تتساءل عائلة آل دوابشة عن مصير الملف الذي رفعته السلطة الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية قبل عام، لمحاكمة المجرمين الإسرائيليين الذين أحرقوا عائلة سعد دوابشة، في جريمة قضى فيها الأب سعد، والأم ريهام، والرضيع علي، فيما نجا أحمد بمعجزة.
طرح السؤال اليوم حول ملف "المحكمة الجنائية"، ومصير المذكرة، التي رفعها المسؤولون الفلسطينيون للمدعية العامة، يقود إلى طرح سؤال آخر حول مصير المستوطنين القتلة، الذين لم يحاكموا بعد، في الوقت الذي تحل فيه الذكرى السنوية الأولى لمحرقة عائلة دوابشة غداً، الأحد.
تحل الذكرى دون أي تغيير يذكر، بعد، على كل الوعود التي أطلقت بالاقتصاص من القتلة وبتحريك قضية العائلة عبر المحاكم الدولية، وبتحويل بيت العائلة، أي مسرح الجريمة، إلى متحف يخلد ذكرى أفرادها، ويبقيه مزاراً شاهداً على إجرام المستوطنين الإسرائيليين.
التغيير الوحيد، الذي تعيشه عائلة دوابشة، هو عودة الطفل أحمد من رحلة علاج مكثفة، الأسبوع الماضي، إذ أنهى علاجه في مستشفيات الاحتلال، والتي سيزورها مرة في الأسبوع للمراجعة، فيما سيتم استكمال عمليات تجميلية لجسده المحترق على مدار السنوات المقبلة.
ويعيش أحمد تحت رعاية مباشرة من أجداده الأربعة، الذين يتناوبون على العناية به. لكن هؤلاء يواجهون تفاصيل وأسئلة من الطفل لا يحملون لها أي جواب، حول سبب حرق منزل العائلة، وعما إذا كان "في الجنة أجهزة تلفون ليتحدث مع أبيه وأمه وشقيقه".
أسئلة يطرحها أحمد على جدته، رحاب دوابشة، البالغة من العمر 68 عاماً. أما زوجها، محمد دوابشة، البالغ من العمر 70 عاماً، والذي يعاني من وضع صحي صعب، فيروي كيف يبادره أحمد عندما يراه يتألم على سريره قائلاً له "والدي سيأخذك إلى المستشفى لأنه يحسن قيادة السيارة". يقول الجد: "أصعب شيء عندما يغافلنا أحمد ويذهب إلى بيت عائلته المحروق الذي لا يبعد أكثر من 50 متراً عن بيتنا، نظنه يلعب مع أولاد عمه في ساحة الدار، ولكن بغضون دقائق يباغت الجميع، ويتسلل إلى بيت عائلته المحترق والمغلق، فنذهب إلى هناك ونعيده إلى البيت".
ويمضي أحمد وقته ما بين بيت جديه محمد وحسين، والكل ينتظر إتمام بناء البيت الجديد الذي وعدت السلطة الفلسطينية أن تبنيه لأحمد ويجمع أجداده الأربعة في مكان واحد لرعايته. ويقول عمه نصر إن "البيت سيكون جاهزاً بعد بضعة أشهر ربما ثلاثة أو أربعة، وسيضم أجداد أحمد الأربعة لرعايته". وتذكر جدته رحاب أن المستوطنين حرقوا "شجرة عائلة ابني سعد، ولم يبق من الشجرة سوى فرع واحد هو أحمد، سنكرّس ما تبقى من حياتنا لرعايته". أما جده لأمه، حسين، والذي تولى الإقامة معه بالمستشفى طوال عام كامل، فقد كرّس حياته لرعاية الطفل، لكن خوفه عليه لم ينقطع، إذ يخشى من اعتداء آخر للمستوطنين يستهدف الطفل، الذي أصبح رمزاً يفضح همجية الاحتلال.
يقول حسين إنه جهز غرفة كاملة لأحمد في بيته حتى يستقر فيه، مضيفاً أنه يخشى أن يدعه ينام لوحده، خوفاً من أن "يتسلل المستوطنون مثل المرة الأولى وينفذون وعيدهم وتهديدهم بالقضاء على أحمد، كما تشير كتابات المستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعي". ويتابع الجد: "ينام أحمد في حضني، فهو يخاف النوم في غرفته خوفاً من الحريق، ويبدأ بالليل بتذكر كيف احترق منزل عائلته واختبأ وراء الكرسي وبدأ ينادي على والده فزعاً". كانت تلك اللحظة قاسية عليه، لأنه كان ينادي والده للاقتراب منه، في حين كان الوالد يصرخ ألماً قبل أن يلفظ أنفاسه، بحسب رواية الجدّ.
اقــرأ أيضاً
يبدو أحمد طفلاً هادئاً جداً وخجولاً، يركز على ألعابه الإلكترونية، ويتجنب النظر بشكل مباشر إلى عيني أي شخص من حوله، رغم ازدحام المكان بالأقارب والزوار. ويرفض أية محاولة لتقبيله حتى الآن. وبدأ الأمر من المستشفى التي كان يتلقى العلاج فيها، وكان يزوره العشرات كل يوم. لكن الأطباء أخبروه بضرورة ألا يقبّله أحد حتى لا تتلوث حروقه. لكن الطفل لا يزال يلتزم بهذا التوجيه حتى الآن.
اللافت في الأمر عدم وجود أي أخصائي نفسي يتابع أحمد عن قرب. ولم تعيّن السلطة الفلسطينية أي أخصائي، حتى الآن، ليتفرغ بشكل كامل أو جزئي لتأهيل الطفل نفسياً بعد كل ما أصابه.
يقول الجد حسين "سنطالب السلطة الفلسطينية بمساعدة أحمد عبر تعيين أخصائي نفسي، لأن هذا الأمر مهم له ليتخطى ألمه بطريقة صحيحة". وفي جولة قصيرة مع الجد نحو بيت سعد دوابشة، يبدي الجد أسفه كون البيت لا يزال على حاله منذ عام.
وكانت عائلة دوابشة قد قررت تحويل المنزل إلى متحف ليبقى شاهداً على محرقة الاحتلال وجرائمه، الأمر الذي استجاب له الرئيس، محمود عباس، في حينه، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن، مع حلول الذكرى السنوية الأولى للجريمة. في هذا الإطار، يقول عم أحمد، نصر: "بعد أسبوع من المحرقة حصلنا على موافقة الرئيس لإنشاء المتحف، لكنْ هناك تلكؤ من بعض الوزارات"، مضيفاً أن العائلة "بادرت مع نقابة المهندسين إلى وضع تصميم ومخطط للمتحف، وقامت بتسليمه في شهر رمضان الماضي إلى وزارة الأشغال" لتبدأ بتأمين التمويل اللازم له، والذي يرجح أن يتم من خلال جمع التبرعات. ويتابع أن "رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد لله، أبدى دعمه وإسناده لنا، لكننا علمنا من بعض الأوساط في الحكومة أن الأخيرة حولت الموضوع إلى الصناديق العربية للبحث عن ممول لمشروع المتحف"، على الرغم من إصرار العائلة على أنها "تريد بناء المتحف بأموال فلسطينية خالصة، بحيث يرفع العلم الفلسطيني على المتحف فيما بعد". ويؤكد نصر أن هذا ما قاله لرئيس الوزراء قبل شهرين وأن الأخير "وافق عليه، لكن لا أعلم ماذا جرى بعدها"، حسب تعبيره. ويختم قائلاً إنهم كانوا يأملون "أن تتم هذه الأمور في وقت أبكر، لكن هذا ما جرى، ولولا تحركنا ومراجعتنا المستمرة لملف عائلة دوابشة، لبقي الملف في أرضه، ولم يكن أحد ليراجع أو يسأل عن الأمر من باب الاهتمام.. للأسف"، على حد تعبيره.
وفيما تتابع العائلة منذ نحو عام أمر البيت الجديد والمتحف والقضية في المحكمة الجنائية الدولية، وكلها أمور لم تنجز بعد، يستعد أحمد، الشهر المقبل، لارتياد الصف الأول في مدرسة القرية التي قررت السلطة الفلسطينية إعادة تسميتها بـ "مدرسة الشهيد علي سعد دوابشة"، أي سيكون أحمد على موعد يومي للذهاب إلى مدرسة تحمل اسم شقيقه الرضيع، مما يعني بالنسبة إليه المزيد من جرعات الوجع والذكريات اليومية دون أي تطور حقيقي في قضيته.
تحل الذكرى دون أي تغيير يذكر، بعد، على كل الوعود التي أطلقت بالاقتصاص من القتلة وبتحريك قضية العائلة عبر المحاكم الدولية، وبتحويل بيت العائلة، أي مسرح الجريمة، إلى متحف يخلد ذكرى أفرادها، ويبقيه مزاراً شاهداً على إجرام المستوطنين الإسرائيليين.
التغيير الوحيد، الذي تعيشه عائلة دوابشة، هو عودة الطفل أحمد من رحلة علاج مكثفة، الأسبوع الماضي، إذ أنهى علاجه في مستشفيات الاحتلال، والتي سيزورها مرة في الأسبوع للمراجعة، فيما سيتم استكمال عمليات تجميلية لجسده المحترق على مدار السنوات المقبلة.
أسئلة يطرحها أحمد على جدته، رحاب دوابشة، البالغة من العمر 68 عاماً. أما زوجها، محمد دوابشة، البالغ من العمر 70 عاماً، والذي يعاني من وضع صحي صعب، فيروي كيف يبادره أحمد عندما يراه يتألم على سريره قائلاً له "والدي سيأخذك إلى المستشفى لأنه يحسن قيادة السيارة". يقول الجد: "أصعب شيء عندما يغافلنا أحمد ويذهب إلى بيت عائلته المحروق الذي لا يبعد أكثر من 50 متراً عن بيتنا، نظنه يلعب مع أولاد عمه في ساحة الدار، ولكن بغضون دقائق يباغت الجميع، ويتسلل إلى بيت عائلته المحترق والمغلق، فنذهب إلى هناك ونعيده إلى البيت".
ويمضي أحمد وقته ما بين بيت جديه محمد وحسين، والكل ينتظر إتمام بناء البيت الجديد الذي وعدت السلطة الفلسطينية أن تبنيه لأحمد ويجمع أجداده الأربعة في مكان واحد لرعايته. ويقول عمه نصر إن "البيت سيكون جاهزاً بعد بضعة أشهر ربما ثلاثة أو أربعة، وسيضم أجداد أحمد الأربعة لرعايته". وتذكر جدته رحاب أن المستوطنين حرقوا "شجرة عائلة ابني سعد، ولم يبق من الشجرة سوى فرع واحد هو أحمد، سنكرّس ما تبقى من حياتنا لرعايته". أما جده لأمه، حسين، والذي تولى الإقامة معه بالمستشفى طوال عام كامل، فقد كرّس حياته لرعاية الطفل، لكن خوفه عليه لم ينقطع، إذ يخشى من اعتداء آخر للمستوطنين يستهدف الطفل، الذي أصبح رمزاً يفضح همجية الاحتلال.
يقول حسين إنه جهز غرفة كاملة لأحمد في بيته حتى يستقر فيه، مضيفاً أنه يخشى أن يدعه ينام لوحده، خوفاً من أن "يتسلل المستوطنون مثل المرة الأولى وينفذون وعيدهم وتهديدهم بالقضاء على أحمد، كما تشير كتابات المستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعي". ويتابع الجد: "ينام أحمد في حضني، فهو يخاف النوم في غرفته خوفاً من الحريق، ويبدأ بالليل بتذكر كيف احترق منزل عائلته واختبأ وراء الكرسي وبدأ ينادي على والده فزعاً". كانت تلك اللحظة قاسية عليه، لأنه كان ينادي والده للاقتراب منه، في حين كان الوالد يصرخ ألماً قبل أن يلفظ أنفاسه، بحسب رواية الجدّ.
يبدو أحمد طفلاً هادئاً جداً وخجولاً، يركز على ألعابه الإلكترونية، ويتجنب النظر بشكل مباشر إلى عيني أي شخص من حوله، رغم ازدحام المكان بالأقارب والزوار. ويرفض أية محاولة لتقبيله حتى الآن. وبدأ الأمر من المستشفى التي كان يتلقى العلاج فيها، وكان يزوره العشرات كل يوم. لكن الأطباء أخبروه بضرورة ألا يقبّله أحد حتى لا تتلوث حروقه. لكن الطفل لا يزال يلتزم بهذا التوجيه حتى الآن.
اللافت في الأمر عدم وجود أي أخصائي نفسي يتابع أحمد عن قرب. ولم تعيّن السلطة الفلسطينية أي أخصائي، حتى الآن، ليتفرغ بشكل كامل أو جزئي لتأهيل الطفل نفسياً بعد كل ما أصابه.
يقول الجد حسين "سنطالب السلطة الفلسطينية بمساعدة أحمد عبر تعيين أخصائي نفسي، لأن هذا الأمر مهم له ليتخطى ألمه بطريقة صحيحة". وفي جولة قصيرة مع الجد نحو بيت سعد دوابشة، يبدي الجد أسفه كون البيت لا يزال على حاله منذ عام.
وفيما تتابع العائلة منذ نحو عام أمر البيت الجديد والمتحف والقضية في المحكمة الجنائية الدولية، وكلها أمور لم تنجز بعد، يستعد أحمد، الشهر المقبل، لارتياد الصف الأول في مدرسة القرية التي قررت السلطة الفلسطينية إعادة تسميتها بـ "مدرسة الشهيد علي سعد دوابشة"، أي سيكون أحمد على موعد يومي للذهاب إلى مدرسة تحمل اسم شقيقه الرضيع، مما يعني بالنسبة إليه المزيد من جرعات الوجع والذكريات اليومية دون أي تطور حقيقي في قضيته.