) من تعاطيها مع مؤسسات إسرائيلية أمنية.
اقرأ أيضاً: "BDS" تجبر شركات إسرائيلية كبرى على ترك الضفة
ووفقاً لتقارير لجنة المقاطعة الوطنية المتعاونة مع الحملة الدولية للمقاطعة، فإنّ لوبيات إسرائيل بدأت حملة منسقة، تتحرك أكثر من السابق، لتجريم الدعوات لمقاطعتها، بعدما أصبحت تشعر بأن إسرائيل بات يشار إليها كدولة عنصرية غير ديمقراطية.
من جهتها، تؤكد ايرينا كلاوسن، أكثر الناشطات الاسكندنافيات في مجال مقاطعة إسرائيل والممنوعة تماماً من دخول فلسطين، أن القضية ليست فقط حملة غير منظمة يقوم بها "هؤلاء الذين يريدون شرعنة الاحتلال وجرائمه".
وفي السياق، يتحدث الناشطون عن "التجريم الفرنسي للدعوة لمقاطعة إسرائيل ومنتجاتها بسبب منطقة المنشأ". ويرى هؤلاء بأن الموقف الفرنسي ينطوي على تشجيع المستوطنين "في الوقت نفسه الذي يخرج فيه الساسة ليقولوا إنّ حرق الأسر في منزلها والاستيطان غير شرعي يعيق عملية السلام".
ومنذ العام 2010، جرى تقديم 30 ناشطاً وناشطة في فرنسا لمحاكم بسبب دعوتهم للمقاطعة، الأمر الذي "يظهر أن حرية التعبير يجري التمييز والتلاعب بها لتشمل فقط مؤيدي الاحتلال"، وفقاً للفرع الفرنسي لحركة المقاطعة الدولية.
ولم يختلف الأمر كثيراً في بريطانيا عمّا هو عليه في دول أخرى، على الرغم من كل الانتقادات لسياسة الاستيطان. فقد توجهت حكومة المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون في فبراير/ شباط الماضي إلى "وضع إرشادات قانونية للتبضع في الأماكن العامة بحيث يمنع فرز البضائع وفق منشأها"، وهو ما ذكرته صحيفة "ذي إندبندنت" على خلفية الدعوة لمقاطعة بضائع المستوطنات.
أما في الدنمارك، فلا تزال لجان المقاطعة تعمل بقوة على الرغم من كل المحاولات الهادفة إلى إضعاف حركة المقاطعة الدولية أو تجريم عملها وتخويف من يحاول انتقاد سياسات الاحتلال على مستويات عدة، تصل حتى أعضاء البرلمان من اليسار أو شخصيات وشبان يهود يرفضون الاحتلال مثل "يهود من أجل العدالة والسلام". وأجهضت السفارة الإسرائيلية محاولات لجان المقاطعة وضع ملصقات دعائية ضخمة لتوعية المواطنين بضرورة مقاطعة بضائع المستوطنات. وبعد أقل من يوم واحد على وضعها، نزعت الملصقات من على حافلات النقل العام لشركة "موفيا" في العام الماضي.
وتبدو معركة لوبيات الاحتلال في الدول الاسكندنافية غير قادرة على مجاراة حملة المقاطعة الدولية على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه اللوبيات من أحزاب اليمين المتطرف ويمين الوسط، وهي مفارقة تراها الناشطة بقوة في مجال المقاطعة، إيرينا كلاوسن "غريبة بعض الشيء". وتضيف "نحن نعرف من هم هؤلاء المتطرفون، بينما يجري اتهام ناقدي سياسات إسرائيل بمعاداة السامية".
أما في الولايات المتحدة، فليس سراً، وفقاً لناشطين أوروبيين، بأنّ "لائحة سوداء" وضعتها الإدارة الأميركية بحق الناشطين في مجال المقاطعة وانتقاد السياسة الأميركية. هذا الأمر، بحسب منظمة "Palestine Legal"، "يظهر بوضوح كمّ الازدواجية والنفاق في مسائل حرية التعبير، فنحن نقوم بدعوة الناس وهم يقررون المقاطعة من عدمها. لكن يبدو أننا نؤثر في الرأي العام وإلا لما اضطروا لتصعيد حملتهم ضدنا بهذا الشكل". وتشير المنظمة إلى أنه "في داخل أميركا نفسها يقول لنا أصدقاؤنا من الناشطين إنّ شركات عدة التزمت بالمقاطعة، ما أثار حنق أصدقاء الاحتلال"، وهو "ما دفع إلى استصدار أكثر من 24 تشريعاً ضد ناشطي حركة المقاطعة الأميركيين". وتذكر المنظمة أن ولاية إلينوي وضعت في العام الماضي، ومن خلال الحاكم بروس راونر، قائمة بشركات أجنبية قبلت بمقاطعة إسرائيل بدعوة من "بي دي اس".
ومن الواضح أن الحديث عن وجود "مكارثية" تنتشر في الولايات المتحدة بحق من ينتقد الاحتلال وجرائمه بالدعوة لمقاطعته، على غرار ما أشارت إليه اللجنة الوطنية للمقاطعة في تقريرها في الثامن عشر من شهر مارس/ آذار الحالي، يستند إلى معطيات عديدة وفق حركة المقاطعة الدولية، ومنها الحملة المنظمة التي تقودها اللوبيات الداعمة للاحتلال التي دفعت بهيلاري كلينتون، الساعية لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، إلى مهاجمة الدعوات لمقاطعة إسرائيل، ومقدمة نفسها كأحد أكثر أصدقاء دولة الاحتلال وفاءً في هذا الاتجاه.
في العام الماضي 2015، مثلاً، أكدت كلينتون رسمياً لأحد أكثر المدافعين عن إسرائيل، الثري حاييم سابان، بأنها ستبذل ما في وسعها لوقف أية محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل. وفي حملتها الانتخابية، أعادت كلينتون التنافس بينها وبين الجمهوريين حول محاربة حركة المقاطعة الدولية.
ويلاحظ الناشطون والمتضامنون الدوليون كيف أنه في الحادي والعشرين من مارس/ آذار الحالي، ألقت كلينتون كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "أيباك" مركّزة، على غرار باقي المرشحين للرئاسة، على محاولة الحصول على مباركة اللوبيات الصهيونية. ومن بين الوعود التي قدمتها كلينتون في حال وصولها إلى البيت الأبيض "محاربة حركة المقاطعة الدولية وكل محاولة تشويه أو عزل أو ضرب شرعية إسرائيل كدولة يهودية". ومما قالته أيضاً "إني أتمنى لهؤلاء الذين يقاومون حركة المقاطعة أن يكونوا أكثر قوة وهم الذين يقفون في الجبهة الأولى، وعليكم أن تواصلوا قول رأيكم، يجب أن لا يمنعكم أحد من التعبير عن ذلك الرأي مهما تعرضتم لمضايقات في المدارس والجامعات حيث يجب عدم التسامح مع معاداة السامية".
ما يغضب الناشطين الدوليين "قلب الحقائق الذي تمارسه الدوائر الصهيونية المتنفذة. وفي السياق، يشير الناشطون إلى كلمة كلينتون، متسائلين "كيف تتحدث عن حق حرية الرأي لهؤلاء الذين يدعمون ممارسات الاحتلال وتتهمنا نحن بمعاداة السامية لتكميم أفواهنا؟".
اقرأ أيضاً: تكتيكات الـ"BDS" ترعب الاحتلال