بدأت تحركات داخل مجلس الأمن الدولي لتفعيل ملف المحكمة الجنائية ضد النظام السوداني، والذي يمثّل الرئيس السوداني عمر البشير متهماً أساسياً فيه، إذ أصدرت الجنائية في عام 2008 مذكرة توقيف بحقه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور المضطرب. ويأتي هذا التحرك بعد أيام قليلة من إعلان الحكومة عن سيطرتها على كل المناطق في إقليم دارفور، وطرد الحركات المسلحة منه، بعد حرب استمرت أكثر من اثني عشر عاماً بين الطرفين، سيطرت خلالها تلك الحركات على مواقع كثيرة في الإقليم.
وفي السياق نفسه، أدلت المتحدثة الرسمية السابقة باسم البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور، "يوناميد"، عائشة البصيري، يوم الأربعاء، بشهادتها أمام لجنة فرعية في الكونغرس الأميركي، في جلسة تناولت أداء البعثة في إقليم دارفور. وبقيت البصيري منذ استقالتها من منصبها في البعثة، توجّه انتقادات لاذعة لـ"يوناميد" وتتهمها بالتستر على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في دارفور، وأبدت أملها في أن تقنع الكونغرس باتخاذ إجراءات صارمة ضد "يوناميد". وفي إفاداتها أمام اللجنة الفرعية التابعة للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، طالبت البصيري بتقديم مشروع للحكومة الأميركية لإصلاح النظام الداخلي للأمم المتحدة، لتطوير أداء بعثات حفظ السلام في مناطق النزاعات، وشككت في صحة التقارير التي ترفعها "يوناميد" بشأن العنف في دارفور.
في هذه الأثناء، أعلن الجيش السوداني الثلاثاء الماضي رسمياً إقليم دارفور خالياً من التمرد، بعد تأكيدات باستعادة السيطرة على منطقة جبل مرة، كآخر معاقل للتمرد في الإقليم، بعد معارك دامية استمرت ما يزيد عن ثلاثة أشهر شُرد خلالها نحو 130 ألف شخص وفق إحصائيات أممية. في المقابل، كذّبت حركة تحرير السودان، بقيادة عبدالواحد نور، الجيش السوداني، وأكدت استمرار سيطرتها على المناطق الاستراتيجية في جبل مرة، نافية تماماً استعادتها من قبل الحكومة، واعتبرت هذا الأمر مجرد ترويج حكومي لرفع الروح المعنوية لقواتها المنهارة، على حد تعبير الحركة المسلحة.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الحركة، شهاب الدين أحمد حقار، في بيان، تصدّي قوات الحركة للهجمات الحكومية وتكبيدها خسائر في العتاد والأرواح، مؤكداً "عدم دخول الجيش السوداني والمليشيات التي تقاتل معه" إلى أي من مناطق الحركة الاستراتيجية، على الرغم من تكثيف القصف الجوي والمدفعي.
ويرى مراقبون أنه في ظل ظروف الحرب، يحاول كل طرف إظهار نفسه كمنتصر، ويجزمون أنه من الصعب الإعلان عن إنهاء حرب العصابات، لا سيما أن الحرب في دارفور تدخل في ذلك التصنيف، في ظل وجود مجموعات غير منظّمة في إمكانها التجمّع والهجوم من جديد لا سيما مع استمرار الدعم الخارجي لها. وتواجه الحركات المسلحة السودانية عموماً جملة من التعقيدات أثرت عليها عوامل إقليمية وعالمية متصلة بقضية الإرهاب وانشغال المجتمع الدولي بها، فضلاً عن الحروب والتوترات الإقليمية وتآكل التحالفات وتبدّلها، وهو أمر اعترفت به الحركات نفسها، مما أثّر في قوتها العسكرية.
ويقول المحلل السياسي، عبدالمنعم أبو إدريس، لـ"العربي الجديد"، إن الحركات الدارفورية ضعفت خلال العامين الماضيين وتلقت ضربات كبيرة، ولكن في تاريخ حروب العصابات في العالم من المستحيل أن تحصل هزيمة نهائية، لافتاً إلى أن "المناخ قد يتغير في أية لحظة وتظهر تحالفات جديدة وتتغير التحالفات الإقليمية للحكومة أو تتوتر، فضلاً عن أن توفّر السلاح في دارفور والتعقيدات الموجودة، تجعل الباب مفتوحاً أمام العودة إلى المربع الأول في أي وقت".
عملياً، بدأت حوادث الخطف والنهب تعود إلى دارفور من جديد، إذ نقلت تقارير صحافية أنباء عن اعتداء مسلحين على شاب في وضح النهار وسرقة دراجته، كما تم اختطاف شخصين من مركز صحي، بينما تم اختطاف رجل دين مسيحي في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، من قِبل مسلحين. ودافع القيادي في حركة "العدل والمساواة"، أحمد تقد، عن وجود الحركات المسلحة في دارفور، وقال لـ"العربي الجديد" إن حديث الحكومة حول سيطرتها على جبل مرة مجرد ادعاء لا يسنده منطق، وينم عن جهل بطبيعة المنطقة وجغرافيتها، لأنها منطقة جبلية ممتدة في مساحات كبيرة أكبر من مساحة ولاية الجزيرة، الواقعة وسط السودان. وشدد على أن "القوى المسلحة موجودة وبأحجام مختلفة في ولايات دارفور المختلفة، وإعلان الحكومة لا ينفي وجودها على الأرض، ويمكن ان تستأنف العمل العسكري في دارفور في أي وقت تريده ووفق خطتها واستراتيجيتها العسكرية". وأضاف: "يمكن للحكومة أن تحقق بعض الانتصارات هنا وهناك من وقت لآخر، ولكن لا تستطيع القضاء نهائياً على الثورة، وبالتالي من الأجدى لها البحث عن حلول موضوعية للأزمة بدلاً من إطالة أمد الصراع واللجوء لظاهرة خداع النفس بأوهام، نادراً ما تتحقق في المستقبل القريب".