يقول سليم لـ"العربي الجديد"، إنّه "على الرغم من الحياة التي لم تعد تطاق في منطقة سلميّة بسبب انعدام الخدمات، وعدم تناسب الدخل مع غلاء الأسعار من جهة، وتهديدات تنظيم داعش المستمرة على تخوم قرانا من جهة أخرى، آثرت البقاء في وظيفتي الحكومية علّني أحافظ على لقمة عيش أسرتي المكونة من ستة أفراد. غير أن النظام يبدو أنه استكثر على موظفي الحكومة حتى محاولة العيش بالحد الأدنى، فقرّر إرسالهم إلى جبهات القتال رغماً عنهم. فإمّا أن ينتسبوا إلى ما سمّاها الألوية الطوعية التابعة لوزارة الدفاع، وإما يُتهمون بأنهم غير وطنيين ويُفصلون من وظائفهم، لتتم ملاحقتهم بتهم الخيانة والتعامل مع ما يسمونها العصابات المسلحة، في إشارة إلى فصائل المعارضة"، على حدّ قوله.
يشرح سليم أنه "منذ نحو عشرة أيام، وفيما كنت أمارس عملي الوظيفي في مبنى البلدية، جاء مندوب من وزارة الدفاع وطلب مني الانضمام إلى الألوية الطوعية بدعوى المساهمة في الدفاع عن الوطن. وطلب مني التوقيع على أوراق تفيد بأني مستعد للخضوع لدورات تدريب عسكرية لتأهيلي للالتحاق بالألوية الطوعية، مبيناً لي أن الانتساب لهذه الألوية لا يعني بالضرورة أن التحق بقطعة عسكرية، وإنما استدعائي وقت الحاجة للوقوف على حاجز بدل العسكر الذين يذهبون لجبهات القتال". ويتابع الموظف نفسه، "حين رفضت طلبه، قال لي بكل وقاحة، إنّ عدم انتسابك للألوية الطوعية يعني فصلك من وظيفتك والتعامل معك كخائن للوطن. الأمر الذي دفعني لإرسال عائلتي إلى لبنان، فيما هربت أنا إلى مناطق المعارضة، ومنها إلى تركيا، ولا أعلم الآن كيف ألم شمل عائلتي وأتدبر أموري بعدما تم تهجيري بشكل قسري".
حملة إعلامية مرافقة
من جانبه، يوضح المهندس رواد، لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة الدفاع تحاول سد العجز البشري في قواتها العسكرية من خلال موظفي القطاع الحكومي وطلاب الجامعات بعد تأسيسها لما سمّي الألوية الطوعية التي تقوم فكرتها على الاستعانة بالمدنيين بالأعمال العسكرية ضمن مناطقهم، مقابل سحب عناصر الحواجز إلى الجبهات". ويؤكد أنّ ما يحصل فعلياً، هو أن عدداً ممن التحقوا بهذا التشكيل، تم إرسالهم لاحقاً إلى جبهات القتال خارج مناطقهم.
ويلفت رواد، إلى أنّ "الإعلان عن تشكيل هذه الألوية تزامن مع حملة إعلامية عبر شركة الموبايل سيرياتيل (صاحبها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد). وقامت الشركة بتوجيه رسائل عبر الهواتف الجوالة تحث فيها الموظفين وطلاب الجامعات والمدنيين على الانخراط ضمن هذا التشكيل وتصويره كواجب وطني". وبُعثت آلاف الرسائل للسوريين، منها: "اليوم يومك بادر بالانتساب للألوية الطوعية"، و"لتحمي أهلك من الإرهاب انتسب إلى الألوية الطوعية"، و"الألوية الطوعية مساهمة وطنية للقضاء على الإرهاب"، و"شارك بالانتصار وانضم إلى الألوية الطوعية"، و"كن معنا لنقضي على الإرهاب.. التحق بالألوية الطوعية"، و"البلد بحاجتك انتسب إلى الألوية الطوعية". في غضون ذلك، وجّه محافظو المناطق التي يسيطر عليها النظام تعميمات لمديري المؤسسات في محافظاتهم لتنسيب الموظفين لتلك الألوية تحت طائلة الفصل من الوظيفة في حال عدم التنفيذ، على حدّ قول المهندس.
اقرأ أيضاً: خوجة لـ"العربي الجديد":الدعم الخارجي للمعارضة المسلحة متوقف منذ فيينا
ويلفت هذا المهندس، إلى أنّ النظام روّج لفكرة الحماية الذاتية، خصوصاً في المناطق التي تسكنها مكونات طائفية تسمّى "أقليات"، مثل منطقة سلمية شرق حماة، ومحافظة السويداء، بعدما استدرج داعش لتخوم هذه المناطق، وأظهر للمدنيين فيها أن البديل له هو التنظيم، وأن الواجب الوطني يحتّم على جميع المدنيين الانخراط في العمل المدني للدفاع عن وجودهم، وفقاً لرواد.
عدم تسليم الرواتب
بدوره، يؤكد أحد موظفي مؤسسة الاتصالات في مدينة حماة لـ"العربي الجديد"، أنه تم بالفعل إرغام عدد من الموظفين على الانتساب لتلك الألوية تحت ضغط التهديد بالفصل من الوظيفة من جهة، والإغراء بتعويض مادي يعادل نصف الراتب من جهة أخرى، مبيناً أن الدوائر الحكومية قامت بداية الشهر الحالي بالامتناع عن تسليم رواتب موظفين لم يوقعوا على أوراق انتسابهم لتلك الألوية، مع تهديدات بالفصل من الوظيفة. ويوضح الموظف ذاته، أنّ التعميمات التي صدرت شملت من هم دون سن 42، إلّا أنه تم الطلب في بعض المؤسسات من موظفين فوق سن الـ45، وتم تهديدهم بالفصل من الوظيفة في حال عدم الامتثال. ويلفت، إلى أن "المشكلة الكبرى في هذا الأمر، أن مجرد القبول بالانتساب يصبح الموظف عرضة بأية لحظة لأن يطلب ويتم الزج به في أية جبهة".
وتداول ناشطون وثيقة (تعميم) من محافظ طرطوس الساحلية، صفوان سليمان أبو سعدى، موجهة إلى الدوائر والمؤسسات الحكومية، يطلب فيها إبلاغ العاملين "حتى سن الأربعين" للالتحاق باللواء التطوعي (145) في مدينة بانياس. وحمل التعميم تحذيراً واضحاً بالفصل من الوظيفة لمن لا يلتحق بالمعسكر.
وتعد الألوية الطوعية المليشيا الوحيدة التابعة لوزارة الدفاع، في حين شكل النظام مجموعات تحت مسميات مختلفة منذ بداية الثورة السورية بهدف قمع التظاهرات والمشاركة في العمليات العسكرية، والتي عرفت باسم "الشبيحة". وتم استخدامها في مهمات إجرامية، كارتكاب المجازر الكبرى، وعمليات التهجير الطائفي، والحرق والسلب لمناطق بأكملها. ويأتي في مقدمتها، "الدفاع الوطني" و"اللجان الشعبية"، و"كتائب البعث" التي انتسب لها عدد من المنتمين لحزب "البعث". يُضاف إليها، "جمعية البستان" التابعة والممولة من رامي مخلوف، فضلاً عن المليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات التي يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني، وباتت اليوم القوة الضاربة للنظام، خصوصاً في جنوب سورية، مثل مليشيا "فاطميون" الأفغانية.
اقرأ أيضاً: لليوم 24..روسيا والنظام يفشلان بالتقدم في ريف حمص الشمالي