تنازلات أميركية ومجازر متنقلة تمهّد لهدنة كيري ــ لافروف

عدنان علي

avata
عدنان علي
11 سبتمبر 2016
C1ADFD3C-9F8E-42C1-827A-5B3910B80DEA
+ الخط -
يحلو لكثيرين اعتبار المجازر التي نفذتها المقاتلات الروسية والسورية في مدينتي إدلب وحلب، أمس السبت، بداية فعلية لتنفيذ الاتفاق الأميركي ــ الروسي الذي أعلن عنه كل من وزيري الخارجية الأميركية والروسية، جون كيري وسيرغي لافروف، أول من أمس الجمعة، من مدينة جنيف السويسرية. الاتفاق الذي يظهر أن كيري تنازل فيه عن اللاءات الأميركية السابقة، لناحية وقف استهداف الفصائل السورية المسلحة تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، يبدو بنظر عديدين اتفاق تقاسم غارات القتل بين الروس والأميركيين. تفاهم لم يظهر منه إلا ما يشي بتقاسم مهام تصفية الفصائل السورية التي تحارب النظام من دون أن يلحظ بحرف واحد المليشيات الطائفية متعددة الجنسيات التي ترتكب مجازر باسم محور النظام لا تقل دموية ولا طائفية عن بعض الفصائل كـ"داعش" وغيره. ولم يشر الاتفاق إلى حلّ سياسي حددت مواثيق دولية ملامحه من دون وجود رئيس النظام بشار الأسد ورموزه.

مرّة جديدة، تتنازل واشنطن لموسكو في الملف السوري، فجاءت البنود المعلن عنها لمصلحة محور النظام نظرياً، لأن الهدنة، التي يفترض أن يبدأ سريانها عند السابعة من مساء يوم الغد الاثنين 12 سبتمبر/أيلول، في المناطق السورية، لا تفصلها أي ضمانة من شأنها منع تكرار مصير هدنة فبراير/شباط الماضي التي لم يحترمها محور موسكو ــ دمشق ــ طهران ــ حزب الله منذ يومها الأول نهاية ذاك الشهر. وجاءت المجزرة التي نفذتها المقاتلات الروسية ظهر أمس في سوق للخضار بمدينة إدلب، وراح ضحيتها أكثر من ستين مدنياً وعشرات الجرحى، وتلك الروسية أيضاً التي ارتكبت في حي بستان القصر بحلب وراح ضحيتها 10 مدنيين، فضلاً عن المدنيين الـ16 الذي قضوا بغارات روسية كذلك في حي الميسر داخل المدينة، وبلدة باتبو غربها، وبلدة كفر داعل، لتعطي فكرة مسبقة عما يمكن أن يكون عليه وقف إطلاق النار الذي قرره كيري ولافروف من دون استشارة المعارضة السورية.

ولم يشر اتفاق كيري ــ لافروف إلى المليشيات الطائفية التي تقتل باسم النظام، كذلك لم يحدد أي آلية لمنع النظام وروسيا من مواصلة القتل. بينما جاء الحديث عن فصائل المعارضة مليئاً بالتهديد في حال لم تلتزم، ليتم وضع الفصائل السورية في موقع التحارب والتقاتل في ما بينها من بوابة التصنيفات الأميركية ــ الروسية لـ"الإرهاب"، كأن المطلوب منها إعطاء شهادة براءة من الإرهاب للنظام والمليشيات الحليفة له، التي لا يصحّ وصفها بالإرهابية وفق الاتفاق الأميركي ــ الروسي. ويتضمن الاتفاق الروسي الأميركي بحسب التسريبات غير الرسمية ما يلي:

1ــ تدعو الولايات المتحدة وروسيا جميع الأطراف في سورية إلى وقف شامل للأعمال العدائية في كل أنحاء البلاد يشمل وقف كل الهجمات، بما فيها القصف الجوي، ومحاولة السيطرة على مناطق جديدة، والضمان الكامل لوصول المساعدات الإنسانية من دون أي عوائق. 2ــ يتوقف طيران النظام السوري عن القيام بأي طلعات جوية حربية في مناطق محددة خاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة جرى تحديدها من قبل الجانبين الأميركي والروسي. وحول هذه النقطة، شدد كيري على أنها تعني "وضع حد للبراميل المتفجرة والقصف العشوائي للأحياء السكنية. ويمكن لهذه الخطوة أن تغير طبيعة الصراع، لكن حصول هذا يتوقف على التنفيذ"، وهو ما يوفر غطاء لمواصلة استهداف الفصائل المسلحة.




3ــ في حال صمود وقف إطلاق النار، ستعمل الولايات المتحدة وروسيا معاً على ضرب "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) بصورة مشتركة. وفي هذه النقطة أيضاً، يكون الأميركيون قد تنازلوا للروس بالكامل. 4ــ يطلب هذا الاتفاق من جميع الأطراف الانسحاب من طريق الكاستلو شمالي حلب، بما يسمح بمرور المساعدات والأشخاص وحرية الحركة. ستكون هناك آلية مراقبة لهذا الطريق.

كما يطلب الاتفاق من قوات النظام والمعارضة السماح بعبور المساعدات والأشخاص وحرية الحركة عبر طريق الراموسة جنوب غربي حلب، ويطلب كذلك منع أي طرف هنا من السيطرة على مناطق جديدة. 5ـ بعد سبعة أيام متواصلة من الالتزام بوقف شامل للأعمال العدائية وضمان وصول المساعدات الإنسانية، تبدأ الولايات المتحدة وروسيا معاً جهوداً لهزيمة تنظيم "داعش" وجبهة فتح الشام (من دون مشاركة الطيران السوري).

6ــ يجب على "المعارضة المعتدلة" أن تنأى بنفسها عن كل من "داعش" و"فتح الشام". 7ــ تطبيق هذا الاتفاق سيسمح باستئناف المحادثات لتحقيق الانتقال السياسي في سورية. وهذا البند لم يحدد كيف ومتى وعلى أي أساس قد يكون الانتقال السياسي، في ظل استمرار الطروحات التي يقدمها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ومعظمها يصب في مصلحة وقراءة النظام السوري.

وفي حين أعرب كيري عن أمله بأن تضمن روسيا التزام النظام السوري بكل ما هو مطلوب منه بشأن قواته الجوية والمساعدات الإنسانية، حذر الوزير الروسي من أن هناك أطرافاً تريد تقويض الترتيبات التي جرى التوصل اليها، وكأنه يبرر سلفاً مواصلة استهداف مناطق المعارضة بحجة أن هناك من لا يرغب بتنفيذ الاتفاق. وبين كلمات لافروف، يظهر كأن هناك اتفاقات غير معلنة، بما أنه "سيتم إنشاء مركز تنفيذي مشترك يعمل فيه عسكريون وممثلو أجهزة الاستخبارات الروسية والأميركية لحل المشاكل التي قد تنشأ وقوات النظام ستعمل خارج مناطق تنفيذ هذه الضربات"، وهي نقطة من غير المعروف ما إذا كانت تعني السماح لقوات النظام بمواصلة عملياتها في مناطق أخرى.

ورأى لافروف أنه لا يمكن لأحد ضمان احترام الاتفاق وتطبيقه بأكمله، مضيفاً أنه لا يستطيع الكشف عن تفاصيل أخرى حول هذه الخطة لأنها تحتوي على "معلومات حساسة، لا نريد أن تصبح في أيدي أولئك الذين سيحاولون، بالتأكيد، عرقلة تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في البنود المتعلقة بمسألة المساعدة الإنسانية، وفي غيرها من بنود اتفاقنا".



وما لم يقله كيري ولافروف عن الاتفاق، أفصح عنه المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، الذي هدد المعارضة، مباشرة، مساء أمس السبت، بـ"عواقب وخيمة" في حال حصل "تعاون مع تنظيم فتح الشام" (النصرة سابقاً)، مشيراً، في المقابل، في رسالة وجهها إلى الفصائل المعارضة المسلحة، إلى أن "الاتفاق يعطي التيار الرئيسي للمعارضة المسلحة حق الدفاع عن النفس"، وكأن الفصائل السورية المسلحة ستستأذن من لم يستشرها في موضوع الاتفاق الروسي الأميركي، قبل أن تدافع عن نفسها في حال تعرضت لاعتداءات بعد بدء سريان الهدنة المفترضة.

وفي السياق، كشفت الهيئة العليا للمفاوضات، الممثل الأكبر للمعارضة السورية، أنها لم تبلغ رسمياً بنص الاتفاق، لكن استبق عدد من أعضائها والمتحدثين باسمها الرد الرسمي، وقدموا تحفظات على هذا الاتفاق. وجاء أبرزها على لسان المتحدث باسم الهيئة رياض نعسان آغا الذي اعتبره منقوصاً، وقد يمهد لتصعيد في الحرب بدل توقفها.

وقال آغا في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاتفاق ببساطة يمنح روسيا وأميركا حق القصف، ويريح النظام السوري من ذلك. وهو قصف سيستهدف مناطق بعينها تعتبر حاضنة للثورة السورية، وتضم مئات آلاف المدنيين، بحجة محاربة الارهاب، ويتجاهل مناطق أخرى تنتشر فيها عشرات التنظيمات الإرهابية التي تقاتل مع النظام بتمويل من إيران، فضلاً عن عشرات آلاف الشبيحة. كما يتجاهل النظام نفسه الذي هو الطرف الارهابي الأول في سورية". وأضاف أن الاتفاق لم يشر إلى دور إيران، وهل يحق لها مواصلة القتال عبر تنظيماتها، وما هي عواقب عدم التزامها ومجموعاتها بوقف العمليات العسكرية.

وأوضح آغا أن الاتفاق لم يتجه إلى بناء الثقة وفق قرار مجلس الأمن 2254، وهو يتحدث عن إدخال مساعدات للمناطق المحاصرة، وليس عن فك الحصار عنها كما نصت بنود ذلك القرار، كم أن الاتفاق أغفل قضية المعتقلين. ولفت إلى أن النظام السوري خرق الاتفاقات السابقة مرات عدة من دون أن يتلقى أي عقاب. واستغرب تجاهل الاتفاق للوثيقة التي قدمتها المعارضة في لندن، ولمصير الأسد، وهما يعلمان أنه لا يمكن مكافحة الإرهاب بوجود الاسد.

من جهتها، لفتت فصائل المعارضة السورية المسلحة في رسالة بعثت بها إلى هيئة التفاوض إلى أن الاتفاق يخرق قرار مجلس الأمن 2268 الذي ينص على وجوب أن تكون الهدنة شاملة كل الأراضي السورية. وتساءلت الفصائل عما إذا كان هناك أي عقاب للنظام والمليشيات المتحالفة معه في حال خرقهم الاتفاق مشيرة إلى عدم وجود آليات واضحة لتنفيذ الاتفاق، ما يجعله مشابهاً لما سبقه من اتفاقات لم يكتب لها النجاح.

في المقابل، رحبت وزارة الخارجية التركية بالاتفاق مشيرة إلى أن أنقرة تواصل الاستعداد لإدخال المساعدات الإنسانية، وذلك بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. ومن جانبه، اعتبر المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة يتيح فرصاً جديدة لتسوية الأزمة السورية، مؤكداً عزمه عقد لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهدف البحث في سبل إطلاق جولة جديدة من المفاوضات السورية في جنيف.

ميدانياً، وبالإضافة إلى مجزرتي إدلب وحلب، أعلنت فصائل المعارضة البدء بعملية عسكرية جديدة في ريف حلب الجنوبي تهدف إلى السيطرة على مواقع لقوات النظام. وفي جنوب البلاد، أعلنت فصائل معارضة عدة بدء معركة "قادسية الجنوب" في ريف القنيطرة. بناء على كل ذلك، يرجح مراقبون ألا يكون مصير الاتفاق الجديد أفضل من مصير ما سبقه من اتفاقيات مماثلة بسبب غياب الإطار السياسي الذي يثبت الهدنة.



ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
وفد أممي في مخيم نازحين سوريين في إدلب - سورية - 14 أكتوبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

زار وفد من الأمم المتحدة مدينة إدلب السورية، للاطلاع على أوضاع مواطنين سوريين وصلوا أخيراً بعد مغادرتهم لبنان وسط العدوان الإسرائيلي المتصاعد هناك.