اعتداءُ عادل كرميش على كنيسة سان إتيان دي روفري وتورطه في ذبح كاهن، ليس اعتداء ينفذه واحد من "الذئاب المنفردة"؛ فهذا الشاب، والذي لم يتجاوز 19 عاماً، كان معروفاً لدى الشرطة الفرنسية، ابتداءً من شهر مارس/ آذار 2015، بميوله و"أفكاره المتطرفة".
عبرت عن ميوله المتشددة رحلتان فاشلتان للحاق بتنظيم "داعش" في سورية؛ الأولى، في مارس/ آذار 2015، أفشلتها الشرطة الألمانية وأعادته إلى بلده فرنسا، وهو لا يزال حَدَثاً، والثانية في مايو/ أيار 2015، حين أعاده الأتراك، بعدما بلغ سن الرشد.
هذا الفشل المتكرّر في اللحاق بتنظيم "داعش" في سورية جعل السلطات الفرنسية تستشعر خطورته، فسجنته لعشرة أشهر، رغم ادعائه أن "سفره من أجل تعليم اللغة العربية"، قبل أن تضعه في الإقامة الإجبارية، في بيت والديه، يحرُسُه سوار إلكتروني، مع واجب الحضور مرة كل أسبوع لمركز الشرطة، وليس له الحق، بعدما سلّم جوازه وأوراق هويته للشرطة، في الخروج من البيت، سوى من الثامنة والنصف إلى الثانية عشرة والنصف.
ويرى كثيرون أن الظروف الاجتماعية المحيطة بعادل كرميش مُساعِدةٌ على السقوط في "مستنقع التطرف والإرهاب"، إذ كان على علاقة مع الكثير من "المتشددين"، وهو ما يؤكده التحاق عادل بوعون، والذي تعرَّف في مسجد البلدة على عادل كرميش، قبل شهر من سفره، بسورية، مستخدما جواز سفر عادل كرميش.
وكان تأثير بوعون على كرميش كبيرا، فهو الذي عرّفه على تنظيم "داعش"، وهو ما اعترف به كرميش، ومن دون مواربة، أمام القاضي الفرنسي.
وبفضل هذا "المسار السريع للتطرف"، وهو مصطلح بدأ استخدامه قبل فترة قصيرة، لتفسير تحولات مفاجئة لدى بعض الأفراد، أي في شهرين فقط، تغير عادل كرميش، بصفة راديكالية، وأصبح إنسانا آخر، يقضي معظم وقته على الشبكة العنكبوتية.
تاريخ كرميش، الفرنسي الجزائري، القصير في "التطرف" يعجّ بلقاءات وزيارات إلى مراكز الشرطة، فقد استجوبته الشرطة حول قضية تسليمه جوازه لعادل بوعون للسفر إلى سورية.
كل المؤشرات كانت تدل على أنه سينفجر في لحظة ما. والده يصفه بـ"المتعصب الديني"، وله أخٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة، والدته إنسانة عادية وهادئة، لا تضع حجاباً على شعرها ولا يُعرَف عنها أيّ تدين، وصديق له يتحدث عن "رغبته في الموت بشكل مبكر"، وإحدى صديقاته تتحدث عن "رغبته في "الاستشهاد"".
عادل انتهك، في 11 مايو/ أيار 2015، المراقبة القضائية، والتي فرضت عليه، وسافر إلى تركيا، عبر جنيف، مستخدماً أوراق هويّة تعود لقريب له، مع صديق في الخامسة عشرة من عمره، تعرّف عليه عبر "فيسبوك". لكن السلطات التركية اكتشفتهما فأعادتهما إلى فرنسا.
من يعرفه يقول إن نفسيته لم تكن سوية، وهذا ما يؤكده تحقيق على شخصيته أُجْرِي له في السجن.
كان الفتى عادل ما بين سن السادسة والثالثة عشرة يُتابع علاجاً في مركز "طبي سيكولوجي"، وكان يلجأ للأدوية، بفعل شخصيته المتقلبة، الملائكية حيناً والشيطانية أحياناً أخرى.
كما تقلَّبَ بين مستشفيات عديدة، وهو ما جعله يعيش صعوبة في التأقلم مع الآخرين، فَتعرّض للطرد من المدرسة.
وبعد سنتين من العلاج في وحدة طب نفسية في المركز الطبي الجامعي ببلدة روفراي، عاد للدراسة بشكل عادي. لكن مشاكله في التأقلم مع الآخرين جعلت المسؤولين في الثانوية التي يدرس فيها يوقفونه بضعة أيام، خلال عام 2013، عن الدراسة، وهو ما اعتبره ظُلماً.
وفي سن السادسة عشرة، أوقف مسار الدراسة على الرغم من مستواه العالي.
ظروف عديدة قادت عادل كرميش وزميله، والذي لم يتم التعرف عليه بعد، إلى اقتراف هذا الاعتداء الشنيع على الكنيسة. ولكنّ الظروف الصحية والنفسية لا يمكنها أن تخفي شخصاً مُصمّماً على الانتقال إلى طور العنف (محاولتان للوصول إلى سورية)، وهو ما أفصح عنه كثيرٌ من الذين التقوا به (لم يكن له أصدقاء بمعنى الكلمة، وكانوا يعتبرونه مُهرّجاً)، والذين تحدّثوا، في وسائل الإعلام، عن شخصية متهيّجة، لا يُخفي رغبته، أمام أنظار الجميع، في السفر إلى سورية، وفي التعرض لأهداف في فرنسا.
يقول شابّ من أصول مغاربية من الذين عرفوه: "كان يحاول، بإصرار، أن يُجنّدَنا لقضيته"، وكان "يتحدث عن إخوانه المسلمين الذين قُتلوا في أقصى الأرض على الرغم من أنه لم يكن يعرف شيئاً عن الدين".
ومع ذلك، يبقى اعتداء أمس واحداً من الضربات القاسية، بسبب طبيعته واستهدافه لكنيسة، ولأنه سيعمق، مرة أخرى، جراح فرنسا، ويهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك فيها.
النظام السياسي الفرنسي يحاول، بكثير من الصعوبة والتردد، وأحياناً العجز، كما أوضح بعض المقربين من الإيليزيه، احتواء الحلول "الأمنية" الصارمة التي تقترحها المعارضة اليمينية بكل أطيافها، والتي يُزايد فيها البعضُ على البعض الآخر، وعيونُهُ على الانتخابات المقبلة، عن طريق إشهار "سلاح الجمهورية القادر على حماية الفرنسيين"، كما صرّح الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، صباح يوم الأربعاء 27 يوليو/ تموز، من أجل مواجهة أي محاولة لشق صفّ الفرنسيين.