يوماً بعد آخر يتكشف للعلن المستوى العالي من التنسيق بين واشنطن وموسكو، في ما يخص سورية، وتنصُّل الأميركيين من دعمهم للمعارضة. فقد تكثفت الاتصالات في الأيام الماضية بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي جون كيري، وسط معطيات تفيد بأن اتصالات روسية أميركية حققت تقدماً في شأن دفع الفصائل السورية المسلحة إلى التنصل من تنظيمات تتقدمها "جبهة النصرة" والمشاركة في الحرب ضدها، الأمر الذي يعني إيقاع الفصائل في فخ الاقتتال الداخلي.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت، بحسب تقارير صحافية، في الأيام الأولى من شهر يونيو/حزيران الجاري، عن اتصالات يومية بين لافروف وكيري حول الوضع في سورية، تركزت على الحاجة إلى العمل المشترك ضد "جبهة النصرة" وغيرها من الجماعات المصنفة كإرهابية، وسبل تسوية النزاع المسلح في سورية، بما في ذلك ضرورة تنصل من تصنّفها واشنطن بـ"المعارضة المعتدلة" فوراً من تنظيم "النصرة". في الوقت نفسه، أكد لافروف أن موسكو لا تزال مستعدة لتنسيق العمليات القتالية بين الطيران الروسي والطيران الأميركي "ضد الإرهابيين في سورية"، لكنها لن تقبل محاولات إبطاء عملية وضع آلية لمثل هذه التنسيق، الهادفة، في نظره، إلى إعطاء المعارضة المسلحة في سورية وقتاً لاستعادة قدراتها واستئناف الهجمات. ولفت لافروف إلى أنه "في ما يخص التطورات في حلب وحولها، لقد أبلغنا الأميركيين مسبقاً، وهم على علم بأننا سنعمل بمنتهى الفعالية لدعم الجيش السوري من الجو من أجل منع استيلاء الإرهابيين على الأراضي".
وعن واقع النظام السوري، ضمن هذه المعادلة، يرى القضماني أن "النظام قوي بإيران فقط وهو رهينة لدى الروس لتنفيذ مصالحهم، وهذه هي معضلتنا لأن أميركا تساند هذا الدور، ولكن أخيراً المنتصر على الأرض سيفرض إرادته".
وكانت مصادر مطلعة في ريف دمشق وحمص قد أفادت "العربي الجديد" بأن الروس يحاولون التواصل مع فصائل المعارضة السورية، مقدمين لها عروضاً حول ضمان توقف تعرضها للقصف، وضمان وقف العمليات العسكرية، التي تشنها القوات النظامية عليها، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطقها، بل ودعمها عبر سلاح الجو الروسي، مقابل توجيه بنادقها إلى "النصرة" و"داعش" بشكل أساسي، والتي ستكون في مرحلة ثانية باتجاه "جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام"، التي يعتبرهما الروس فصائل إرهابية، على الرغم من دخولهم عملية التفاوض في جنيف والتزامهم بهدنة وقف الأعمال العدائية التي بدأت في 27 من فبراير/ شباط الماضي.
وتعتقد مصادر معارضة أن إعلان الفصائل التنصل من "النصرة" يصطدم بالعديد من المعوقات، على رأسها أن هذا الإعلان سيدخل هذه الفصائل في اقتتال داخلي مع "النصرة" والفصائل التي تصطف إلى جانبها، الأمر الذي من شأنه أن يستنزف الجميع، ويعطي النظام فرصة لترتيب أوراقه، مما يجعله و"داعش" القوى الضاربة في البلاد. كما أن أي تحول من هذا النوع قد يتسبب في حدوث انشقاقات كبيرة داخل بعض الفصائل لمصلحة "النصرة"، لا سيما أن "العصب الديني الجهادي هو العصب الأقوى، الذي يلتف حوله المقاتلون السوريون والأجانب"، وفق اعتقاد مصادر المعارضة السورية.
من جهته، يقول المتحدث العسكري لـ"حركة تحرير حمص"، النقيب رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من خلال الوقائع العسكرية على الأرض يلاحظ توزع الملفات بين روسيا وأميركا في ما يخص التنظيمات المصنفة إرهابيةً، إذ إن ملف جبهة النصرة أصبح من اختصاص روسيا، وعليه تركز روسيا إعلامياً بالتهديد والوعيد لجبهة النصرة ومن يواليها، وما تلاه من ترتيبات وتحذيرات ومهل للفصائل الثورية لإعداد عملية الفرز كما يسوق الإعلام، تمهيداً لعمل عسكري ضد النصرة". ووفقاً لحوراني، "يلاحظ أن الروس نصبوا أنفسهم قائمين على إدارة ملف المناطق المحررة في حمص بديلاً عن نظام الأسد، لاعتبارات منها الوقوف على التوافق الشيعي العلوي في حمص، بذريعة انتشار جبهة النصرة في بعض المناطق".
ويعتبر الصراع في سورية اليوم صراعاً دولياً إقليمياً. ولكل دولة فاعلة في هذه الأزمة مصالحها الخاصة، والتي لا تتوافق مع مصالح الآخرين، مما يجعل الملف السوري شديد التعقيد. وما يزيد الأمر صعوبةً هو أن كل تلك الدول لا ترضى بصيغ الحلول لا تضمن مصالحها. وهذا ما يدفع بالإيرانيين والروس إلى التمسك بوجود بشار الأسد والقوات النظامية والأمنية، لأن هذا الوجود يشكل اليوم الضمانة الوحيدة المتوفرة لعشرات الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهي ما جنته من الحرب السورية دخلت عامها الخامس على التوالي، في حين يعتبر الطرف الآخر أن هذا الوجود يعيق ضمان مصالحه، في وقت تعجز فيه الدول عن التوافق على صيغة لإعادة الاستقرار إلى سورية ووجود سلطة تضمن مصالح الطرفين، ولا سيما أن أغلب تلك المصالح هي وليدة سنوات الصراع المسلح، والاصطفافات السياسية الحادة.