ينهي رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، بعد قراره، يوم الإثنين الماضي، بالتخلي عن مقعده في مجلس العموم البريطاني، مسيرته السياسية. ويأتي قرار كاميرون بعد أسابيع من خسارته استفتاء مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وبعدما اختار 52 في المائة من البريطانيين الخروج من الاتحاد على عكس ما كان يطمح كاميرون للبقاء في سدة الحكم للعام 2020.
ومهما تباينت الآراء عند تقييم سنوات عمل كاميرون على الساحة السياسية، بين صحيفة "ذي اندبندنت" التي وصفته بـ"أسوأ رئيس وزراء بريطاني في المائة سنة الأخيرة"، أو صحيفة "ذا ميل" التي اعتبرته "قائداً قوياً، أخرج بريطانيا من الأزمة الاقتصادية بخبرة"، فلا يُنكر للرجل عدد من الإنجازات التي حققها، خلال وجوده، على رأس حزب المحافظين، ثم في رئاسة الوزراء.
اقــرأ أيضاً
تمكن كاميرون، بعد خمس سنوات من توليه زعامة الحزب في عام 2005، من إعادة الحزب إلى الحكم، ولو من بوابة حكومة ائتلاف، ثم نجح مُجدداً في انتخابات العام الماضي، بتمكين المحافظين الانفراد بالحكومة بعد الفوز بأغلبية في البرلمان.
وبعد 13 عاماً من حكم حزب العمال، ومرور البلاد في أزمة اقتصادية صعبة في عام 2008، تمكن كاميرون من إعادة الاستقرار والنمو للاقتصاد، بفرض سياسات تقشف "غير شعبية"، حتى بات الاقتصاد البريطاني الأقوى في أوروبا، بعد الاقتصاد الألماني.
ومع أن سياساته "التقدمية" من قبيل تشريع الزواج المثلي، أثارت عليه القاعدة التقليدية لحزب المحافظين، كما أثارت سياساته "غير الشعبية" مثل تقليص الإنفاق العام موجات غضب شعبية، إلا أن سياسات أخرى مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين التعليم، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، زادت شعبيته داخل الحزب وخارجه. وقد يحسب له أنصاره خمسة إنجازات رئيسية، تشريع زواج المثليين في عام 2013، على الرغم من معارضة أكثر نواب حزبه، رفع حجم المساعدات الخارجية في عام 2014 لتصبح بريطانيا أول دولة كبرى تلتزم بسقف0.7 من الناتج المحلي الإجمالي الذي حددته الأمم المتحدة، ثم الفوز بالاستفتاء الاسكتلندي في عام 2014 ومنع انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وإقرار قانون العبودية الحديثة في عام 2015، وأخيراً رفع الحظر عن عمل المجندات الإناث في الخطوط الأمامية لوحدات المشاة والدبابات في الجيش، وصولاً إلى جميع وحدات الجيش، بما في ذلك القوات الخاصة في عام 2018.
تراجع أولوية القضايا الدولية
أما بالنظر إلى مكانة بريطانيا ودورها على الساحة الدولية خلال سنوات حكم كاميرون، يُلاحظ مراقبون تراجع القضايا الدولية في أولويات أجندة كاميرون الذي آثر الانشغال بالقضايا المحلية، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، على التورط في ملفات دولية مُعقدة ليس أقلها أزمة اليونان، وأزمة روسيا - أوكرانيا، وخطر "داعش"، ونشوب النزاعات الأهلية والبينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعضلة المهاجرين الى أوروبا. ويرى مراقبون أن خيار الانكفاء نحو الداخل الذي فضله كاميرون، عكس المزاج العام للرأي العام البريطاني. فقد كشفت دراسة أجراها المعهد الملكي للدراسات "تشاتم هاوس" بالتعاون مع مؤسسة "يوغوف" لاستطلاعات الرأي، عن ميل أغلبية الجمهور البريطاني لجهة تركيز السياسة الخارجية على حماية المملكة المتحدة في حدودها، مع اقتصار التدخل الخارجي على تقديم المساعدات التنموية. ومع أن أغلبية من شاركوا في الاستطلاع يعتقدون أن على بريطانيا مسؤولية في الحفاظ على الأمن الدولي، إلا أنهم يظهرون أكثر ميلاً لاستخدام وسائل وأدوات الدبلوماسية الناعمة، وتوسيع مشاركة بريطانيا في قوات حفظ السلام الدولية، بدلاً من اللجوء للقوة العسكرية. وقد ترجم كاميرون هذه الميول للرأي العام البريطاني بخفض عدد قوات الجيش البريطاني خلال الأعوام القليلة الماضية إلى حوالى 80 ألفاً فقط. ورافق ذلك تقليص في ميزانية الدفاع البريطانية بنسبة 9 في المائة على مدار السنوات الست الماضية. كما عملت حكومة كاميرون السابقة على تقليص ميزانية وزارة الخارجية البريطانية بمقدار 25 في المائة.
ولا شك أن تجربة مشاركة بريطانيا في غزو العراق في عام 2003 إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، بكل ما فيها من دروس، فصلها تقرير لجنة التحقيق، المعروفة باسم "لجنة السير تشيلكوت"، للتحقيق في ملابسات الغزو، ألقت بظلالها على سياسات كاميرون الخارجية. فقد آثر رئيس الوزراء البريطاني السابق، طيلة سنوات تواجده في "داوننغ ستريت" من عام 2010 وإلى منتصف العام الجاري، عدم التورط في أي تدخلات عسكرية خارجية، وقد تجلى ذلك في إحجام الحكومة البريطانية عن التدخل بقوات برية في ليبيا أو سورية، حتى أن حكومة كاميرون لم تتجرأ آنذاك على المباشرة في توجيه ضربات جوية لقواعد "داعش" في العراق وسورية إلا بعد تفويض محدود من مجلس العموم. ويرى أستاذ التاريخ والسياسة الخارجية في "كينغز كوليدج" في لندن، جون بيو، أن تجربة حرب العراق شلت بريطانيا عن التدخل في سورية، بل إن بريطانيا فقدت القدرة حتى على التحرك للتقليل من مستوى العنف هناك، أو حتى فتح ممرات إنسانية آمنة للاجئين، أو حتى فرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية على نظام الأسد.
انقسام حزب المحافظين
شكل انقسام المحافظين حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي التحدي الأكبر الذي واجه كاميرون، وحزب المحافظين ككل.
ففي الوقت الذي تبنى فيه كاميرون موقفاً مؤيداً لبقاء بريطانيا في الاتحاد، واجهه صقور الحزب المناهضين للاتحاد الأوروبي والمؤيدين لـ"البريكست" بلا هوادة حتى دفعوه إلى الاستقالة من زعامة الحزب، ومن رئاسة الحكومة، وأخيراً من مجلس النواب، بعد خسارة استفتاء يونيو/ حزيران الماضي.
وعقب مغادرة كاميرون المسرح السياسي، لا يختلف اثنان، سواء في معسكر مؤيدي الرجل أو خصومه، عن أن قرار تنظيم استفتاء يونيو/ حزيران الماضي حول مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وما أفضى إليه من تصويت 52 في المائة من الشعب لصالح الخروج من الاتحاد، كان القرار القاتل في مسيرة كاميرون السياسية.
اقــرأ أيضاً
تمكن كاميرون، بعد خمس سنوات من توليه زعامة الحزب في عام 2005، من إعادة الحزب إلى الحكم، ولو من بوابة حكومة ائتلاف، ثم نجح مُجدداً في انتخابات العام الماضي، بتمكين المحافظين الانفراد بالحكومة بعد الفوز بأغلبية في البرلمان.
ومع أن سياساته "التقدمية" من قبيل تشريع الزواج المثلي، أثارت عليه القاعدة التقليدية لحزب المحافظين، كما أثارت سياساته "غير الشعبية" مثل تقليص الإنفاق العام موجات غضب شعبية، إلا أن سياسات أخرى مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين التعليم، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، زادت شعبيته داخل الحزب وخارجه. وقد يحسب له أنصاره خمسة إنجازات رئيسية، تشريع زواج المثليين في عام 2013، على الرغم من معارضة أكثر نواب حزبه، رفع حجم المساعدات الخارجية في عام 2014 لتصبح بريطانيا أول دولة كبرى تلتزم بسقف0.7 من الناتج المحلي الإجمالي الذي حددته الأمم المتحدة، ثم الفوز بالاستفتاء الاسكتلندي في عام 2014 ومنع انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وإقرار قانون العبودية الحديثة في عام 2015، وأخيراً رفع الحظر عن عمل المجندات الإناث في الخطوط الأمامية لوحدات المشاة والدبابات في الجيش، وصولاً إلى جميع وحدات الجيش، بما في ذلك القوات الخاصة في عام 2018.
تراجع أولوية القضايا الدولية
أما بالنظر إلى مكانة بريطانيا ودورها على الساحة الدولية خلال سنوات حكم كاميرون، يُلاحظ مراقبون تراجع القضايا الدولية في أولويات أجندة كاميرون الذي آثر الانشغال بالقضايا المحلية، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، على التورط في ملفات دولية مُعقدة ليس أقلها أزمة اليونان، وأزمة روسيا - أوكرانيا، وخطر "داعش"، ونشوب النزاعات الأهلية والبينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعضلة المهاجرين الى أوروبا. ويرى مراقبون أن خيار الانكفاء نحو الداخل الذي فضله كاميرون، عكس المزاج العام للرأي العام البريطاني. فقد كشفت دراسة أجراها المعهد الملكي للدراسات "تشاتم هاوس" بالتعاون مع مؤسسة "يوغوف" لاستطلاعات الرأي، عن ميل أغلبية الجمهور البريطاني لجهة تركيز السياسة الخارجية على حماية المملكة المتحدة في حدودها، مع اقتصار التدخل الخارجي على تقديم المساعدات التنموية. ومع أن أغلبية من شاركوا في الاستطلاع يعتقدون أن على بريطانيا مسؤولية في الحفاظ على الأمن الدولي، إلا أنهم يظهرون أكثر ميلاً لاستخدام وسائل وأدوات الدبلوماسية الناعمة، وتوسيع مشاركة بريطانيا في قوات حفظ السلام الدولية، بدلاً من اللجوء للقوة العسكرية. وقد ترجم كاميرون هذه الميول للرأي العام البريطاني بخفض عدد قوات الجيش البريطاني خلال الأعوام القليلة الماضية إلى حوالى 80 ألفاً فقط. ورافق ذلك تقليص في ميزانية الدفاع البريطانية بنسبة 9 في المائة على مدار السنوات الست الماضية. كما عملت حكومة كاميرون السابقة على تقليص ميزانية وزارة الخارجية البريطانية بمقدار 25 في المائة.
ولا شك أن تجربة مشاركة بريطانيا في غزو العراق في عام 2003 إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، بكل ما فيها من دروس، فصلها تقرير لجنة التحقيق، المعروفة باسم "لجنة السير تشيلكوت"، للتحقيق في ملابسات الغزو، ألقت بظلالها على سياسات كاميرون الخارجية. فقد آثر رئيس الوزراء البريطاني السابق، طيلة سنوات تواجده في "داوننغ ستريت" من عام 2010 وإلى منتصف العام الجاري، عدم التورط في أي تدخلات عسكرية خارجية، وقد تجلى ذلك في إحجام الحكومة البريطانية عن التدخل بقوات برية في ليبيا أو سورية، حتى أن حكومة كاميرون لم تتجرأ آنذاك على المباشرة في توجيه ضربات جوية لقواعد "داعش" في العراق وسورية إلا بعد تفويض محدود من مجلس العموم. ويرى أستاذ التاريخ والسياسة الخارجية في "كينغز كوليدج" في لندن، جون بيو، أن تجربة حرب العراق شلت بريطانيا عن التدخل في سورية، بل إن بريطانيا فقدت القدرة حتى على التحرك للتقليل من مستوى العنف هناك، أو حتى فتح ممرات إنسانية آمنة للاجئين، أو حتى فرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية على نظام الأسد.
انقسام حزب المحافظين
شكل انقسام المحافظين حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي التحدي الأكبر الذي واجه كاميرون، وحزب المحافظين ككل.
وعقب مغادرة كاميرون المسرح السياسي، لا يختلف اثنان، سواء في معسكر مؤيدي الرجل أو خصومه، عن أن قرار تنظيم استفتاء يونيو/ حزيران الماضي حول مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وما أفضى إليه من تصويت 52 في المائة من الشعب لصالح الخروج من الاتحاد، كان القرار القاتل في مسيرة كاميرون السياسية.