تكمن أهميّة هذا الحكم، في كونه الحكم الأول من نوعه على سياسي لبناني بتهمة التحضير لأعمال إرهابية. إذ غالباً ما تبقى الجريمة السياسيّة من دون كشف في لبنان، مع أن معظم اللبنانيين يُدركون من قام بهذه الجريمة.
إذاً، أصدرت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف، أمس الجمعة، قراراً فسخت فيه الحكم السابق الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، وأصدرت حكمها النهائي والمبرم ورفعت العقوبة إلى 13 سنة أشغالاً شاقة وتجريده من حقوقه المدنية، بعدما اعتبرت أن النية الجرمية توافرت لديه بمحاولة القيام بأعمال إرهابية، وأن علم السلطات بالموضوع هو الذي حال دون تحقيقها.
كما رفضت مقولة سماحة بأن المخبر ميلاد كفوري استدرجه، لأن الشكوك لم تساوره ولم يرفض فكرة ما عُرض عليه، بل كان موافقاً عليه.
وكانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمها الأول في مايو/ أيار من عام 2015، وقضى بسجن سماحة 4 سنوات ونصف سنة (مدة السنة العقابية في لبنان 9 أشهر)، بتهمة "محاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة"، وهو ما أثار موجة من الاستياء بين اللبنانيين، خصوصاً مؤيدي فريق 14 آذار. وقد دفع هذا الأمر حينها، وزير العدل أشرف ريفي إلى نعي المحكمة العسكرية، فيما وصفه النائب وليد جنبلاط بأنه "تشريع للقتل". ثم توترت الأوضاع السياسية مجدداً في منتصف يناير/ كانون الثاني من العام الحالي على خلفية إصدار قاضي التمييز العسكري في لبنان قرار إخلاء سبيل سماحة مقابل كفالة مالية، حددها بـ150 مليون ليرة لبنانية (مائة ألف دولار أميركي)، إضافة إلى منعه من السفر أو الإدلاء بالتصريحات الصحافية. وقد بُرر الأمر بأنه مربوط بانتهاء مدة محكومية سماحة في الحكم الأول، وعدم صدور حكم محكمة التمييز. وأدى هذا الأمر إلى إعادة اشتعال الحملة المناهضة للمحكمة العسكرية، وكان من أحد الأسباب التي دفعت وزير العدل أشرف ريفي إلى تقديم استقالته، وخصوصاً أن الأدلة تؤكد تورط سماحة. كما أن تورّط النظام السوري في التحضير لأعمال إرهابية في لبنان، من خلال سماحة، كان واضحاً عندما طلب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر نقض الحكم الأول الصادر بحق سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية في مايو/ أيار 2015، ومما جاء في طلب صقر يومها أن "ميشال سماحة، وإظهاراً لمدى تفانيه في خدمة النظام السوري، وبغية المزايدة في ولائه له، وخلال إحدى زياراته المتكررة للواء السوري المتهم علي المملوك ومساعده العقيد عدنان، المجهول باقي الهوية، اتفق معهما على تنفيذ أعمال أمنية إرهابية بوضع متفجرات وعبوات ناسفة في أماكن مختلفة من شمال لبنان، بغية استهداف وقتل شخصيات لبنانية وسورية ونواب ورجال دين لبنانيين وغيرهم، بغية إحداث الرعب في صفوفهم وإحداث صدمة كبيرة لديهم، وقد قال له مسؤول الأمن القومي السوري علي مملوك إن عمليات التفجير هذه "أمر مفيد للنظام السوري".
يُذكر أن القوى الأمنيّة قامت بتصوير سماحة وهو يزوّد المخبر ميلاد كفوري بالعبوات، كما صورته خلال إعطاء التوجيهات لتنفيذ مهمته، وسُحبت من هاتف سماحة تسجيلات لاتصالات صوتية بينه وبين مستشارة الأسد، بثينة شعبان، تُشير إلى معرفة الأخيرة بما ينوي سماحة القيام به. وهذا يستدعي تحركاً من الخارجيّة اللبنانيّة.
ومنذ إطلاق سراح سماحة في يناير/ كانون الثاني الماضي، صوّبت العديد من القوى السياسيّة أصابع الاتهام إلى المؤسسة العسكرية، ووصل الأمر إلى اتهامها بالتواطؤ مع حزب الله للإفراج عن سماحة. وقد أدى هذا الأمر إلى استقالة ريفي، وكاد أن يستقيل وزراء تيار المستقبل جميعاً، كما أشار وزير الداخليّة نهاد المشنوق سابقاً.
ونقل مسؤولون في تيار المستقبل أن العلاقة توترت بين رئيس الوزراء السابق، زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، وبين قائد الجيش جان قهوجي على خلفية الإفراج عن سماحة. ووصل الأمر ببعض المسؤولين إلى ربط قرار سحب الهبة السعودية بالإفراج عن سماحة، إذ نقل هؤلاء عن مصادر سعوديّة أن الإفراج عن سماحة، أدى إلى تعزيز الشكوك بسيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية، إلى جانب موقف وزير الخارجيّة اللبناني جبران باسيل في اجتماع مجلس وزراء الخارجيّة العرب ومؤتمر الدول الإسلاميّة.
لاحقاً، بدأت الاتصالات السياسيّة تتسارع. ومنذ نحو ثلاثة أسابيع، بدا عدد من المسؤولين في تيار المستقبل واثقاً من أن الحكم على سماحة سيتجاوز السنوات العشر. وجاءت زيارة الحريري إلى قهوجي في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، لتُعزز ثقة هؤلاء. وقال أحد المسؤولين في التيار، لـ"العربي الجديد"، إن الحريري سمع حينها تأكيدات بأن الحكم على سماحة سيكون مشدداً. وأضاف هذا المسؤول أن هذه التأكيدات دفعت سفير إحدى الدول الخليجيّة إلى عقد جلسات عدة مع ريفي وآخرين، بهدف إقناع ريفي بالعودة عن استقالته من وزارة العدل.