وكان الاحتلال قد تسلم، في يناير/كانون الثاني 2016، الغواصة الخامسة من صنع ألمانيا وأطلق عليها اسم "راهف"، وهي تعمل بالطاقة الذرية وقادرة، بحسب ما كان نشر في إسرائيل سابقاً، على توجيه ضربة ثانية في حال تعرضت إسرائيل لهجوم نووي من إيران.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الجهات العسكرية أنّ هذه الغواصات قادرة على المكوث تحت الماء لفترات طويلة، وتوجيه ضربات صاروخية دقيقة، عدا قدراتها الاستراتيجية في جمع المعلومات. وأطلقت إسرائيل، أخيراً، مشروع بناء أسطول الغواصات النووية، بمساعدة وتمويل ألماني في السنوات الأخيرة، في سياق "استعداداتها" لمواجهة سيناريو امتلاك إيران للقدرة النووية، وتطوير إيران لصواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.
وكانت حكومة نتنياهو الثانية، عام 2009، وفي بدايات طرح الملف الإيراني، قد اتخذت بتوافق بين نتنياهو ووزير أمنه آنذاك، إيهود باراك، قراراً استراتيجياً بتسليح إسرائيل بست غواصات تعمل بالطاقة الذرية وقادرة على توجيه ضربة ذرية ثانية، في حال تعرضت إسرائيل لقصف بصواريخ محملة برؤوس نووية.
وتطرق القرار الإسرائيلي، حينها، إلى وجوب ضمان جاهزية أسطول الغواصات الألمانية بشكل عملياتي وميداني حتى عام 2019، وذلك قبل توصل الدول الغربية إلى اتفاق مع إيران. في المقابل، وبعد التوصل إلى الاتفاق في فيينا، العام الماضي، بشأن مشروع الذرة الإيراني تقديرات جديدة لخريطة التهديدات الإسرائيلية دفعت برئيس اركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال جادي أيزنكوط، إلى تعليق قرار شراء الغواصة السادسة، وتم تعليل القرار بأنّه لضرورات واعتبارات اقتصادية، لكن الاعتبارات الرئيسية بحسب ميلمان تطرقت أيضاً إلى الواقع الجديد الذي فرضه الاتفاق النووي مع إيران.
وأسست إسرائيل أسطولها البحري من الغواصات عام 1959، وكان مكوناً من غواصتين من طراز "إس" من فترة الحرب العالمية الثانية تم شراؤهما من بريطانيا، وتدرب طاقم هاتين الغواصتين في كل من فرنسا وبريطانيا. وبعد ذلك بثلاث سنوات اشترت ثلاث غواصات قديمة وصلت منها اثنتان لإسرائيل في آخر يوم من حرب حزيران/يونيو 67، فيما غرقت الغواصة الثالثة التي أطلق عليها اسم "داكار" في عرض البحر المتوسط عام 1968، وتم العثور عليها وانتشال ما تبقى منها عام 1999 على مسافة ثلاثة كيلومترات بين قبرص وكريت.
وبعدما خرجت هذه الغواصات القديمة من الخدمة في مطلع السبعينيات، انتقل سلاح البحرية الإسرائيلية لشراء غواصات من طراز "غال" الألمانية عبر مشروع ثلاثي مشترك شاركت في تمويله كل من ألمانيا وبريطانيا وإسرائيل، وتم صنع هذه الغواصات في أسكتلندا وتسلمها جيش الاحتلال رسمياً في العام 1977. وتمحور هدف الغواصات بتلك الفترة وفق عقيدة القتال الإسرائيلية، في جمع المعلومات.
وحملت سنوات الثمانينيات والتسعينيات تحولاً في كل ما يتعلق بدور سلاح الغواصات في الترسانة الإسرائيلية، ودوره في العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي، عبر تعميق استغلال عقدة الذنب الألمانية، بحسب ما يعترف به يوسي ميلمان، بعد تفجير المفاعل الذري العراقي، وبدء تقديرات إسرائيلية بشأن احتمال إقدام دولة ثالثة، إضافة إلى العراق، على إطلاق مشروع عسكري لبناء مفاعل ذري، مما يهدد ويفقد إسرائيل "احتكارها للقوة الذرية"، لا سيما بعدما بدأت الشكوك تحوم حول بدء إيران، في مطلع التسعينات، ببناء مفاعل ذري وتخصيب اليورانيوم، مقابل الاعتراف بدور شركات المانية بتطوير السلاح الكيماوي في العراق.
واستغلت إسرائيل العقدة الألمانية مجدداً و"أقنعت" ألمانيا بتمويل بناء غواصتين حديثتين ومتطورتين لإسرائيل. وفي هذا السياق، أشار ميلمان إلى وجود اتصالات سرية بهذا الخصوص بين إسرائيل وألمانيا، منذ سنوات الخمسينيات قبل إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
وبلغت كلفة مشروع بناء الغواصات الألمانية الخمس لإسرائيل، بحسب ما نشر في وسائل الإعلام الألمانية، نحو مليارين ونصف مليار يورو، مولت منها ألمانيا نحو 60 بالمائة فيما غطت إسرائيل 40 بالمائة من كلفة المشروع. وقال ميلمان إنّ إسرائيل لاءمت هذه الغواصات مع احتياجاتها الخاصة عبر إضافة وإدخال تعديلات عليها، بحيث يكون بمقدورها إطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية.