فجر الاثنين، تحوّلت الأنظار إلى منطقة القرن الأفريقي، تحديداً إلى الحدود الإريترية ـ الإثيوبية، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة على جبهة تسورونا، الواقعة في سلسلة جبلية مشتركة بين البلدين. ونقلت وسائل الإعلام العالمية عن الطرفين أن عدداً كبيراً من القتلى سقط، من دون تحديد الأرقام النهائية، في إشارة إلى احتمال استمرار المعارك، خصوصاً أن البلدين تبادلا الاتهامات في شأن من شنّ الهجوم أولاً.
أدى هذا الاستقلال إلى إغلاق مداخل البحر الأحمر تماماً عن إثيوبيا، التي كانت تستند إلى الميناءين الإريتريين، عصب أولاً، ومصوع ثانياً، لتأمين إطلالتها على البحر الأحمر، وتصدير بضائعها للخارج. بالتالي باتت إريتريا تمتلك ساحلاً طويلاً على البحر الأحمر، بطول ألف كيلومتر، كما تتبع لها أكثر من 360 جزيرة، وتتحكّم في طريق الملاحة بالبحر الأحمر، ويمكن استخدام بعض هذه الجزر كموانئ عسكرية وإنشاء مطارات ومحطات رادار. عدا ذلك، تمكنت إريتريا من السيطرة على جزر حنيش اليمنية على مدخل مضيق باب المندب، في البحر الأحمر، منتصف التسعينات، وخاضت نزاعاً عسكرياً مع اليمن في شأنها.
بدت إثيوبيا خاسرة فعلياً من التبدّلات التي كرّسها النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في العام 1991، الذي كان داعماً لنظام منغيستو. حاول الزعيم الإثيوبي الجديد ميليس زيناوي، المولود لأب إثيوبي وأم إريترية، اعتماد "صيغة فدرالية"، تسمح في إبقاء إريتريا تحت السيطرة الإثيوبية، مع حق الحكم الذاتي. رفض رفيق درب زيناوي في الحروب الطويلة مع نظام منغيستو، إسياس أفورقي، ذلك. بناءً عليه، اندلعت الحرب بين البلدين، بين عامي 1998 و2000، وسقط فيها أكثر من 300 ألف قتيل، خصوصاً على جبهات تسورونا وبادمي وبوري.
انتهت الحرب بعد توقيع الجانبين على اتفاق الجزائر في العام 2000، الذي نصّ على تكليف قوات حفظ السلام من 60 دولة، بحفظ الأمن في "منطقة آمنة مؤقتة"، على مساحة 25 كيلومتراً بين الجانبين. كما منحت محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 2002، إريتريا الحقّ في منطقة بادمي، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى خروج القوات الإثيوبية منها، ما ترك الأبواب مفتوحة لتجدّد الحرب في أي لحظة بين البلدين، كما حصل فجر الاثنين، وكاد أن يحصل في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
لا يبدو أن الاشتباكات الأخيرة بين البلدين ستدفع بالأمور قدماً سياسياً، أو على صعيد تطبيق إثيوبيا قرار لاهاي، فأديس أبابا تعمل من دون كلل على الانتهاء من أعمال سدّ النهضة على نهر النيل، المفترض أن يؤدي لنقلة نوعية في الاقتصاد الإثيوبي، ما يسمح لها بالضغط على إريتريا، لناحية مدّها بالماء لأغراضها الزراعية، أو بالكهرباء، وفقاً للطاقة التي سيستولدها السدّ. وقد تكون حرب تسورونا الخاطفة قبل يومين، مجرّد تمهيد لحرب مقبلة في بادمي، تستبق اكتمال إنشاء السدّ.