مصر: عفو العيد لـ550 سجيناً جنائياً بلا معتقلين سياسيين

11 سبتمبر 2016
العفو قد يشمل عدداً ضئيلاً من الصحافيين المصريين(فايز الغريزي/Getty)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" أن قرار العفو الذي أصدره رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، عن مساجين، أمس السبت، بمناسبة الاحتفال بعيد اﻷضحى وذكرى حرب أكتوبر 1973، لا يشمل معتقلين سياسيين، وﻻ يتضمن أسماء بعينها، بل يسند هذا القرار مهمة اختيار اﻷسماء لمصلحتي اﻷمن العام والسجون. وهو يختلف عن القرارين اللذين أصدرهما السيسي العام الماضي بالعفو عن أشخاص بعينهم متهمين أو مدانين في قضايا سياسية.

وحددت المادة الأولى من قرار السيسي الفئات التى يسري عليها العفو، وهي المحكوم عليهم بالسجن المؤبد إذا كانت المدة المنفذة حتى الآن 15 سنة، والمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية متى كان المحكوم عليه قد نفذ حتى ذلك التاريخ نصف مدتها، وبشرط ألا تقل مدة التنفيذ عن ستة أشهر. وكذلك المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية فى جرائم ارتكبوها قبل دخولهم السجن، وأمضوا في السجن نصف مجموع مدة تلك العقوبات.

وحددت المادة الرابعة من القرار الاشتراطات اللازمة للعفو عن المحكوم عليهم، وهي أن يكون سلوكه أثناء تنفيذ العقوبة داعياً إلى الثقة في تقويم نفسه، وألا يكون في العفو خطر على الأمن العام، وسداد جميع الالتزامات المالية المحكوم بها عليه ما لم يكن من المتعذر عليه الوفاء بها. وبموجب القرار، تشكل لجنة عليا من الجهات الأمنية المعنية برئاسة مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون للنظر بأسماء من سيشملهم العفو.

وكانت مصادر أمنية مطلعة بوزارة الداخلية المصرية قالت لـ"العربي الجديد" إن مصلحة الأمن العام أعدت قائمة نهائية تضم 550 سجيناً جنائياً على مستوى الجمهورية سيستفيدون من قرار العفو الاعتيادي الذي أصدره رئيس النظام المصري. لكن المصادر أكدت مساء يوم الجمعة أن قائمة المستفيدين من العفو "خالية من أي سجناء سياسيين، ولا تضم أياً من الشباب الذين يحاكمون في قضايا أحداث العنف والتظاهر المتعاقبة منذ منتصف 2013، وليس من بينهم شخصيات مشهورة". وأشارت المصادر إلى أن "قرار العفو الاعتيادي ينص على استبعاد المدانين في قضايا جرائم أمن الدولة من الداخل والخارج، ومن بينها الجرائم الخاصة بقانون التظاهر". وشددت على أن "رئاسة الجمهورية لم ترسل لوزارة الداخلية أي قوائم بأسماء شباب ينوي السيسي العفو عنهم بشكل استثنائي"، علماً بأن السيسي أطلق وعداً منذ أسبوعين خلال حواره مع رؤساء تحرير صحف مصرية، بالعفو عن 300 سجين من بينهم صحافيون وشخصيات عامة عرفت في "قضايا التظاهر".


وكان السيسي أطلق وعدين مشابهين بالعفو عن "مئات المساجين من الشباب" قبيل رمضان الماضي ثم قبيل عيد الفطر الماضي. إلا أنه لم يصدر أي قرار بالعفو عن أسماء بعينها كما حدث مرتين العام الماضي 2015. واقتصر الأمر على إصداره قرارين اعتياديين بالعفو عن بعض أنواع السجناء، وفقاً لما تحدده مصلحة الأمن في وزارة الداخلية التي اختارت الأسماء بنفسها. ولم يكن من بينهم أي من المحكومين في قضايا التظاهر من الفتيات والشبان، وحتى كبار السن الذين يعانون مشاكل صحية مستعصية.


وأضافت مصادر وزارة الداخلية أن مصلحة الأمن العام لم تتخذ أي إجراء بشأن قائمة كانت قد أعدتها منذ شهر بالشباب المسجونين في القضايا الجنائية ذات الطابع السياسي. وهي قائمة مصنفة إلى فئتين: "الأولى خاصة بالمساجين الذين ترى مصلحة الأمن العام خطورة في خروجهم بالعفو؛ والثانية للمحبوسين الذين لن يؤثر خروجهم مبكراً على شعبية النظام، ولن يؤدي إلى فوضى". ولم تشأ المصادر أن تجزم بعدم صدور قرار مفاجئ من السيسي بالعفو عن أسماء بعينها من قائمة السجناء السياسيين، ومعظمهم من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" والتيارات الأخرى الرافضة للانقلاب. إلا أنها قالت: "لا تبدو الأمور وكأننا بصدد إصدار قرار عفو كما حدث مرتين العام الماضي، ولم نتلق أي إشارة في هذا الصدد".

وحول الفجوة بين هذا الواقع وبين تصريحات السيسي بشأن العفو عن مئات السجناء، أوضحت المصادر أن رئيس النظام المصري "ربما يكون قد قصد إخلاء سبيل عدد من الشباب المتهمين بالتظاهر، وهو ما تحقق بالفعل لعدة حالات على مدار الأسبوعين الماضيين". وكان استفاد من قرارات النيابة والمحاكم في هذا الشأن أعضاء فرقة "أطفال الشوارع" المعروفون بالفيديوهات التي يقومون ببثها على مواقع التواصل الاجتماعي، والمحامي مالك عدلي، والصحافي عمرو بدر، وآخرون تم القبض عليهم واتهامهم في قضايا تظاهر، لا سيما تلك المتعلقة بالاعتراض على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.


وعن الدلالة السلبية لصدور قرارات بإخلاء سبيل هؤلاء النشطاء حصراً، بعد إطلاق السيسي تصريحاته عن العفو، ذكر مصدر بلهجة حاسمة أن "هناك تنسيقاً في مثل هذه القضايا بين المحاكم والسلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية"، مضيفاً أنه "ليس من المعقول إخلاء سبيل هؤلاء بدون ضوء أخضر من الأعلى"، قاصداً بذلك توجيهات من الرئاسة. فضلاً عن ذلك، أكد المصدر نفسه أنه "لا يمكن إخلاء سبيل شخص ليس مطلوباً إخراجه في هذا الوقت".

وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأمن العام (المصري) يعرقل أحياناً مخططات للعفو عن بعض السجناء في قضايا التظاهر، لا سيما تلك المقدمة من المجموعة المسماة بـ شباب الإعلاميين، المقربين من مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، والذين روجوا لهذه الفكرة العام الماضي كوسيلة لرفع شعبية السيسي".

في سياق متصل، قال مصدر دبلوماسي مصري إن السيسي حرص على إخلاء سبيل أشهر المتظاهرين في قضية "تيران وصنافير" بقرارات قضائية خلال الفترة الماضية، استعداداً لرحلته المرتقبة إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، إذ سيتحدث في الغرف المغلقة عن احترام السلطة المصرية لأحكام القضاء، وعن الحريات المتزايدة في الشارع. وأوضح المصدر أن "الأمر الوحيد الذي قد يدفع السيسي لإصدار قرار عفو عن سجناء في قضايا سياسية ومشهورة إعلامياً في اللحظة الأخيرة قبل عيد الأضحى (غداً الاثنين) هو رغبته في تخفيف الضغوط السياسية عليه، خلال لقاءاته بدوائر أميركية وأوروبية وشخصيات بارزة خلال رحلة نيويورك". ونفى المصدر أن تكون لقاءات السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى الصين مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد تطرقت إلى ملف الحريات الملغوم في مصر. وأشار إلى أن "اللقاءات كانت مقتضبة، ولم تعد كونها بروتوكولية".

يذكر أن مصدراً حكومياً ذا صلة بمساعي الإفراج عن السجناء قال لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي إن "المجلس القومي لحقوق الإنسان قدم بالفعل للرئاسة قائمة طويلة تضم نحو 450 اسماً منهم العشرات الذين لا يزالون قيد المحاكمة، أي لم تصدر ضدهم أي أحكام حتى الآن، وتجاوز بعضهم الحد الأقصى لفترات الحبس الاحتياطي المقرر بقانون الإجراءات الجنائية، ومنهم صحافيون وشباب ينتمون لحركات ثورية غير إسلامية".

ورجح المصدر أن تتضمن قائمة العفو التي وعد بها السيسي "خليطاً من الأسماء التي لا يجمعها رابط محدد، باختبار حالتين على الأكثر من كل قضية تضم عدداً كبيراً من المتهمين، على أن تكون الأولوية للفتيات سواء من جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها، ثم للمرضى وكبار السن، ثم لبعض الصحافيين والمشاهير المسجونين في قضايا نشر وازدراء الدين الإسلامي كالكاتب إسلام بحيري والروائي أحمد ناجي". ورجح "أن يكون بحيري وناجي على رأس أي قائمة للعفو لامتصاص غضب الأوساط اليسارية والليبرالية، وتهكمها على تزامن حبس الاثنين مع نداء السيسي لتجديد الخطاب الديني". واستبعد المصدر أن تضم أي قائمة العفو قيادات حركة "6 أبريل"، أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل، مؤكداً في الوقت نفسه أن "هناك معلومات تتردد في أوساط وزارة الداخلية عن تدخلات عالية المستوى من دول أجنبية للعفو عن الناشط السياسي، علاء عبدالفتاح، وجميع المعتقلين في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى نهاية عام 2013".