رغم تدني شعبيته، يحاول الرئيس السابق وزعيم حزب "الجمهوريين" نيكولا ساركوزي، العودة بقوة إلى الواجهة السياسية في رداء زعيم المعارضة الذي يحضر لتداول السلطة واستلام مقاليدها من جديد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
اقرأ أيضاً: الأزمات تحاصر هولاند: شعبية متدنية ومستقبل رئاسي مهدد
وانتهز ساركوزي فرصة انعقاد "المعرض الفلاحي" الذي كان زاره أكثر من مرة خلال ولايته الرئاسية السابقة. فتفقد أجنحة المعرض بأريحية، وأطلق تصريحات تنتقد أداء الحكومة الاشتراكية، فيما يخص أزمة الفلاحين. ودعا إلى إقرار "قانون طوارئ" خاص بالفلاحة لإنقاذها من الإفلاس في محاولة لاستمالة الفلاحين الناقمين على الرئيس فرانسوا هولاند والحكومة الاشتراكية.
على خلاف هولاند الذي عاش ساعات عصيبة خلال تدشينه هذا المعرض السبت الماضي، إذ تعرض أثناءه لوابل من الشتائم والهتافات المعادية.
وفي حوار مطول مع صحيفة "لوباريزيان"، هاجم ساركوزي بقوة خلفه في الإليزيه، وقال: "لم أشهد أبداً غضباً بهذا الحجم يغمر فرنسا، وليست هناك شريحة واحدة من الفرنسيين لا تشعر بالخيانة. هذه هي نتيجة الوعود الكاذبة التي أطلقها هولاند خلال حملته الانتخابية".
وسخر ساركوزي من أداء الحكومة الاشتراكية التي صار التردد سمتها الغالبة، وانتقد قرارها الأخير بالتراجع عن مشروع إصلاح قانون العمل الذي تقدمت به وزيرة العمل مريم الخمري.
ودعا ساركوزي أنصاره إلى عدم اتخاذ أي موقف من مشروع هذا القانون إلى حين التوصل إلى صيغته النهائية لأنه، بحسب تعبيره: "هذه الحكومة عودتنا على كتابة وإعادة كتابة مشاريع القوانين، مثلما حدث أخيراً مع مشروع التعديل الدستوري الذي تم تغييره عدة مرات قبل أن يتم رفعه إلى مجلس النواب".
ولكي يقوي حظوظه في عودة مظفرة، بادر ساركوزي إلى ممارسة نقد ذاتي شامل لولايته الرئاسية السابقة في كتاب أصدره قبل بضعة أسابيع بعنوان "فرنسا إلى الأبد" عن دار النشر "بلون" ولاقى نجاحاً كبيراً في المكتبات، بحيث بيعت منه أكثر من 150 ألف نسخة.
واستعرض ساركوزي في هذا الكتاب عدداً من القضايا التي أضرّت بصورته، وأقرّ بأنه كان مخطئاً أكثر من مرّة وذهب إلى حدّ الاعتراف بأنّه مسؤول هو الآخر عن أزمة الثقة التي باتت تميز علاقة المواطنين الفرنسيين بالنخبة السياسية.
وأعلن ساركوزي ندمه على مجموعة من القرارات التي اتخذها في فترته الرئاسية، خصوصاً فيما يتعلق بالإصلاحات الضريبية التي أثقلت كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة ومنحت امتيازات الإعفاء للأغنياء. ولم يغفل ساركوزي إشهار أسفه على بعض السلوكات المتسرعة والغريزية التي بدرت منه في ولايته الرئيسية، خصوصاً ذلك المشهد الذي شتم فيه أحد المواطنين الذي تجرأ على انتقاده خلال إحدى خرجاته الرئاسية.
وفيما يجد ساركوزي نفسه في وضع هش بعدما تعرض لمساءلة قضائية قبل أسبوعين بخصوص ما صار يعرف بقضية (بيغماليون) المتعلقة بميزانية حملته الانتخابية عام 2012 ، فإنه كرر على مسامع وسائل الإعلام أنه براء من كل الاتهامات، وأنه نجح في إقناع المحققين، بعد جلسة دامت أكثر من 12 ساعة، بأنه لم يكن على علم بتجاوز الميزانية التي يحددها القانون، وأن مساعديه لم يحيطوه علماً بهذه التفاصيل.
والواقع أن ساركوزي بات متعوداً على المتابعات القضائية منذ خروجه من قصر الرئاسة عام 2012، وهو يعتبر نفسه محصناً ضدّ القضاء لكون هذه المتابعات لم تتمخض ولو عن إدانة واحدة أو حكم بالسجن وبقيت مجرد "فقاعات إعلامية"، في نظره، يستغلها خصومه، يميناً ويساراً، لمحاولة إحراجه ومنعه من الترشح مرة أخرى للرئاسيات المقبلة.
وكان ساركوزي قد عبّد الطريق إلى هذه الرئاسيات حين عاد العام الماضي إلى رئاسة حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، وغير اسمه إلى "الجمهوريون". كما بادر إلى استبعاد عدد من القيادات اليمينية، التي كانت تنتقد عودته وسيطرته على الآلة الحزبية، وآخرها الوزيرة السابقة تشاوسيسكو موريزي، التي تم استبعادها من المكتب السياسي، ورئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران الذي، تم استبعاده من رئاسة المجلس الوطني للحزب، بعدما دان مواقف ساركوزي من بند سحب الجنسية عن الفرنسيين المتورطين في قضايا الإرهاب.
غير أن المعركة التي ينتظرها ساركوزي بفارغ الصبر تبقى الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح "الجمهوريون" لخوض الرئاسيات. ذلك أنه سيجد نفسه في مواجهة شخصيات قوية لن يستطيع إزاحتها سوى عبر اقتراع المنتسبين للحزب. وفي مقدّمة هذه الشخصيات رئيس الوزراء السابق وعمدة مدينة بوردو آلان جوبي، الذي يتمتع حالياً بشعبية كبيرة. وترشحه العديد من استطلاعات الرأي للفوز في الانتخابات التمهيدية وانتزاع تفويض "الجمهوريون" للترشح للرئاسيات. كما ترشحه للفوز في حال مروره للدور الثاني في مواجهة الرئيس الحالي فرانسوا هولاند أو رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان. إلا أن ساركوزي المتعود على معارك الحزب الداخلية لا يتوقف كثيراً عند استطلاعات الرأي وهو يعول على مناصريه من المنتسبين والمتعاطفين، لكي يصوتوا لصالحه ويقلب الكفة في وجه آلان جوبيه في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تاريخ موعد الانتخابات التمهيدية.