صراعات "تيارات المستقبل" في لبنان: أكثر من أزمة تنظيمية

06 يونيو 2016
يعاني المستقبل من ترهّل تنظيمي (حسين بيضون)
+ الخط -

يعيش "تيار المستقبل" اللبناني المرحلة التالية لعودة رئيسه، رئيس الحكومة السابق، النائب سعد الحريري، إلى البلاد، بعد غياب قسري فرضته التهديدات الأمنية. وهي مرحلة تتّسم بالسلبية على الصعيد الداخلي للتيار، وعلى صعيد الخلافات السياسية الحادة مع حلفاء الأمس في فريق 14 آذار.

غاب الحريري لمدة 5 سنوات، تخللتها زيارات خاطفة إلى بيروت، وعاد ليجد أن الخلافات التنظيمية والسياسية بين حلفاء الأمس ورفاق "الحرية والسيادة والاستقلال"، باتت أكبر من حلها داخل الأروقة الحزبية والتنظيمية. وكشفت التطورات والاستحقاقات السياسية حجم التباين بين الأطراف وداخل التيار.

أنتج غياب الحريري والأزمة المالية التي لحقت به على الصعيدين الشخصي والسياسي، قيادات مستقبلية محلية، مارست دورها في ظلّ غياب رأس التيار. وحفرت الطموحات السياسية والشخصية لبعض هذه الشخصيات، مسارات عمل مستقلة عن الحريري الابن، وتحت سلطة وشعار "الحريرية السياسية" التي أسسها الأب رفيق الحريري. تفجر الخلاف داخل التيار الأزرق أخيراً، بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، التي أسست لفصل كامل بين وزير العدل المُستقيل أشرف ريفي وبين تيار المستقبل.

وعلى الرغم من إعلان ريفي انتماءه إلى "الحريرية السياسية"، إلا أنه خاض الانتخابات البلدية في مدينة طرابلس، شمال لبنان، بوجه تحالف ضمّ رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي ونواب المدينة والجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الإسلامية والوزير السابق فيصل كرامي، وفاز بمعظم مقاعد المجلس البلدي. كما نجح المرشحون المدعومون من ريفي في خرق بلديات أخرى في الشمال اللبناني، وهي بلديات خسرها "تيار المستقبل" لصالح العديد من الفعاليات المحلية ومن بينها ريفي.



سبق لوزير العدل المستقيل أن أعلن استقلاله عن "تيار المستقبل"، وأنه "لم ينتم يوماً إلى تيار المستقبل على صعيد تنظيمي"، واصفاً نفسه بأنه ينتمي "للحالة الحريرية". كما أتت استقالته من الحكومة التي سمّاه فيها سعد الحريري وزيراً للعدل، من دون التنسيق مع الحريري، على خلفية عدم إحالة ملف ميشال سماحة، المدان بإدخال عشرات العبوات الناسفة من سورية إلى لبنان للقيام بسلسلة من الاغتيالات، إلى المجلس العدلي، ومن ثم الإفراج عنه لفترة قصيرة، قبل صدور حكم بسجنه عشر سنوات تحت الضغوط السياسية والشعبية.

وكما في الاستحقاق البلدي، يُشكّل الخلاف الدائر حول الانتخابات الرئاسية في لبنان مدخلاً لصراع ثانٍ داخل "المستقبل"، ولكنه هذه المرة مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق. يوصف المشنوق بأنه أحد "صقور المستقبل"، وهو من أحد ممثليه في الحكومة وعلى طاولة الحوار الثنائي مع "حزب الله". كما منحت وزارة الداخلية المشنوق منصة للتواصل مع القادة العرب والأجانب، الذين يبحث معهم شؤون "مكافحة الإرهاب".
وقد أعرب المشنوق أخيراً عن استقلاليته عن سعد الحريري، من خلال المواقف التي أطلقها خلال مقابلة تلفزيونية، قال فيها إن "ضغوط سعودية بتوجيه بريطاني، مورست على سعد الحريري لترشيح رئيس تيار المردة، النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية". وهو تصريح استوجب رداً ثلاثياً من السفارتين السعودية والبريطانية ومن عضو كتلة المستقبل النيابية، النائب عمار حوري، رفضاً لها.

وقد وصف حوري تصريحات المشنوق بأنها "تُعبّر عن رأيه الشخصي وليس عن رأي تيار المستقبل"، ليجيبه المشنوق عبر موقع "تويتر" بأنها "تعبير عن ضمير مستتر داخل تيار المستقبل". ثم نفى مكتب المشنوق الإعلامي، سريعاً، تصريحات نقلتها عنه إحدى القنوات المحلية، تحدث فيها بشكل سيئ عن الدور السعودي في لبنان. وهو دور "ينقل سعد الحريري من ممثل سياسي أوحد للطائفة السنية في لبنان، إلى ممثل واحد ضمن مجموعة أطراف سياسية سنية تجمعها السعودية حالياً لتوحيد صف الطائفة"، كما يقول مسؤول في أحد الأحزاب السنية في لبنان لـ"العربي الجديد".

ويرفض النائب عمار حوري الحديث عن الخلاف المُتفاقم داخل تيار المستقبل، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "ما قيل كان كافياً لتأكيد الوزير المشنوق أن كلامه لا يعبر عن وجهة نظر تيار المستقبل من الاستحقاق الرئاسي". كما يُسجل غياب معظم النواب الفاعلين في كتلة المستقبل النيابية عن السمع، وهو غياب يُبرره أحد المسؤولين الإعلاميين بالقول إن "أي موقف قد يصدر الآن سيُسحب مع فريق ضد آخر داخل التيار". وكأن تقسيم تيار المُستقبل بات أمراً واقعاً يتعامل معه النواب. وذلك في ظل ترهل تنظيمي عبرت عنه نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في مُختلف المناطق اللبنانية، والخلافات داخل ماكينة المستقبل الانتخابية التي ظهر بعضها إلى العلن عند اعتراض المندوبين على تأخر دفع مستحقاتهم، وتحول تجمعهم أمام أحد مراكز "تيار المستقبل" في بيروت إلى ما يشبه التظاهرة المطلبية.

كما تبادل نواب المناطق ومنسقو التيار في هذه المناطق الاتهامات بالمسؤولية عن تراجع نسبة التصويت، وعدم التزام كافة المنتمين لتيار المستقبل بالتصويت للوائح التي دعمها "المستقبل". فضلاً عن ذلك تبدو الصورة سيئة في المؤسسات الإعلامية التابعة للحريري، كإذاعة الشرق وتلفزيون وصحيفة المستقبل التي يعاني موظفوها من عدم دفع مستحقاتهم المالية لأشهر طويلة. ومع اعتماد الحريري على مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع جمهوره ومناصريه، ينتظر اللبنانيون خطابه السنوي خلال إفطار رمضان، علّه يحمل جديداً على صعيد الخلافات الداخلية التي حولت التيار السياسي الذي ورثه عن والده إلى تيارات متباينة.