استنبط السوريون خلال مأساتهم التي وصفت بأنها "الأزمة الإنسانية" الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، مصطلحات وتسميات يصف كل طرف بها الآخر. من بين تلك التوصيفات "التعفيش". وهو يرمز إلى نهب المناطق التي تسيطر عليها القوات النظامية والمليشيات الموالية لها وبيع المسروقات في المناطق الخاضعة أساساً لسيطرة النظام. وكانت مدينة داريا، أخيراً، ميداناً جديداً لهذا "التعفيش"، إذ بعدما هجّر النظام أهلها نهاية الأسبوع الماضي، بدأت عمليات النهب الممنهج لأرزاقهم.
وليس أهل داريا وحدهم من هجروا من مدينتهم، بل حتى أثاث منازلهم يواجه المصير نفسه، بعدما فتحها النظام أمام مقاتليه والمليشيات الموالية لينقلوا كل ما يمكن نقله من داخلها وبيعه في المناطق المجاورة. وذكرت مصادر مطلعة في مدينة صحنايا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوات النظامية والمليشيات الموالية بدأت منذ يوم (الإثنين الماضي) بنقل (محتويات منزلية) من مدينة داريا إلى مدينة صحنايا المجاورة لها، ضمن ما يسمى التعفيش". وأضافت أن "عشرات السيارات تنقل كل ما يخطر باللبال من داريا بدءاً من الإبرة حتى السيارات، وبينها أثاث المنازل من غرف النوم والاستقبال والمطابخ والأدوات الكهربائية"، مضيفة أنه "يتم بيعها لمن يشاء، بأسعار زهيدة مقارنة مع أسعار السوق". ولفتت إلى أن "القائمين على التعفيش والبيع يؤمنون للمشتري الأوراق الرسمية اللازمة لنقل ما يشتريه لأي مكان يريد".
وعن رد فعل الأهالي، تتحدث مصادر من صحنايا عن أن "موقف الناس مما يحدث من أعمال تعفيش هو موقف متباين. فصحنايا تستقبل نحو 18 ألف عائلة نازحة معظمها من داريا والغوطة الغربية منذ سنوات، وهناك من يرى التعفيش سرقة بكل معنى الكلمة ويرفضه ويرفض اقتناء أي شيء مما يبيعونه، في حين يجده آخرون فرصة للحصول على بعض الأثاث الذي أصبح اقتناؤه حلما، كالبراد الذي يصل سعره إلى مليون ليرة سورية في حين يباع ضمن محال التعفيش بـ100 أو 200 ألف ليرة، وقس على ذلك باقي الأسعار"، وفق شرح المصادر نفسها.
وذكر أحد عناصر مليشيات "الدفاع الوطني" لـ"العربي الجديد"، أن "التعفيش هو مكافأة المقاتلين بعد المعارك التي يخوضونها، لا سيما أن النظام يتأخر بشكل دائم في دفع رواتب المقاتلين، في وقت يعاني فيه السوريون من غلاء المعيشة، ما يدفع بهم إلى التعفيش وحتى بيع الذخيرة التي تسلم لهم أو يحصلون عليها في المعارك". ولفت إلى أن "للتعفيش مراحل يبدأ في جولته الأولى للقوات النظامية، حيث يجمع كل ما هو وزنه خفيف وثمنه مرتفع، كالنقود والحلي وبعض الأشياء الأخرى"، مضيفاً أنه "في المرحلة الثانية يتم نقل الأثاث المنزلي والمحال التجارية والورش الصناعية، وهي تؤخذ مقابل مبالغ مالية للضباط المسؤولين عن تلك المناطق". أما في المرحلة الثالثة فيتم "أخذ ما يمكن انتزاعه من كسوة المنازل من أبواب ونوافذ والتمديدات الكهربائية والصحية للمنازل وحتى البلاط والسيراميك، وفي بعض المناطق بدأوا بهدم المنازل وسحب الحديد (منها)". واستدرك قائلاً "سبق أن كان التعفيش هو المقابل الذي يتلقاه المقاتل في الدفاع الوطني، جراء خوضه معركة ما، وهذا ما حدث في الغوطة الشرقية، حيث جاء ضباط القوات النظامية واتفقوا مع مجموعات من الدفاع الوطني على أن يقوموا بالسيطرة على عدة مناطق في هذه المنطقة، مقابل أن تنتظر سياراتهم لتحميل كل ما يمكن تحميله بداخلها، وهذا ما كان بالفعل"، وفق المتحدث نفسه.
وبيّن الدمشقي أن "التعفيش لم يقتصر على المناطق المسيطر عليها من قبل النظام، بل أن المليشيات الموالية له تستغل حاجة المحاصرين للمواد الغذائية، ليبادلوها بما يمتلكون في تلك المناطق، إذ يتم استلام الأثاث المنزلي أو الأدوات الكهربائية، وهي بلا قيمة في المناطق المحاصرة مقارنة بالمواد الغذائية، التي تسلم لهم في نقاط متفق عليها، كما يحدث في جنوب دمشق".
يشار إلى أن جميع المناطق التي سيطرت عليها القوات النظامية والمليشيات المساندة لها خضعت لعملية "تعفيش" وتم بيع المسروقات في تجمعات أطلق عليها "سوق التعفيش" أو "سوق السنة" كما يسمى في حمص.