وفي يوم دراسي نظمه مركز "أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، لمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على عدوان لبنان، اعتبر الجنرال احتياط عاموس يادلين، أن العبرة الأساسية من الحرب على لبنان تكمن في أنّ إسرائيل سمحت لنفسها أن "تلعب وفق قواعد حزب الله واكتفت خلال العدوان بمحاربة الحزب ومواقعه من دون أن تدرك أنّها حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان ككل حكومة وشعباً"، عندها سيختلف، باعتقاد يادلين، الموقف الدولي. وبحسب يادلين، فإن الحرب، في حال نشوبها مجدداً، كمواجهة عسكرية شاملة بين إسرائيل ولبنان وليس فقط مع حزب الله، ستدفع المجتمع الدولي إلى التدخل خلال ثلاثة أيام، لأن أمر لبنان ككل يختلف في حسابات المجتمع الدولي.
وبموازاة عشرات ومئات التقارير والأبحاث التي أجريت ونشرت في إسرائيل بهذا الشأن، جرت تغييرات أخرى في سياق استعداد إسرائيل للمواجهة العسكرية المقبلة، والتي يقر كثيرون في إسرائيل بأنها ستندلع لا محالة، سواء اقتصرت على مواجهة مع حزب الله أم مواجهة عسكرية في قطاع غزة. وأهم هذه التغييرات التي نجمت عن التغيير في قيادة الجيش الإسرائيلي وتعيين الجنرال غادي أيزنكوت رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي ليأتي بخطة لتطوير وإعادة هيكلة الجيش، إن بالصفوف أو في العقيدة القتالية، والتي عُرفت باسم "خطة غدعون"، وأقرها الكابينيت (مجلس وزاري مصغّر) الإسرائيلي في 16 إبريل/ نيسان الماضي. وتقوم هذه الخطة على أساس إعادة الاعتبار في المواجهات المقبلة لسلاح البر انطلاقاً من وجوب العودة في الحرب المقبلة إلى نمط التوغل في أراضي العدو وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية وبعمليات برية محدودة.
في هذا السياق، نشرت "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، مقابلة خاصة مع قائد سلاح البر، الجنرال كوبي براك، يتحدث فيها عن الأهمية التي يتولاها سلاح البر في الاستعداد للحرب المقبلة ودوره فيها، مع دلالات ضم قسم التخطيط اللوجستي لسلاح البر، ووضع جنرالين اثنين تحت قيادته على الرغم من أنهم يتساوون في التراتبية العسكرية.
ويقول براك للكاتب العسكري الذي أجرى معه المقابلة في الصحيفة، أليكس فيشمان، إنه "من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة، بحسب التنظيم الجديد والوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي التي وضعها أيزنكوت، يجب أن يكون القائد الميداني قادراً على إصدار الأوامر للقيادات العليا في غرفة قيادة العمليات لاعتراض صاروخ أو قذيفة، بعد أن يكونوا مجهزين بكل الوسائل التكنولوجية اللازمة لجمع المعلومات من الميدان، وتحديد مواقع الضربات التي يريدون استهدافها".
ويكشف الجنرال براك عن أنه إلى جانب القدرات الاستخباراتية والميدانية، فإن التشكيلة الجديدة ستعني أيضاً قدرة القوات البرية على شن هجوم وهم يتمتعون بحماية كاملة وبمساعدة الروبوتات الإلكترونية ووسائل التصوير للمسافات القصيرة (الكاميرات الطائرة)، لتوفير صورة واضحة لساحة القتال البرية التي تنشط فيها. ووفقاً لفيشمان، فإنّه عندما يتم إدخال هذه التغييرات على سلاح البر في الجيش لاستعادة قدرات المناورات البرية، عندها يمكن العودة للحديث عن حسم المعركة والحرب وليس فقط السعي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، أو حزب الله في لبنان.
ويندرج هذا الاستعداد في سياق العمل على تحقيق الهدفين اللذين حددهما أيزنكوت في ختام استخلاص العبر من المواجهات العسكرية التي خاضها جيش الاحتلال في العقد الأخير: الأول، أنّه يجب على سلاح البر أن ينتقل بسرعة وخلال وقت قصير إلى حالة الهجوم داخل أرض العدو، وذلك للقضاء على الخطر الصاروخي الذي يهدد الجبهة الداخلية. أمّا الهدف الثاني، فيكمن في التطبيق الملموس لمصطلح الردع من خلال الإبادة التامة (المقاتلون، والبنى التحتية، والأسلحة). مثل هذا الأمر يمكن اليوم تحقيقه فقط، بحسب العقيدة الجديدة، إذا كان بمقدور قوات سلاح البر المناورة والتحرك إلى قلب عرين العدو.
ويكشف هذا النشاط التصور المستقبلي لطبيعة المواجهة العسكرية المقبلة التي تعتمد على مناورة القوات البرية في قلب ميادين القتال، إذ إن الحرب المقبلة، وفق الجنرال براك، "ستبدأ وستتعرض دولة إسرائيل لهجوم صاروخي وإطلاق نار، وهو أمر بمقدورنا مواجهته، إلا أن المشكلة تكمن في تعامل الجمهور معها، ومعرفة كيفية مجرى سير استدعاء قوات الاحتياط وتجنيد القوات وتحريكها ونقلها من موقع إلى آخر". الحرب المقبلة، كما يصفها براك، تشبه إلى حد بعيد "الحرب العالمية الثانية، حرب شاملة تكون فيها الجبهة الداخلية والجيش والمواقع العسكرية والمدن تحت القصف، وبالتالي فإنه فقط من خلال القدرات اللوجستية سيتمكن الجيش من مواصلة القتال وإدارة العمليات الحربية".
ويقر الجنرال براك بأن بوادر هذه الحرب بدأت عملياً في الحرب الأخيرة على غزة، "عندها عرفنا وشعرنا ماذا يعني ضرب الجبهة الداخلية، وضرب العمق الإسرائيلي الذي تمثل بضرب مطار بن غوريون، وماذا يعني القتال في الشجاعية، وفي بيئة مأهولة بالسكان، وماذا يعني القتال تحت الأرض، وحالات تسلل قوات وعناصر كوماندوس وراء خطوطنا، وضرب مراكز الغذاء المعدة لحالات الطوارئ. ستكون سلسلة القتال اللوجستية بدءا من مخازن الغذاء، مروراً بمخازن السلاح، أي كل تجمعات الجنود والقوات، تحت القصف".