مع الهزائم التي يتلقاها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ليبيا، وخصوصاً في مدينة سرت حيث يقترب من فقدان كل وجوده فيها، بدأت المخاوف تتزايد لدى دول الجوار الليبي من انتقال عناصر التنظيم الفارين من ليبيا إلى أراضيها. وتبدو تونس والجزائر ومصر، أكثر الدول المعنية بمواجهة هذا الخطر، وهو الأمر الذي عبّر عنه أكثر من مسؤول في هذه الدول، حتى أن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، حذر يوم الإثنين الماضي، من خطر انتقال عناصر من "داعش" إلى تونس، عندما يتم طردهم من المناطق التي يحتلونها في ليبيا.
وتبدو تونس الخاصرة الأضعف لليبيا، مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، خصوصاً المناطق الحدودية مع ليبيا. وتبدو مدينة بنقردان التونسية أبرز مثال على ذلك، ففي كل مرة تتأجج فيها الاحتجاجات الاجتماعية في المدينة، تتصاعد أصوات محذرة من استغلال تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية في ليبيا للفوضى في هذه المدينة الحدودية ومحاولة الدخول إلى تونس. وشهدت بنقردان قبل أشهر قليلة محاولة فاشلة لإعلان إمارة في المدينة التي تعيش على وقع الفقر وغياب التنمية وتنامي ظاهرة التهريب في ظل انعدام فرص العمل، وهو ما دفع عدداً من المتابعين للوضع التونسي، لإبداء تخوّفهم من استغلال الجماعات الإرهابية حالة الفوضى في المدينة الحدودية.
واعتبر المحلل السياسي نزار مقني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل في بنقردان في مارس/آذار الماضي خصوصاً من عناصر داعش ومعظمهم من أبناء المنطقة، يُعتبر مؤشراً على أن استمرار سياسة اللامبالاة من الدولة إزاء المطالب الاجتماعية لأهالي المنطقة قد يولِّد من جديد شعوراً بالمرارة والحرمان، وهو ما قد يخلّف نقمة على مؤسسات الدولة، برزت، أمس الأول الإثنين، في حرق آلات تعبيد الطرقات التابعة لمؤسسة خاصة"، مشيراً إلى أن "هذه هي نقطة الضعف التي راهن عليها الدواعش في هجومهم الأخير، وهي الحاضنة الشعبية التي قد تتوفر في أي هجوم آخر على المنطقة إذا لم تتحرك السلطات وتنفذ ما وعدت به وتوفّر فرص عمل لأبناء المنطقة".
ورأى مقني أن "ارتباط الإرهاب بالتهريب هو الذي يدفع الدولة للتصدي لمحاولات تهريب البضائع العادية مثل المحروقات، لكن الشعور بالمرارة قد يؤدي إلى إدخال السلاح مع باقي البضائع إذا كان هذا الأمر هو السبيل لكسب لقمة العيش"، معتبراً أن "هذا الخطر قد يعيد ما عاشته تونس مباشرة بعد الثورة، ألا وهو تهريب السلاح من ليبيا وإعادة توزيع النشاط الإرهابي في البلاد، خصوصاً مع بداية انتهاء عملية تحرير سرت وكذلك بداية عودة الإرهابيين التونسيين من بؤر التوتر، ولا أظنهم عائدين إلا لتطبيق مشروعهم في تونس".
وكان المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية التونسية، ياسر مصباح، أكد سابقاً لـ"العربي الجديد" أن "كل ما نُشر حول أعداد الإرهابيين التونسيين في الخارج غير دقيق، إذ لا يمكن تحديد العدد بسهولة"، موضحاً أنه "لا يمكن حصرهم لأنهم يسافرون عبر مسالك عديدة وبطريقة خفية". وأضاف أنه "لا يمكن تحديد عدد العائدين من بؤر التوتر"، على الرغم من أن بعض المصادر تتحدث عن عودة حوالى ستمائة "داعشي" إلى تونس.
من جهة أخرى، رأت رئيسة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا مجال للشك في أن "عناصر داعش يستغلون مثل هذه الأوضاع والفوضى". واعتبرت أن الاحتجاجات في بنقردان "يمكن أن تكون مفتعلة"، مفسرة ذلك بأن "التهريب والإرهاب مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وحادثة قتل المهرب في بنقردان، قبل أيام، قد تكون مدروسة أيضاً لتساهم في تأجيج الأوضاع واستغلال مشاعر المهمشين في المدينة".
ولفتت إلى أن "الهدف الحقيقي لدخول عناصر داعش إلى تونس هي الجزائر"، من دون أن تستبعد حدوث احتجاجات وأزمات اجتماعية في المناطق الحدودية الأخرى من جهة الجزائر على غرار ما حصل في القصرين، "ما قد يؤدي إلى نتائج ربما تكون وخيمة على تونس"، وفق قولها.
من جهته، أكد الشاب مراد، أحد المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أهالي بنقردان يقظون جداً ولن يتركوا داعش يمر بينهم"، مضيفاً أن "أحداث شهر مارس الأخيرة أفضل دليل على أن أهالينا يعملون مع الجيش الوطني لصد أي هجوم ممكن من هؤلاء الإرهابيين". ولفت إلى أن "البطالة والتهميش واللامبالاة هي أسباب هذه الاحتجاجات وربما ستكون السبب إذا ساءت الأوضاع في تونس ككل، وخصوصاً في بنقردان".